تفسير الآيات ( 63 - 74 ) من سورة الواقعة . حفظ
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء الرابع بعد المائتين من اللقاءات المعروفة بلقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السابع والعشرون من شهر محرم عام عشرين وأربع مائة وألف.
نبدأ هذا اللقاء بما جرت به العادة من تفسير كتاب الله عز وجل في الدرس الماضي ذكرنا على قول الله : (( وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ )) أنه ما يكون فوق الذهب من الدخان وتبين لنا بعد ذلك أنه الدخان المحض، فاليحموم هو الدخان وقد وصفه الله بأنه (( لَا بَارِد ولَا كَرِيم )) لا بارد كما هو الشأن في الظلال ولا كريم أي : حسن المنظر لأنه دخان كريه منظره حار مخبره نسأل الله العافية انتهينا إلى قوله تعالى : (( أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ )) يعني أخبروني أيها المكذبون بالبعث عن الذي تزرعونه بالحرث هل أنتم الذين تخرجونه زرعًا بعد الحب أم نحن الزارعون ؟ الجواب : إيش الجواب ؟ بل أنت يا رب أنت الذي تزرعه أي : تنبته حتى يكون زرعًا كما قال جل وعلا : (( إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى )) فلا أحد يستطيع أن يفلق هذه الحبة حتى تكون زرعة ولا هذه النواة حتى تكون نخلة إلا الله عز وجل قال تعالى : (( لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً )) ولم يقل عز وجل : لو نشاء لم نخرجه قال : (( لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً )) فبعد أن يخرج ويكون زرعًا وتتعلق به النفوس يجعله الله تعالى حطامًا وهذا أشد ما يكون سببًا للحزن والأسف، لأن الشيء قبل أن يخرج لا تتعلق به النفوس فإذا خرج وصار زرعا ثم سلط الله عليه آفة فكان حطامًا أي : محطومًا لا فائدة منه فهو أشد حسرة (( فَظَلَتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ )) يعني تتفكهون بالكلام تريدون أن تذهبوا الحزن عنكم فتقولون : (( إِنَّا لَمُغْرَمُونَ )) أي : لحقنا غرم بهذا الزرع الذي صار حطامًا ثم تستأنفون فتقولون : (( بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ )) أي : حرمنا هذا الزرع وصار حطاما ففقدناه.
ثم انتقل الله عز وجل إلى مادة أخرى هي مادة الحياة وهي الماء فقال : (( أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ )) يعني أخبروني عنه من الذي خلقه ؟ من الذي أوجده ؟ (( أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ )) ؟ الجواب : بل أنت يا ربنا يعني هل أنتم أنزلتم الماء الذي تشربونه من المزن أي : من السحاب أم نحن المنزلون ؟ الجواب : هو الله عز وجل لأنه ينزل من السحاب فيبقى غيرانًا في الأرض وما شربته الأرض يسلكه الله تعالى ينابيع في الأرض يستخرج بالآلات من الآبار ويجري من العيون فأصل الماء الذي نشربه أصله من المزن من السحاب، ولذلك إذا قل المطر في بعض الجهات قل الماء وغار واحتاج الناس إلى الماء قال تعالى : (( لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً )) أي : جعلناه مالحًا كريه الطعم لا يمكن أن يشرب وهنا يقول : (( لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً )) ولم يقل : لو نشاء لغورناه أو منعنا إنزاله لأن كونهم ينظرون إلى الماء رأي العين ولكن لا يمكنهم شربه أشد حسرة مما لو لم يكن موجودًا والله عز وجل يريد أن يتحداهم بما هو أعظم شيء في حسرة نفوسهم (( لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ )) أي : فهلا تشكرون الله عز وجل على إنزاله من المزن وعلى كونه سائغا عذبا لذيذ الطعم سريع الهضم ثم انتقل الله تعالى إلى أمر ثالث يصلح به الطعام والشراب وهو النار فقال : (( أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ )) أي : توقدون (( أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ )) الجواب : بل أنت يا ربنا، شجرة النار هي شجر معروف في الحجاز وربما يكون معروفا في غيره يسمى المرخ والغفار هذا الشجر له خاصية إذا ضرب بالمرو أو بشيء ينقدح مع المماسة اشتعل نارا يوقد منه وهو معروف ولهذا يقال :
