تفسير الآيات ( 16 - 19 ) من سورة الحديد . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء الثامن عشر بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو الثاني عشر من رجب عام عشرين وأربعمائة وألف.
نبتدئ هذا اللقاء كالعادة بما ييسره الله عز وجل من تفسير القرآن الكريم ثم نتبعه بأسئلة، والأسئلة لكل واحد سؤال واحد والضيوف مقدمون على أهل البلد.
قال الله تبارك وتعالى: (( اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون )) اعلموا: فعل أمر، أمر بالعلم بهذه القضية الهامة وهي أن الله يحي الأرض بعد موتها، يعني: أن الأرض تجدها يابسة ليس فيها نبات فينزل الله عليها المطر فتنبت وتحيا وتنمو، إذا علمنا هذا ونحن عالمون به نشاهد فإننا نستدل به على قدرة الله تبارك وتعالى على إحياء الموتى، فإن الناس أحياء الآن ثم يموتون ثم يبعثون يوم القيامة، فالقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الأجسام بعد موتها من أجل الحساب والجزاء، لأنه ليس من الحكمة أن يخلق الله تبارك وتعالى خلقًا يأمرهم وينهاهم ويبيح دماء من لم يستجب وأموالهم ثم تكون النتيجة أن يموت الإنسان فقط، بل لابد أيها الإخوة من حياة، حياة هي الحياة الحقيقية كما قال عز وجل: (( وإن الدار الآخرة لهي الحيوان )) معنى الحيوان أي: الحياة الحقيقية التي ليس بعدها موت، وليس المراد بالحيوان الحيوانات الدواب، المراد الحيوان يعني الحياة التامة الكاملة، أنتم الآن تشاهدون الأرض يابسة ليس فيها ورقة خضراء فينزل الله المطر ثم أجيبوا ثم تنبت تحيا تنمو، فالقادر على أن يجعل هذه العيدان اليابسة خضراء نامية قادر على أن يحيي الموتى وبكلمة واحدة، قال الله تعالى: (( فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة )) وقال عز وجل: (( إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون )) (( إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون )).
(( قد بينا لكم الآيات )) أي: أظهرناها لكم، والآيات هي العلامات الدالة على كمال قدرة الله جل وعلا وعلى كمال رحمته، وأضرب لكم مثلًا: إذا أنزل الله المطر ونبتت الأرض وشبعت البهائم وطابت الأجواء هذا من آثار إيش؟ أجيبوا! من آثار رحمته، نستدل بهذا على رحمة الله، نستدل بما خلق الله في الكون من الشمس والقمر والنجوم وما خلق الله تعالى في الأرض من الجبال والأنهار وغيرها على كمال حكمة الله عز وجل، لأنك إذا تدبرتها وجدت فيها من الحكمة ما يبهر العقل إذن الآيات جمع آية وهي العلامة يعني العلامات الدالة على كمال قدرة الله عز وجل وسلطانه.
(( لعلكم تعقلون )) لعل هنا للتعليل وليست للرجاء، مع أنها في اللغة العربية تأتي للرجاء كثيرًا، لكنها هنا للتعليل لأن الرجاء لا يمكن في حق الله، إذ أن الرجاء طلب شيء فيه نوع من العسر، لكن الله عز وجل لا يتصور في حقه الرجاء لكن تأتي لعل لإيش؟ للتعليل أي: لأجل أن تعقلوا، والمراد بالعقل هنا عقل الرشد أي تعقلوا عقلًا ترشدون به ويكون دليلًا لكم على ما فيه الخير.
(( إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضًا حسنًا يضاعف لهم ولهم أجر كريم )) إن المصدقين أصلها إن المتصدقين لكن قلبت التاء صادًا لعلة تصريفية معروفة عند أهل النحو، يعني: إن المتصدقين والمتصدقات وأقرضوا الله قرضًا حسنًا يعني: أنفقوا في سبيل الله إنفاقًا حسنًا، والإنفاق الحسن يا إخواننا ما جمع شرطين الأول: الإخلاص لله عز وجل، والثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالمرائي الذي ينفق رياء هل أقرض الله قرضًا حسنًا؟ لا، يعني إنسان تصدق على فقير من أجل أن يراه الناس فيقولون فلان كثير الصدقة هذا مرائي وصدقته؟ أجب! لا تنفعه ولا تقبل منه، لأن كل عمل يراد به غير الله فهو غير مقبول، قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) إنسان آخر صار يتعبد لله تعالى بعبادات غير مشروعة صاحب بدعة لكنه مخلص، لو سألته لـمَ فعلت هذا؟ قال: أريد ثواب الله أريد التقرب إلى الله، هل تنفعه العبادة؟ لا، لماذا؟ لعدم المتابعة، فإذن يكون قوله عز وجل: (( وأقرضوا الله قرضًا حسنًا )) أي إيش؟ أي: مخلصين فيه لله متبعين لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وهنا سؤال (( أقرضوا الله )) هل الله فقير حتى يقرض؟ أجيبوا! حاشا وكلا ليس فقيرًا، ولقد كفر الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء إذن كيف يقول أقرضوا الله؟ يقول هذا جل وعلا ليبين أن أجرهم مضمون كما أن القرض مضمون، فاهمين؟ ليبين أن أجرهم مضمون كما أن القرض مضمون، أنا لو أقرضت شخصًا ألف ريال ثبت في ذمته ولابد أن يوفيني، كذلك جعل الله عز وجل التعبد له بمنزلة القرض، أي: أنه مضمون سيرد عليه الحسنة إيش؟ بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة، لكن كيف تكون واحدة بعشرة وهذا ربا في القرض ؟ كيف يكون هذا؟ الجواب: أولًا: لا ربا بين العبد وبين ربه لا ربا بين العبد وبين ربه.
