تفسير الآيات ( 2 - 4 ) من سورة الحديد . حفظ
الشيخ : الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله عليه نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أمّا بعد :
فهذا هو اللّقاء الثامن بعد المائتين من اللّقاءات المسّماة بلقاء الباب المفتوح التي تتمّ كلّ خميس، وهذا الخميس هو السادس والعشرون من شهر صفر عام 1420 نبتدئ اللّقاء كما هو العادة بتفسير ما يمنّ الله به عزّ وجلّ من كتابه العزيز
قال الله تبارك وتعالى: (( سبّح لله ما في السّماوات والأرض وهو العزيز الحكيم )) وسبق معنا التّسبيح وأنّ كلّ السّماوات والأرض وما فيها تسبّح لله عزّ وجلّ على وجهين:
الأوّل؟ أجيبوا؟ بلسان المقال تقول سبحان الله
والثاني بلسان الحال بمعنى أنّ حال هذه المخلوقات تدلّ على تنزّه الله تبارك وتعالى عن العبث واللّعب وأنّه منزّه عن كلّ عيب ونقص، الكافر يسبّح الله بأيّ الطّريقين؟ أو بأيّ الوجهين؟ بلسان الحال لأنّه ما يسبّح الله بلسان المقال ما يسبّح الله بلسان المقال بل هو يكفر الله عزّ وجلّ
وسبق معنا قوله (( العزيز الحكيم ))وأنّ الله له الحكم وأنّ حكمه مبني على ايه؟ على الحكمة وعلى العزّة ولا حاجة إلى إعادة القول في ذلك لأنّه سبق وموجود عند صاحب التّسجيلات
قال الله عزّ وجلّ: (( هو الأوّل والآخر والظّاهر والباطن )) أربعة أشياء: الأوّل يعني الذي ليس قبله شيء لأنّه لو كان قبله شيء لكان الله مخلوقا وهو عزّ وجلّ الخالق ولهذا فسّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الأوّل بأنّه الذي إيش؟ ليس قبله شيء، كلّ الموجودات بعد الله عزّ وجلّ لا يوجد أحد مع الله ولا قبل الله، هو الآخر الذي ليس بعده شيء لأنّه لو كان بعده شيء لكان ما يأتي بعده غير مخلوق لله ومعلوم بأنّ المخلوقات كلّها مخلوقة لله عزّ وجلّ فهو الذي ليس بعده شيء، إذن هو الأوّل لا ابتداء له، الآخر لا انتهاء له ليس بعده شيء
والظاهر والباطن، الظّاهر: قال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في تفسيرها: ( الذي ليس فوقه شيء ) كلّ المخلوقات تحته جلّ وعلا فليس فوقه شيء
الباطن: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( الذي ليس دونه شيء ) يعني ما يحول دونه شيء خبير، عليم بكلّ شيء، لا يحول دونه جبال، ولا أشجار، ولا جدران ولا غير ذلك ليس دونه شيء، الأوّل والآخر اشتملا على عموم الزّمان، والظاهر والباطن على عموم المكان، نعود الأوّل معناه؟
الطالب : ...
الشيخ : والآخر؟
الطالب : ...
الشيخ : والظّاهر؟ الأخ؟
الطالب : ...
الشيخ : أنت هاه؟
الطالب : سبحان الله العظيم.
الشيخ : سبحان الله العظيم ليس معناها الظّاهر، طيب من يعرف نعم؟
الطالب : الذي ليس فوقه شيء.
الشيخ : الذي ليس فوقه شيء، الباطن الذي ليس دونه شيء، يعني لا يحول دونه شيء أبدا، لا دون بصره يرى كلّ شيء عزّ وجلّ، ولا دون سمعه يسمع كلّ شيء، ولا دون علمه يعلم كلّ شيء، قلنا هذه الأسماء الأربعة تضمّنت الاشتمال على إيش؟
الطالب : ...
