تفسير الآية ( 4 ) من سورة الحديد . حفظ
الشيخ : الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين
أمّا بعد :
فهذا هو اللّقاء التّاسع بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتمّ كلّ يوم خميس، وهذا الخميس هو الثالث من شهر ربيع الأوّل عام 1420 نتكلّم فيه كما هي العادة بما ييسّره الله عزّ وجلّ من تفسير الآيات، وقد سبق أن فسّرنا قول الله تعالى: (( سبّح لله ما في السّماوات والأرض وهو العزيز الحكيم* له ملك السّماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير* هو الأوّل والآخر والظّاهر والباطن وهو بكلّ شيء عليم )) هذه السّورة أيّ سورة هي؟
الطالب : الحديد.
الشيخ : سورة الحديد، الأوّل يعني؟ معناها معنى الأوّل؟
الطالب : الذي ليس قبله شيء.
الشيخ : والآخر؟
الطالب : الذي ليس بعده شيء.
الشيخ : الظّاهر؟
الطالب : الذي ليس فوقه شيء.
الشيخ : والباطن؟
الطالب : الذي ليس دونه شيء.
الشيخ : الذي ليس دونه شيء، هكذا فسّره النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ومن المعلوم أنّنا لا نرجع إلى قول أحد كائنا من كان من البشر بعد تفسير النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم
(( وهو بكلّ شيء عليم )) أي عليم بما كان وما يكون فلا ينسى ما مضى، ولا يجهل ما يأتي كما قال الله تعالى على لسان موسى صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم حين سأله فرعون (( فما بال القرون الأولى* قال علمها عند ربّي في كتاب لا يضلّ ربّي ولا ينسى )) لا يضل يعني إيش؟ لا يجهل، لأنّ الضّلال يراد به الجهل كما في قوله تعالى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( ووجدك ضالاّ فهدى )) يعني جاهلا، والنّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كان لا يعلم عن الشّريعة الإسلاميّة شيئا قبل أن يوحى إليه لقول الله تعالى: (( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان )) وقوله: (( وهو بكلّ شيء عليم )) هل يشمل أفعال العباد وأقوال العباد؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم، يشمل هذا، بل إنّه يعلم سبحانه ما في قلب الإنسان وإن لم يظهره كما قال تعالى: (( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد* إذ يتلقّى عن اليمين وعن الشّمال قعيد )) فإيّاك أن تضمر في قلبك شيئا ويحاسبك الله عليه، لكنّ الوساوس التي تطرأ على القلب ولا يميل الإنسان إليها بل يحاربها ويحاول البعد عنها بقدر إمكانه لا تضرّه شيئا بل هي دليل على صحّة إيمانه، لأن الشّيطان إنما يأتي إلى القلب فيلقي إليه الوساوس إذا كان قلبا سليما، أمّا إذا كان قلبا غير سليم فإنّ الشّيطان لا يوسوس له لأنّه قد انتهى
(( هو الذي خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّام ثمّ استوى على العرش )) خلق السّماوات السّبع وكذلك الأرض هي سبع لقول الله تعالى: (( الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهنّ )) مثلهنّ في إيش؟
الطالب : ...
الشيخ : هاه؟ في العدد وإلاّ في الكيفيّة؟
الطالب : في العدد.
الشيخ : في العدد، ولا يصلح أن تكون في الكيفيّة؟ السّؤال لك؟ لا يصلح أن تكون في الكيفيّة؟ ما تقولون؟
الطالب : لا يصلح.