" في كل شجر نار *** واستمجد المرخ والغفار "
يعني: صار أعظمها هذه النار التي نوقدها ونطبخ عليها طعامنا ونسخن مياهنا وننتفع بها (( أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ )) الجواب : بل أنت يا ربنا (( نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً )) تذكر بالنار نار الآخرة مع أن نار الآخرة فضلت على هذه بتسعة وستين جزءا على نار الدنيا كلها بما فيها من النيران الحارة الشديدة الحرارة (( وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ )) أي : للمسافرين يتمتعون بالنار بالتدفئة والدلالة على المكان، لأنه في ذلك الوقت وإلى وقت قريب كان الناس يستدلون على الأمكنة بنار يضعونها على مكان ... تهدي الضال ويضرب المثل في الدلالة بالعلم عليه النار كما قالت الخنساء ترثي أخاها صخرًا :
" وإن صخرًا لتأتم الهداة به *** كأنه علم "
أي : جبل
" في رأسه نار "
يهتدي الناس إليها (( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ )) أي : سبح الله عز وجل بهذا الاسم فقل : سبحان ربي العظيم والتسبيح يعني أن الله تعالى ينزه عن كل نقص وعيب فإذا قلت : سبحان الله فالمعنى إني أنزهك يا رب من كل نقص وعيب.
وقوله : (( الْعَظِيمِ )) أي : ذو العظمة البالغة لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( اجعلوها في ركوعكم ) ولما نزلت : (( سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى )) قال : ( اجعلوها في سجودكم ) ولهذا ينبغي للإنسان إذا كان يصلي وقال : سبحان ربي العظيم أن يستحضر أمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الله في قوله : (( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ )) وأمر الرسول في قوله : ( اجعلوها في ركوعكم ) حتى يجمع بين الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وإلى هنا ينتهي هذا الكلام الموجز في تفسير هذه الآيات الكريمة، ولنتفرغ الآن إلى الأسئلة ونبدأ باليمين في حق الضيوف أولًا .
أما بعد:
فهذا هو اللقاء الرابع بعد المائتين من اللقاءات المعروفة بلقاء الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السابع والعشرون من شهر محرم عام عشرين وأربع مائة وألف.
نبدأ هذا اللقاء بما جرت به العادة من تفسير كتاب الله عز وجل في الدرس الماضي ذكرنا على قول الله : (( وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ )) أنه ما يكون فوق الذهب من الدخان وتبين لنا بعد ذلك أنه الدخان المحض، فاليحموم هو الدخان وقد وصفه الله بأنه (( لَا بَارِد ولَا كَرِيم )) لا بارد كما هو الشأن في الظلال ولا كريم أي : حسن المنظر لأنه دخان كريه منظره حار مخبره نسأل الله العافية انتهينا إلى قوله تعالى : (( أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ )) يعني أخبروني أيها المكذبون بالبعث عن الذي تزرعونه بالحرث هل أنتم الذين تخرجونه زرعًا بعد الحب أم نحن الزارعون ؟ الجواب : إيش الجواب ؟ بل أنت يا رب أنت الذي تزرعه أي : تنبته حتى يكون زرعًا كما قال جل وعلا : (( إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى )) فلا أحد يستطيع أن يفلق هذه الحبة حتى تكون زرعة ولا هذه النواة حتى تكون نخلة إلا الله عز وجل قال تعالى : (( لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً )) ولم يقل عز وجل : لو نشاء لم نخرجه قال : (( لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً )) فبعد أن يخرج ويكون زرعًا وتتعلق به النفوس يجعله الله تعالى حطامًا وهذا أشد ما يكون سببًا للحزن والأسف، لأن الشيء قبل أن يخرج لا تتعلق به النفوس فإذا خرج وصار زرعا ثم سلط الله عليه آفة فكان حطامًا أي : محطومًا لا فائدة منه فهو أشد حسرة (( فَظَلَتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ )) يعني تتفكهون بالكلام تريدون أن تذهبوا الحزن عنكم فتقولون : (( إِنَّا لَمُغْرَمُونَ )) أي : لحقنا غرم بهذا الزرع الذي صار حطامًا ثم تستأنفون فتقولون : (( بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ )) أي : حرمنا هذا الزرع وصار حطاما ففقدناه.