الشيخ : نعم، الزّمانيّة في قوله الأوّل والآخر، والمكانيّة في قوله الظّاهر والباطن
(( وهو بكلّ شيء عليم )) كلّ شيء فالله عليم به (( إنّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السّماء )) لو عمل الإنسان في جوف بيته في حجرة مظلمة فهل يعلم الله تعالى عمله؟ نعم يعلم، بل زد على ذلك أنّه يعلم ما توسوس به نفسه، كما قال عزّ وجلّ: (( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه )) أنت إذا فكّرت في شيء فالله يعلم به قبل أن يكون، هل يعلم الماضي البعيد؟ نعم، بكلّ شيء، هل يعلم المستقبل البعيد؟ نعم، بكلّ شيء، ولهذا قال موسى عليه الصّلاة والسّلام لمّا سأله فرعون ما بال القرون الأولى يعني ماذا شأنها؟ قصّ علينا؟ (( قال علمها عند ربّي في كتاب لا يضلّ ربّي ولا ينسى )) لا يضل يعني ما يجهل لأنّ الضّلال معناه الجهل كما قال الله عزّ وجلّ في نبيّه: (( ووجدك )) نعم (( ضالّا فهدى )) ضالاّ ما معناه أنّه فاسق لا، معناه أنّه جاهل ما يدري، كما قال تعالى: (( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري )) ايش؟ (( ما الكتاب ولا الإيمان )) وقال تعالى: (( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذن لارتاب المبطلون )) إذن الله بكلّ شيء عليم، يا أخي إذا علمت أنّ الله بكلّ شيء عليم هل يمكنك أن تقدم على معصية الله وأنت في خفاء عن النّاس أجب؟ أجيبوا يا جماعة نعم وإلاّ لا؟ لا لأنّك تعلم أنّ الله يعلمه ما يمكن، قال الله عزّ وجلّ: (( أم يحسبون أنّا لا نسمع سرّهم ونجواهم )) الجواب (( بلى ورسلنا لديهم يكتبون )) فإذن إذا آمنت بأنّ الله جلّ وعلا عليم بكلّ شيء فإنّه يستلزم ألاّ تقوم بمعصيته ولو في الخفاء وألاّ تترك طاعته ولو في الخفاء
ولقد قال الله عزّ وجلّ عن نوح عليه الصّلاة والسّلام إنه قال: (( كلّما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم )) لئلاّ يسمعوا (( واستغشوا ثيابهم )) تغطّوا بها لئلاّ يبصروا والعياذ بالله لأنّهم يكرهون الحقّ (( وهو بكلّ شيء عليم )) بعدها؟
(( هو الذي خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّام ثمّ استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السّماء وما يعرج فيها )) خلق السّماوات والأرض أوجدها عزّ وجلّ بكلّ نظام وتقدير والسّماوات سبع ،والأرضون سبع، والأرض سابقة على السّماء، لأنّ الله تعالى قال في سورة فصّلت لمّا ذكر خلق الأرض قال: (( ثمّ استوى إلى السّماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين )) خلق السّماوات والأرض، الأرض قبل خلق السّماوات لكنّ الله يبدأ بالسّماوات لأنّها أشرف من الأرض وأعلى من الأرض، كيف السّماوات هل هي ملفوفة لفّة واحدة أو بينها مسافة؟
الطالب : ...
الشيخ : بينها مسافة بينها مسافة، المسافة بعيدة جدا جدّا وهذا يلزم أن يكون أصغر السّماوات سماء الدّنيا ويليها الثانية والثالثة، كلّ واحدة أوسع من الأخرى مساحة عظيمة وهي طباق متطابقة بعضها فوق بعض، وفي حديث المعراج أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كلّما صعد إلى سماء استفتح ففتح له، والأرض الأرض جعلها الله تعالى في القرآن بصيغة الإفراد صيغة الإفراد، الجمع جمع أرض؟ أرضون، ما تجد أرضون في القرآن كلّها أرض أرض لكنّ الله أشار إلى أنّها متعدّدة في قوله: (( الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهنّ )) أي مثلهنّ في العدد لا في الصّفة لأنّ الصّفة بين الأرض والسّماء التّماثل فيها بعيد جدّا، لكن مثلهنّ في العدد وصرّحت بذلك السّنّة في قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوّقه الله به يوم القيامة من سبع أرضين ) خلقها في ستّة أيّام كم من أيام؟ أطلقها الله عزّ وجلّ، ما بيّن أنّ اليوم خمسين ألف سنة ولا أقلّ ولا أكثر، وإذا أطلق يحمل على المعروف المعهود وهي أيّامنا هذه، وقد جاء في الأحاديث إنّها الأحد والإثنين والثّلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، الجمعة منتهى خلق السّماوات والأرض، مبتدأها متى؟
الطالب : الأحد.