الشيخ : لا يصلح، لأنّ هناك فرقا عظيما بين السّماء والأرض، فيتعيّن أن يكون المعنى مثلهنّ في العدد، وقد جاء ذلك صريحا في السّنّة كما في قوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ( من اقتطع من الأرض شبرا -يعني بغير حقّ- طوّقه يوم القيامة من سبع أراضين ) وقوله: (( في ستّة أيّام )) هذه الأيّام هي الأحد والإثنين والثّلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، ولو شاء الله لخلقها في لحظة كما قال عزّ وجلّ: (( وما أمرنا إلاّ واحدة كلمح بالبصر )) ولكنّه خلقها في ستّة أيّام لحكمتين والله أعلم
الحكمة الأولى أنّ الأشياء المخلوقات يترتّب بعضها على بعض وينشأ بعضها من بعض فتحتاج إلى مدّة
ثانيا الحكمة الثانية أن يعوّد عباده التّأنّي في الأمور وأنّ العبرة بالإحكام لا بالإسراع وإن كان هناك حكمة أخرى ثالثة أو رابعة أو خامسة فالله أعلم، المهمّ هذا الذي تبيّن لنا ومه هذا لا نجزم به ونقول الله أعلم
(( ثمّ استوى على العرش )) ثمّ تدلّ على التّرتيب أي أنّ خلق السّماوات والأرض سابق على الاستواء على العرش، لا على العرش، لأنّ العرش قبل السّماوات والأرض لكن الاستواء عليه كان بعد خلق السّماوات والأرض ومعنى استوى أي علا، لأنّ استوى في اللّغة العربيّة إذا تعدّت بعلى كان معناها العلوّ، مثاله قول الله تبارك وتعالى: (( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون* لتستووا على ظهوره )) أي تعلو عليه (( ثم تذكروا نعمة ربّكم إذا استويتم عليه )) ومن ذلك قوله تعالى عن نوح: (( فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجّانا من القوم الظّالمين )) فقوله إذا استويت على الفلك يعني؟ علوت عليه، إذن استوى على العرش يعني؟ علا على العرش، وإذا رأيتم من يقول استوى على العرش أي استولى على العرش فقد كذب على الله كذب على الله عزّ وجلّ لأنّ الله تعالى نزّل هذا القرآن العظيم باللغة العربيّة، واللّغة العربيّة تدلّ على أنّ استوى إذا تعدّت بعلى فهي بمعنى العلوّ لا غيره، فيكون الذي يفسّرها باستولى كاذبا على الله عزّ وجلّ، جانيا على نصوص الكتاب محرّفا لها
وجنايته عليها من وجهين:
الوجه الأوّل صرفها عن ظاهرها
والوجه الثاني إحداث معنى لا يدلّ عليه ظاهرها فيكون كاذبا على الله جانيا على النّصّ من وجهين:
الأوّل صرفه عن ظاهره
والثاني إحداث معنى لا يدلّ عليه الظّاهر، وهذا قد يوجد كثيرا في كتب الأشاعرة سواء كانوا من المفسّرين أو غير المفسّرين، لكنّهم بهذا والله والله قد ضلّوا ضلالا مبينا نسأل الله العافية، ومن الذي استولى على العرش حين خلق السّماوات والأرض إذا كان الله لم يستول عليه إلاّ بعد خلق السّماوات والأرض فهو لمن من قبل؟ نعم، يلزمهم أن يقولوا لغير الله وإلاّ فقد أخطأوا يعني تبيّن خطؤهم وهم مخطئون والحمد لله واضح
(( ثمّ استوى على العرش* يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السّماء وما يعرج فيها )) ما يلج في الأرض أي ما يدخل فيها من جثث الموتى، ومن الحبوب التي تنبت بإذن الله، ومن المياه التي يسلكها الله ينابيع في الأرض ثمّ يخرجها وغير ذلك من الحشرات وغيرها، المهمّ كلّ ما يلج في الأرض يعلمه الله، وسؤالنا الآن هل يعلم حال الذّرّ إذا ولجت في جحورها؟
الطالب : نعم.
الشيخ : يعلم وإلاّ ما يعلم؟ ما ذكر في الآية.
الطالب : ...