ثانيًا: القرض إذا أعطاك المقترض شيئًا بدون شرط فهو حلال، يعني لو استقرض منك ألف ريال وأعطاك ألف ومئة بدون شرط فهو حلال، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم استقرض بَكرًا البَكر يعني بعير صغير ورد خيرًا منه وقال: ( أحسنكم أحسنكم قضاء ) هل المقرض استفاد أو لا؟ استفاد لكنه استفاد بلا شرط، ولهذا تجدون عبارة الفقهاء " كل شرط جر نفعًا للمقرض فهو ربا " شف كل شرط لم يقولوا كل زيادة، فالمهم الآن الجواب إذا قال قائل إن الله عز وجل يجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة وقد سمى الله تعالى الإنفاق في سبيله قرضًا فكيف يصح أن يجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف قلنا الجواب الأخ؟
الطالب : ليس بين العبد وربه.
الشيخ : من وجهين.
الطالب : ليس بين العبد وربه.
الشيخ : الأول: أنه ليس بين العبد وبين ربه.
الطالب : ربا.
الشيخ : ربا، ثانيًا؟
الطالب : ...
الشيخ : أن الزيادة إذا لم تكن شرطًا فهي جائزة هذه تدل على كرم الموفي.
(( يضاعف لهم )) يضاعف لهم هذه خبر إنَّ، يعني إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضًا حسنًا (( يضاعف لهم )) أي يعطون أجرهم مضاعفًا كم؟ أجيبوا يا جماعة! عشرة إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة ولهم أجر كريم أي ثواب كريم والكريم هو الحسن الطيب، وذلك أن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر هذا كريم وأصل الكرم الحسن، دليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن قال له: ( إياك وكرائم أموالهم ) يعني: إذا أخذت الزكاة اجتنب كرائم الأموال يعني أحاسنها ( واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب ).
ثم قال عز وجل: (( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون )) الذين آمنوا بالله ورسله الإيمان بالله يتضمن يا إخوانا أربعة أشياء أولًا: الإيمان بوجوده، والثاني: الإيمان بربوبيته، والثالث: الإيمان بألوهيته، والرابع: الإيمان بأسمائه وصفاته، أعود يتضمن أربعة أشياء الأول: الإيمان.
الطالب : بوجوده.
الشيخ : الثاني ؟
الطالب : بربوبيته.
الشيخ : بربوبيته الثالث؟ بألوهيته، الرابع: بأسمائه وصفاته تمام.
الإيمان بوجود الله لا ينكره إلا مكابر في الواقع لا ينكره أحد من قلبه إطلاقًا، لأن كل إنسان كل إنسان يعرف أن هذا الكون المستقر المنظم لابد له من موجد ومنظم كل إنسان، من الموجد والمنظم؟ الله عز وجل لأن كل إنسان أيضًا يعلم أنه لا يستطيع أحد من البشر أن يتصرف في هذا الكون، من الذي يأتي بالليل مع وجود النهار؟ من الذي يأتي بالنهار مع وجود الليل؟ ما أحد يقدر إذن كل إنسان عاقل فهو مؤمن بقلبه، وإن أنكر بلسانه مؤمن بوجود الله عز وجل وجه ذلك أن هذه الخليقة العظيمة لابد لها من مدبر.
لو قال قائل: إنها جاءت هكذا صدفة طيب من جاء بها؟ ثم الشيء إذا جاء صدقة ما يكون منظم، لو قال قائل: هي أوجدت نفسها نقول: هذا أيضًا محال عقلًا، كيف توجد نفسها وهي إيش؟ وهي عدم هذا لا يمكن إذن لابد لها من موجد، ولهذا قال الله تعالى في سورة الطور: (( أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون )) وش الجواب؟ وش الجواب؟ (( أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون )) بل أنت يا ربنا نحن ما نقدر نخلق الإنسان ما يقدر يخلق جنينًا في بطن أمه أبدًا، قال الله عز وجل: (( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له )) فاستمع يا أيها الناس خطاب للناس كلهم الكافر والمؤمن، (( ضرب مثل فاستمعوا له )) ولهذا إذا قرأت الآية يجب تستمع (( إن الذين تدعون من دون الله )) كلهم (( لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له )) هذا الذباب المهين لا يمكن أن يخلقوه ولو اجتمعوا له، فهمتم؟ كل المعبودات ما يمكن تخلق ذبابة وهو من أصغر الحيوان وأذلها وأهشها، زد على هذا (( وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يستنقذوه منه )) يعني: لو أن الذباب أخذ من هذه الأصنام شيئًا ما استطاعت أن تستنقذه منهم، قال أهل العلم: المعنى: لو وقع الذباب على أحد هذه الأصنام وامتص من الطيب الذي فيها لأنهم هم يطيبون أصنامهم ما استطاعت الأصنام أن تستنقذه (( ضعف الطالب والمطلوب )).