ثم انتقل الله عز وجل إلى مادة أخرى هي مادة الحياة وهي الماء فقال : (( أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ )) يعني أخبروني عنه من الذي خلقه ؟ من الذي أوجده ؟ (( أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ )) ؟ الجواب : بل أنت يا ربنا يعني هل أنتم أنزلتم الماء الذي تشربونه من المزن أي : من السحاب أم نحن المنزلون ؟ الجواب : هو الله عز وجل لأنه ينزل من السحاب فيبقى غيرانًا في الأرض وما شربته الأرض يسلكه الله تعالى ينابيع في الأرض يستخرج بالآلات من الآبار ويجري من العيون فأصل الماء الذي نشربه أصله من المزن من السحاب، ولذلك إذا قل المطر في بعض الجهات قل الماء وغار واحتاج الناس إلى الماء قال تعالى : (( لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً )) أي : جعلناه مالحًا كريه الطعم لا يمكن أن يشرب وهنا يقول : (( لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً )) ولم يقل : لو نشاء لغورناه أو منعنا إنزاله لأن كونهم ينظرون إلى الماء رأي العين ولكن لا يمكنهم شربه أشد حسرة مما لو لم يكن موجودًا والله عز وجل يريد أن يتحداهم بما هو أعظم شيء في حسرة نفوسهم (( لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ )) أي : فهلا تشكرون الله عز وجل على إنزاله من المزن وعلى كونه سائغا عذبا لذيذ الطعم سريع الهضم ثم انتقل الله تعالى إلى أمر ثالث يصلح به الطعام والشراب وهو النار فقال : (( أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ )) أي : توقدون (( أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ )) الجواب : بل أنت يا ربنا، شجرة النار هي شجر معروف في الحجاز وربما يكون معروفا في غيره يسمى المرخ والغفار هذا الشجر له خاصية إذا ضرب بالمرو أو بشيء ينقدح مع المماسة اشتعل نارا يوقد منه وهو معروف ولهذا يقال :
" في كل شجر نار *** واستمجد المرخ والغفار "
يعني: صار أعظمها هذه النار التي نوقدها ونطبخ عليها طعامنا ونسخن مياهنا وننتفع بها (( أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ )) الجواب : بل أنت يا ربنا (( نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً )) تذكر بالنار نار الآخرة مع أن نار الآخرة فضلت على هذه بتسعة وستين جزءا على نار الدنيا كلها بما فيها من النيران الحارة الشديدة الحرارة (( وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ )) أي : للمسافرين يتمتعون بالنار بالتدفئة والدلالة على المكان، لأنه في ذلك الوقت وإلى وقت قريب كان الناس يستدلون على الأمكنة بنار يضعونها على مكان ... تهدي الضال ويضرب المثل في الدلالة بالعلم عليه النار كما قالت الخنساء ترثي أخاها صخرًا :
" وإن صخرًا لتأتم الهداة به *** كأنه علم "
أي : جبل
" في رأسه نار "
يهتدي الناس إليها (( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ )) أي : سبح الله عز وجل بهذا الاسم فقل : سبحان ربي العظيم والتسبيح يعني أن الله تعالى ينزه عن كل نقص وعيب فإذا قلت : سبحان الله فالمعنى إني أنزهك يا رب من كل نقص وعيب.
وقوله : (( الْعَظِيمِ )) أي : ذو العظمة البالغة لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( اجعلوها في ركوعكم ) ولما نزلت : (( سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى )) قال : ( اجعلوها في سجودكم ) ولهذا ينبغي للإنسان إذا كان يصلي وقال : سبحان ربي العظيم أن يستحضر أمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الله في قوله : (( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ )) وأمر الرسول في قوله : ( اجعلوها في ركوعكم ) حتى يجمع بين الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وإلى هنا ينتهي هذا الكلام الموجز في تفسير هذه الآيات الكريمة، ولنتفرغ الآن إلى الأسئلة ونبدأ باليمين في حق الضيوف أولًا .