الشيخ : نقول (( ما يلج )) " ما " هذه اسم موصول، واسم الموصول يفيد العموم أي كلّ ما يلج في الأرض، (( وما يخرج منها )) من النّبات والمياه والمعادن وغيرها
(( وما ينزل من السّماء )) من الملائكة والأمطار والشّرائع وغير ذلك
(( وما يعرج فيها )) أي إليها لكن جاءت فيها بدل إليها لنستفيد فائدتين:
الفائدة الأولى العروج يعني الصّعود
والفائدة الثانية الدّخول لأنّ في يناسبها من الأفعال إيش؟ الدّخول، دخل في المكان، أمّا عرج ويعرج فالذي يناسبها إلى، لكنّ الله عزّ وجلّ عدل عن قوله يعرج إليها إلى قوله: (( يعرج فيها )) ليفيد إيش؟ الصّعود -امشوا معانا- والدّخول، يعني الأشياء ما تصل إلى السّماء الدّنيا وتقف، تعرج في السّماء الدّنيا حتّى تصل إلى الله عزّ وجلّ، إذن يعرج فيها لو قال لك أحد النّحاة لماذا جاءت " في " بدل " إلى " والقرآن فصيح؟
فما الجواب؟ أن نقول ضمّن يعرج معنى؟ يدخل، والتّضمين هذا موجود في القرآن الكريم وفي اللّغة العربيّة قال الله تعالى: (( عينا يشرب بها عباد الله يفجّرونها تفجيرا )) المناسب ليشرب إيش؟ من، كما قال تعالى: (( يأكل ممّا تأكلون منه ويشرب ممّا تشربون )) يعني منه (( فشربوا منه إلاّ قليلا منهم )) وهنا قال: (( يشرب بها )) إيش الحكمة؟ قال العلماء الحكمة أنّ يشرب هنا ضمّنت معنى يروى يروى بها، ومعلوم أنّك إذا قلت يروى بها فقد تضمّن معنى يشرب وزيادة، والتّضمين هذا فنّ مهمّ في باب البلاغة ينبغي لطالب العلم أن يدرسه ويحقّقه حتى يستفيد ممّا إذا اختلفت الحروف مع عواملها ولا يشكل عليه.
(( وهو معكم أينما كنتم )) هو: الضّمير يعود على الله عزّ وجلّ، معكم: أي مصاحب لكم، كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر والخليفة في الأهل ) لكن هل هذه الصّحبة صحبة مكان بمعنى أنّنا إذا كنّا في مكان كان الله معنا؟ حاشا وكلاّ لا يمكن هذا، وكيف يتصوّر عاقل أنّ الله معنا في مكاننا وكرسيّه وسع السّماوات والأرض؟! هذا مستحيل، الكرسيّ موضع القدمين كما جاء عن ابن عبّاس رضي الله عنه، فإذا كان كذلك فهل يعقل أنّ ربّ السّماوات والأرض يوم القيامة تكون السّماوات مطويّات بيمينه والأرض جميعا قبضته هل يمكن أن يكون معنا في أماكننا الضّيّقة أو الواسعة؟ لا يمكن، إذن معكم أي مصاحب لكم، والمصاحب قد يكون بعيدا عنك، يقول العرب في أسلوبهم ما زلنا نسير والقمر معنا، مازلنا نسير والقطب معنا، مازلنا نسير والجبل الفلاني معنا وهل هو معهم في مكانهم؟ الأخ؟
الطالب : ...
الشيخ : ماذا قلت تفهم ايش أقول أنا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : زين، معلوم أنّ القمر في السّماء، والنّجم في السّماء، والجبل قد يكون بينك وبينه مسافة أيّام ومع ذلك فالعرب تطلق عليه المعيّة مع البعد في المكان، كوننا نؤمن أنّ الله معنا إذن هو عالم بنا وإلاّ لا؟ طيب، سميع لأقوالنا، بصير بأفعالنا، له القدرة علينا والسّلطان، مدبّر لنا، بكلّ معنى تقتضيه المعيّة، واعلم أنّ من الضّلاّل من يقولون إنّ الله معنا في أمكنتنا نسأل الله العافية وينكرون أن يكون الله في السّماء عاليا فأتوا داهيتين عظيمتين: إنكار علوّ الله يعني هما إنكار علوّ الله والثاني -امش- اعتقاد أنّه في الأرض، وسبحان الله هل يعقل أن يعتقد عاقل فضلا عن مؤمن أنّه إذا كان في الحشّ -في المرحاض- كان الله معه؟! أعوذ بالله، الذي يعتقد هذا أشهد بالله أنّه كافر، لأنّ أعظم استهزاء بالله وأعظم حطّ لقدر الله هو هذا، ثمّ نقول لو كان كما يقولون الله في كلّ مكان، يعني أنّه في الحجرة، في السّوق، في المسجد، ثمّ من الذي يكون مع أناس في الحجرة ومع أناس في الشّارع أهما إلهان؟ أجيبوا يا جماعة؟ لا، ولا يمكن أن نقول إنّ الله متعدّد، طيّب إذا لم يكن إلهان هل هو متجزّئ بعضه هنا وبعضه هنا؟ إذن معناه بطل أن يكون معنا بذاته في أمكنتنا لأنّه إمّا أن يكون متعدّدا وإمّا أن يكون متجزّئا وكلاهما باطل، قرّرت هذا لأنّه يوجد الآن كما لمسناه في الوافدين إلى مكّة من يعتقد هذا الاعتقاد، يقول (( وهو معكم )) وهذه آية (( وهو معكم ))، وش تقول؟ نقول المعيّة هي المصاحبة ولا يلزم من المصاحبة المقارّة في المكان يعني أن يكون قارّا في مكانه لا يلزم من هذا، وكيف يمكن أن يكون الله تعالى معك في مكانك وهو سبحانه وتعالى وسع كرسيّه السّماوات والأرض ولكنّ هؤلاء الذين يعتقدون هذا ما قدروا الله حقّ قدره، ولا عظّموه حقّ تعظيمه، ولا عرفوا عظمته وجلاله، قال الله تعالى: (( وما قدروا الله حقّ قدره والأرض )) ايش؟ (( جميعا قبضته يوم القيامة والسّماوات مطويّات بيمينه )) فكيف يعتقد أنّ الله معنا في مكاننا فلهذا يجب على الإنسان أن يعرف نعمة الله عليه بكونه يؤمن بالقرآن على ما هو عليه، على ظاهره، معظّما لله حقّ التّعظيم، وقوله: (( أينما كنتم )) أي في أيّ مكان كنتم لأنّ أين ظرف مكان، قال الله تعالى: نعم (( فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره )) مثل أينما كنتم، (( والله بما تعملون بصير )) أي بما تعملون من الأعمال كلّها بصير، وهل البصر هنا بصر علم أو بصر رؤية؟ يشمل هذا وهذا، فهو بصير بصر رؤية، يرانا عزّ وجلّ ولا نخفى عليه، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن ربّه: ( حجابه النّور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) هذا بصر رؤية، أمّا بصر العلم فمن المعلوم أنّ أعمالنا، قد تكون مرئيّة كالحركات، وقد تكون مسموعة كالأقوال، المسموعة لا ترى بالعين لكنّها تسمع فرؤية المسموع علم، وعلى هذا نقول، (( والله بما تعملون بصير )) يشمل إيش؟
الطالب : ...
الشيخ : العلم والبصر بالرّؤية، ونقتصر على هذا القدر لنتفرّغ للأسئلة، نبدأ باليمين.
أمّا بعد :
فهذا هو اللّقاء التّاسع بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتمّ كلّ يوم خميس، وهذا الخميس هو الثالث من شهر ربيع الأوّل عام 1420 نتكلّم فيه كما هي العادة بما ييسّره الله عزّ وجلّ من تفسير الآيات، وقد سبق أن فسّرنا قول الله تعالى: (( سبّح لله ما في السّماوات والأرض وهو العزيز الحكيم* له ملك السّماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير* هو الأوّل والآخر والظّاهر والباطن وهو بكلّ شيء عليم )) هذه السّورة أيّ سورة هي؟
الطالب : الحديد.
الشيخ : سورة الحديد، الأوّل يعني؟ معناها معنى الأوّل؟
الطالب : الذي ليس قبله شيء.
الشيخ : والآخر؟
الطالب : الذي ليس بعده شيء.
الشيخ : الظّاهر؟
الطالب : الذي ليس فوقه شيء.
الشيخ : والباطن؟
الطالب : الذي ليس دونه شيء.
الشيخ : الذي ليس دونه شيء، هكذا فسّره النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ومن المعلوم أنّنا لا نرجع إلى قول أحد كائنا من كان من البشر بعد تفسير النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم
(( وهو بكلّ شيء عليم )) أي عليم بما كان وما يكون فلا ينسى ما مضى، ولا يجهل ما يأتي كما قال الله تعالى على لسان موسى صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم حين سأله فرعون (( فما بال القرون الأولى* قال علمها عند ربّي في كتاب لا يضلّ ربّي ولا ينسى )) لا يضل يعني إيش؟ لا يجهل، لأنّ الضّلال يراد به الجهل كما في قوله تعالى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( ووجدك ضالاّ فهدى )) يعني جاهلا، والنّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم كان لا يعلم عن الشّريعة الإسلاميّة شيئا قبل أن يوحى إليه لقول الله تعالى: (( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان )) وقوله: (( وهو بكلّ شيء عليم )) هل يشمل أفعال العباد وأقوال العباد؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم، يشمل هذا، بل إنّه يعلم سبحانه ما في قلب الإنسان وإن لم يظهره كما قال تعالى: (( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد* إذ يتلقّى عن اليمين وعن الشّمال قعيد )) فإيّاك أن تضمر في قلبك شيئا ويحاسبك الله عليه، لكنّ الوساوس التي تطرأ على القلب ولا يميل الإنسان إليها بل يحاربها ويحاول البعد عنها بقدر إمكانه لا تضرّه شيئا بل هي دليل على صحّة إيمانه، لأن الشّيطان إنما يأتي إلى القلب فيلقي إليه الوساوس إذا كان قلبا سليما، أمّا إذا كان قلبا غير سليم فإنّ الشّيطان لا يوسوس له لأنّه قد انتهى
(( هو الذي خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّام ثمّ استوى على العرش )) خلق السّماوات السّبع وكذلك الأرض هي سبع لقول الله تعالى: (( الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهنّ )) مثلهنّ في إيش؟
الطالب : ...