أقول مرة ثانية: لا يمكن لأحد أن ينكر من صميم قلبه وجود الله عز وجل أبدًا، لأنه باتفاق العقلاء أن كل حادث لابد له من محدث ولا أحد يحدث هذا الكون إلا الله عز وجل هذا واحد.
الثاني: الإيمان بربوبيته أي بأنه وحده الخالق المالك المدبر لجميع الأمور هو الله وحده هو الخالق إيش؟ المالك المدبر لجميع الأمور، فلا خالق إلا الله، ولا مدبر للكون إلا الله، ولا مالك للكون إلا الله عز وجل، حتى ملك الإنسان لما في يده ليس ملكًا حقيقيًّا، الدليل؟ أنه لا يمكن أن يتصرف فيما بيده كما يشاء الآن هذا قلم وملك لي أليس كذلك؟ لكن ليس لي أن أتصرف فيه كما شئت لو أردت أن أحرقه أو أكسره منعت شرعًا حرام علي، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن إضاعة المال، إذن ملك الإنسان لما بيده ليس ملكًا حقيقيًّا، بل إنه يختص به عن غيره فقط.
الثالث: أنه وحده المنفرد بتدبير الأمور ما أحد يستطيع أن يدبر الأمور أبدًا، الألوهية أن تؤمن بأنه لا إله إلا الله ما في الكون شيء يعبد بحق إلا الله عز وجل أبدًا، عبادة الأصنام حق ولا غير حق؟
الطالب : غير حق.
الشيخ : غير حق، الأصنام نفسها تسمى آلهة فهل هي إله حق؟ لا، كما قال عز وجل: (( ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل )) إذن الألوهية أن تؤمن بأنه لا إله إلا الله أي لا معبود حق إلا الله عز وجل وما عبد من دونه فهو باطل، وعليه فلا تصرف العبادة إلا لله.
والرابع: الإيمان بالأسماء والصفات أسمائه وصفاته هل لله أسماء؟ نعم، هل له صفات؟ نعم، أسماؤه حسنى، قال الله عز وجل: (( ولله الأسماء الحسنى )) صفاته كذلك عليا ما في صفة نقص، قال الله تعالى: (( للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى )) أي: الوصف الأعلى، إذن علينا أن نؤمن بأسماء الله وأن نؤمن بصفات الله أسماء الله تعالى كثيرة ما يمكن حصرها مهما أردت لا يمكن تحصيها.
الطالب : ...
الشيخ : مهما أردت لا يمكن تحصيها، الدليل حديث عبد الله بن مسعود واحفظوه لأنه مفيد أنه ما من إنسان يصيبه هم أو غم أو حزن ثم يقول: " اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ في حكمك عدل في قضاؤك، اسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك " فجعل الله الأسماء ثلاثة أقسام ما أنزله في كتابه مثل؟ الأخ مثال الاسم الذي جاء في القرآن الرحمن أو علمته أحدًا من خلقك مثل الرب الشافي هذه ما هي في القرآن، لكن جاءت في السنة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ) وقال عليه الصلاة والسلام: ( أما الركوع فعظموا فيه الرب ) هذا أنزله في كتابه أو علمه أحدًا من خلقه؟ الثاني ولا الأول؟ الثاني طيب أو استأثرت به في علم الغيب عندك هذا الثالث القسم الثالث: ما استأثر الله به في علم الغيب، واستأثر بمعنى انفرد طيب ما انفرد الله بعلمه فلم ينزله في الكتاب ولم يعلمه أحدًا من الخلق هل يمكن الإحاطة به؟ لا يمكن، إذن أسماء الله لا يمكن الإحاطة بها ولا هي محصورة بعدد، لأننا لا نعلمها، وأما قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة ) فالمعنى: أن من الأسماء تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة هذا المعنى، ومعنى أحصاها أي عرفها لفظًا وعرفها معنى وتعبد لله بمقتضاها، وليس المراد أن تحفظها وبس، لا لابد من حفظ اللفظ والثاني: فهم المعنى، والثالث: التعبد لله بها بمقتضاها، فمثلًا: إذا علمت أن الله سبحانه وتعالى غفور تعرض للمغفرة، لا تقول الله غفور ويبي يفعل الذنب كل ما شاء، تعرض للمغفرة استغفر الله تجد الله غفورًا رحيمًا، إذا علمت أن الله عزيز تتعبد لله بمقتضى هذا وتخاف منه وتحذر وهلم جرًّا، إذن الآن نقتصر على هذا من أجل الأسئلة، ويأتي إن شاء الله البقية في اللقاء القادم ونكل الأمر إلى الأخ موسى يذكرنا إن شاء الله.