الشيخ : الأحد، السّبت ليس فيه خلق لا ابتداء ولا انتهاء، فإذا قال قائل أليس الله قادر على أن يخلقها في لحظة فالجواب بلى لأنّ أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، إذن لماذا كانت في ستّة أيّام؟ أجيب عن ذلك بجوابين: الأوّل أنّ المخلوقات هذه يترتّب بعضها على بعض، يترتّب بعضها على بعض، فرتّب الله بعضها على بعض حتّى أحكمها وانتهى منها في كم؟ ستّة أيّام، الثاني أنّ الله علّم عباده التّؤدة والتّأنّي وأنّ الأهمّ إحكام الشّيء لا الفراغ منه حتّى يتأنّى الإنسان فيما يصنعه ولو كان يخلصه في ساعة يتأنّى ويخلصه في ساعتين فعلّم عزّ وجلّ سبحانه عباده التّأنّي في الأمور التي هم قادرون عليها وكلا الأمرين وجيه
(( ثمّ استوى على العرش )) استوى عليه يعني علا عليه على وجه يليق بجلاله لا يمكن أن نمثّله بخلقه لأنّ الله (( ليس كمثله شيء )) والعرش مخلوق عظيم لا يعلم قدره إلاّ الذي خلقه عزّ وجلّ، وقد جاء في الحديث ( أنّ السّماوات السّبع والأرضين السّبع في الكرسيّ كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض ) حلقة إيش؟ الأخ؟ الحلقة وايش هي؟
الطالب : ...
الشيخ : الحلقة حلقة الدّرع، الدّرع المكوّن من حلق من حديد، الحلقة من حديد من الدّرع وايش تكون بالنّسبة للفلاة؟ هاه؟
الطالب : ...
الشيخ : أي نعم، جزء من السّلسلة هذه لا شيء، فلاة من الأرض واسعة، ضع فيها حلقة من حلق الدّرع ماذا يكون؟ وايش نسبته وايش تسع من الأرض؟ لا شيء، ( ما السّماوات السّبع والأرضين السّبع في الكرسيّ إلاّ كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض وإنّ فضل العرش على الكرسيّ كفضل الفلاة على هذه الحلقة ) لا إله إلاّ الله! إذن لا يعلم قدره إلاّ الله عزّ وجلّ، وليس لنا أن نسأل أين مادّة الكرسيّ؟ من أين؟ من ذهب؟ من فضّة؟ من لؤلؤ؟ ما لنا حقّ نتكلّم في هذا، هو عرش عظيم كما وصفه الله نعم (( ربّ العرش العظيم )) (( ذو العرش المجيد )) عرش عظيم جدّا جدّا لا يعلم قدره إلاّ الله استوى عليه لكمال سلطانه جلّ وعلا
قد تجدون في بعض الكتب استوى على العرش يعني استولى عليه، اهكذا تجدون أحيانا، اللي اطّلع بعضا منكم على كتب الأشعريّة وما أشبههم يرى هذا استوى يقول استولى، وهذا تحريف للكلم عن مواضعه وقول على الله بلا حقّ وبلا علم لأنّه إذا كان خلق السّماوات ثمّ استوى على العرش قلنا ثمّ استولى العرش، قبل الاستيلاء لمن العرش؟ شوف بطلان القول هذا، ثم نقول الله استولى على كلّ شيء، هل نقول استوى على الأرض؟ ما يمكن أن نقول هذا إذن يتعيّن استوى بمعنى علا كيف استوى؟ ما ندري، الله أعلم، وسيأتي إن شاء الله بقيّة الكلام على هذه الصّفة لأنّها من المهمّ جدّا في الدّرس القادم إن شاء الله، وإلى الأسئلة، ونبدأ باليمين، والأحقّ بالأسئلة الضّيوف، والسّؤال واحد.