الشيخ : هاه؟ في العدد وإلاّ في الكيفيّة؟
الطالب : في العدد.
الشيخ : في العدد، ولا يصلح أن تكون في الكيفيّة؟ السّؤال لك؟ لا يصلح أن تكون في الكيفيّة؟ ما تقولون؟
الطالب : لا يصلح.
الشيخ : لا يصلح، لأنّ هناك فرقا عظيما بين السّماء والأرض، فيتعيّن أن يكون المعنى مثلهنّ في العدد، وقد جاء ذلك صريحا في السّنّة كما في قوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ( من اقتطع من الأرض شبرا -يعني بغير حقّ- طوّقه يوم القيامة من سبع أراضين ) وقوله: (( في ستّة أيّام )) هذه الأيّام هي الأحد والإثنين والثّلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، ولو شاء الله لخلقها في لحظة كما قال عزّ وجلّ: (( وما أمرنا إلاّ واحدة كلمح بالبصر )) ولكنّه خلقها في ستّة أيّام لحكمتين والله أعلم
الحكمة الأولى أنّ الأشياء المخلوقات يترتّب بعضها على بعض وينشأ بعضها من بعض فتحتاج إلى مدّة
ثانيا الحكمة الثانية أن يعوّد عباده التّأنّي في الأمور وأنّ العبرة بالإحكام لا بالإسراع وإن كان هناك حكمة أخرى ثالثة أو رابعة أو خامسة فالله أعلم، المهمّ هذا الذي تبيّن لنا ومه هذا لا نجزم به ونقول الله أعلم
(( ثمّ استوى على العرش )) ثمّ تدلّ على التّرتيب أي أنّ خلق السّماوات والأرض سابق على الاستواء على العرش، لا على العرش، لأنّ العرش قبل السّماوات والأرض لكن الاستواء عليه كان بعد خلق السّماوات والأرض ومعنى استوى أي علا، لأنّ استوى في اللّغة العربيّة إذا تعدّت بعلى كان معناها العلوّ، مثاله قول الله تبارك وتعالى: (( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون* لتستووا على ظهوره )) أي تعلو عليه (( ثم تذكروا نعمة ربّكم إذا استويتم عليه )) ومن ذلك قوله تعالى عن نوح: (( فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجّانا من القوم الظّالمين )) فقوله إذا استويت على الفلك يعني؟ علوت عليه، إذن استوى على العرش يعني؟ علا على العرش، وإذا رأيتم من يقول استوى على العرش أي استولى على العرش فقد كذب على الله كذب على الله عزّ وجلّ لأنّ الله تعالى نزّل هذا القرآن العظيم باللغة العربيّة، واللّغة العربيّة تدلّ على أنّ استوى إذا تعدّت بعلى فهي بمعنى العلوّ لا غيره، فيكون الذي يفسّرها باستولى كاذبا على الله عزّ وجلّ، جانيا على نصوص الكتاب محرّفا لها
وجنايته عليها من وجهين:
الوجه الأوّل صرفها عن ظاهرها
والوجه الثاني إحداث معنى لا يدلّ عليه ظاهرها فيكون كاذبا على الله جانيا على النّصّ من وجهين:
الأوّل صرفه عن ظاهره
والثاني إحداث معنى لا يدلّ عليه الظّاهر، وهذا قد يوجد كثيرا في كتب الأشاعرة سواء كانوا من المفسّرين أو غير المفسّرين، لكنّهم بهذا والله والله قد ضلّوا ضلالا مبينا نسأل الله العافية، ومن الذي استولى على العرش حين خلق السّماوات والأرض إذا كان الله لم يستول عليه إلاّ بعد خلق السّماوات والأرض فهو لمن من قبل؟ نعم، يلزمهم أن يقولوا لغير الله وإلاّ فقد أخطأوا يعني تبيّن خطؤهم وهم مخطئون والحمد لله واضح
(( ثمّ استوى على العرش* يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السّماء وما يعرج فيها )) ما يلج في الأرض أي ما يدخل فيها من جثث الموتى، ومن الحبوب التي تنبت بإذن الله، ومن المياه التي يسلكها الله ينابيع في الأرض ثمّ يخرجها وغير ذلك من الحشرات وغيرها، المهمّ كلّ ما يلج في الأرض يعلمه الله، وسؤالنا الآن هل يعلم حال الذّرّ إذا ولجت في جحورها؟
الطالب : نعم.
الشيخ : يعلم وإلاّ ما يعلم؟ ما ذكر في الآية.
الطالب : ...
الشيخ : نقول (( ما يلج )) " ما " هذه اسم موصول، واسم الموصول يفيد العموم أي كلّ ما يلج في الأرض، (( وما يخرج منها )) من النّبات والمياه والمعادن وغيرها
(( وما ينزل من السّماء )) من الملائكة والأمطار والشّرائع وغير ذلك
(( وما يعرج فيها )) أي إليها لكن جاءت فيها بدل إليها لنستفيد فائدتين:
الفائدة الأولى العروج يعني الصّعود
والفائدة الثانية الدّخول لأنّ في يناسبها من الأفعال إيش؟ الدّخول، دخل في المكان، أمّا عرج ويعرج فالذي يناسبها إلى، لكنّ الله عزّ وجلّ عدل عن قوله يعرج إليها إلى قوله: (( يعرج فيها )) ليفيد إيش؟ الصّعود -امشوا معانا- والدّخول، يعني الأشياء ما تصل إلى السّماء الدّنيا وتقف، تعرج في السّماء الدّنيا حتّى تصل إلى الله عزّ وجلّ، إذن يعرج فيها لو قال لك أحد النّحاة لماذا جاءت " في " بدل " إلى " والقرآن فصيح؟
فما الجواب؟ أن نقول ضمّن يعرج معنى؟ يدخل، والتّضمين هذا موجود في القرآن الكريم وفي اللّغة العربيّة قال الله تعالى: (( عينا يشرب بها عباد الله يفجّرونها تفجيرا )) المناسب ليشرب إيش؟ من، كما قال تعالى: (( يأكل ممّا تأكلون منه ويشرب ممّا تشربون )) يعني منه (( فشربوا منه إلاّ قليلا منهم )) وهنا قال: (( يشرب بها )) إيش الحكمة؟ قال العلماء الحكمة أنّ يشرب هنا ضمّنت معنى يروى يروى بها، ومعلوم أنّك إذا قلت يروى بها فقد تضمّن معنى يشرب وزيادة، والتّضمين هذا فنّ مهمّ في باب البلاغة ينبغي لطالب العلم أن يدرسه ويحقّقه حتى يستفيد ممّا إذا اختلفت الحروف مع عواملها ولا يشكل عليه.
(( وهو معكم أينما كنتم )) هو: الضّمير يعود على الله عزّ وجلّ، معكم: أي مصاحب لكم، كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر والخليفة في الأهل ) لكن هل هذه الصّحبة صحبة مكان بمعنى أنّنا إذا كنّا في مكان كان الله معنا؟ حاشا وكلاّ لا يمكن هذا، وكيف يتصوّر عاقل أنّ الله معنا في مكاننا وكرسيّه وسع السّماوات والأرض؟! هذا مستحيل، الكرسيّ موضع القدمين كما جاء عن ابن عبّاس رضي الله عنه، فإذا كان كذلك فهل يعقل أنّ ربّ السّماوات والأرض يوم القيامة تكون السّماوات مطويّات بيمينه والأرض جميعا قبضته هل يمكن أن يكون معنا في أماكننا الضّيّقة أو الواسعة؟ لا يمكن، إذن معكم أي مصاحب لكم، والمصاحب قد يكون بعيدا عنك، يقول العرب في أسلوبهم ما زلنا نسير والقمر معنا، مازلنا نسير والقطب معنا، مازلنا نسير والجبل الفلاني معنا وهل هو معهم في مكانهم؟ الأخ؟
الطالب : ...
الشيخ : ماذا قلت تفهم ايش أقول أنا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : زين، معلوم أنّ القمر في السّماء، والنّجم في السّماء، والجبل قد يكون بينك وبينه مسافة أيّام ومع ذلك فالعرب تطلق عليه المعيّة مع البعد في المكان، كوننا نؤمن أنّ الله معنا إذن هو عالم بنا وإلاّ لا؟ طيب، سميع لأقوالنا، بصير بأفعالنا، له القدرة علينا والسّلطان، مدبّر لنا، بكلّ معنى تقتضيه المعيّة، واعلم أنّ من الضّلاّل من يقولون إنّ الله معنا في أمكنتنا نسأل الله العافية وينكرون أن يكون الله في السّماء عاليا فأتوا داهيتين عظيمتين: إنكار علوّ الله يعني هما إنكار علوّ الله والثاني -امش- اعتقاد أنّه في الأرض، وسبحان الله هل يعقل أن يعتقد عاقل فضلا عن مؤمن أنّه إذا كان في الحشّ -في المرحاض- كان الله معه؟! أعوذ بالله، الذي يعتقد هذا أشهد بالله أنّه كافر، لأنّ أعظم استهزاء بالله وأعظم حطّ لقدر الله هو هذا، ثمّ نقول لو كان كما يقولون الله في كلّ مكان، يعني أنّه في الحجرة، في السّوق، في المسجد، ثمّ من الذي يكون مع أناس في الحجرة ومع أناس في الشّارع أهما إلهان؟ أجيبوا يا جماعة؟ لا، ولا يمكن أن نقول إنّ الله متعدّد، طيّب إذا لم يكن إلهان هل هو متجزّئ بعضه هنا وبعضه هنا؟ إذن معناه بطل أن يكون معنا بذاته في أمكنتنا لأنّه إمّا أن يكون متعدّدا وإمّا أن يكون متجزّئا وكلاهما باطل، قرّرت هذا لأنّه يوجد الآن كما لمسناه في الوافدين إلى مكّة من يعتقد هذا الاعتقاد، يقول (( وهو معكم )) وهذه آية (( وهو معكم ))، وش تقول؟ نقول المعيّة هي المصاحبة ولا يلزم من المصاحبة المقارّة في المكان يعني أن يكون قارّا في مكانه لا يلزم من هذا، وكيف يمكن أن يكون الله تعالى معك في مكانك وهو سبحانه وتعالى وسع كرسيّه السّماوات والأرض ولكنّ هؤلاء الذين يعتقدون هذا ما قدروا الله حقّ قدره، ولا عظّموه حقّ تعظيمه، ولا عرفوا عظمته وجلاله، قال الله تعالى: (( وما قدروا الله حقّ قدره والأرض )) ايش؟ (( جميعا قبضته يوم القيامة والسّماوات مطويّات بيمينه )) فكيف يعتقد أنّ الله معنا في مكاننا فلهذا يجب على الإنسان أن يعرف نعمة الله عليه بكونه يؤمن بالقرآن على ما هو عليه، على ظاهره، معظّما لله حقّ التّعظيم، وقوله: (( أينما كنتم )) أي في أيّ مكان كنتم لأنّ أين ظرف مكان، قال الله تعالى: نعم (( فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره )) مثل أينما كنتم، (( والله بما تعملون بصير )) أي بما تعملون من الأعمال كلّها بصير، وهل البصر هنا بصر علم أو بصر رؤية؟ يشمل هذا وهذا، فهو بصير بصر رؤية، يرانا عزّ وجلّ ولا نخفى عليه، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن ربّه: ( حجابه النّور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) هذا بصر رؤية، أمّا بصر العلم فمن المعلوم أنّ أعمالنا، قد تكون مرئيّة كالحركات، وقد تكون مسموعة كالأقوال، المسموعة لا ترى بالعين لكنّها تسمع فرؤية المسموع علم، وعلى هذا نقول، (( والله بما تعملون بصير )) يشمل إيش؟
الطالب : ...
الشيخ : العلم والبصر بالرّؤية، ونقتصر على هذا القدر لنتفرّغ للأسئلة، نبدأ باليمين.