تفسير الآيات ( 20 - 23 ) من سورة الحديد . حفظ
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء المتمم للعشرين بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس والعشرون من شهر رجب عام عشرين وأربعمائة وألف.
نبتدئ بهذا اللقاء كالعادة بما ييسره الله عز وجل من تفسير كلماته التامة يقول الله تبارك وتعالى في بيان حال الدنيا التي ذكر الله عنها أنها لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر خمس أشياء عدها لنا؟
الطالب : لعب ولهو.
الشيخ : لعب
الطالب : ...
الشيخ : ولهو
الطالب : وتفاخر.
الشيخ : وزينة.
الطالب : وزينة وتفاخر.
الشيخ : وتفاخر بينكم.
الطالب : وتكاثر في الأموال والأولاد.
الشيخ : نعم هذه حقيقة الدنيا.
ثم ضرب الله لها مثلًا لأن الأمثال تقرّب المعاني إذ أن المثل يعني قياس المعنى على المحسوس: (( كمثل غيث أعجب الكفار نباته )) غيث أي: مطر تنبت به الأرض وتزول به الشدة (( أعجب الكفار نباته )) أي: النبات الناشيء عنه وأعجبهم أي: استحسنوه، والكفار هم الكافرون بالله عز وجل لأن الكافر تعجبه الدنيا ويفرح بها ويسر بها وقلبه متعلق بها ليس له هم إلا ما يراه من زينتها ولهوها، فهو قد أعجب الكفار أي: الكفار بالله نباته أي نبات هذا الغيث، ولماذا خصّ الكفار؟ قلت لكم لأن الكفار هم الذين يستحسنون الدنيا ويعجبون منها وتتعلق قلوبهم بها، أما المؤمنون فهم على العكس لا يهمهم إلا ما فيه مصلحة الآخرة، وقيل: إن المراد بالكفار هنا الزرّاع، ولكن هذا ليس بصحيح، لأن إطلاق الكفار على الزراع نادر جدًّا هذا إن صح والذين يقولون إن المراد بهم الزراع يقولون لأن الكافر يكفر الحب أي يستره في الأرض يحرث الأرض عليه لأجل أن يخرج، ولكن ما قررناه أولًا هو الصواب أن المراد بالكفار هاه ؟
الطالب : الكفار بالله.
الشيخ : الكفار بالله يعجب الكفار نباته ثم بعد ما يظهر ويعجب الكفار ويستحسنونه ويتعجبون منه (( يهيج )) أي: ييبس ويجف (( فتراه مصفرًا )) بعد أن كان أخضر ناميًا يكون مصفرًا ذائبًا (( ثم يكون حطامًا )) يعني يتحطم ويتكسر لأنه يبس فماذا كانت النتيجة لهذا الزرع ؟
الطالب : الحطام.
الشيخ : نعم التلف والزوال، هذه حال الدنيا تزهو للإنسان بنعيمها وقصورها ومراكبها وأموالها وأولادها وزوجاتها وغير ذلك وإذا بها تتحطم، كم من غني كان مسرورًا في أهله منعمًا في بيته وفي مركوبه وفي ثيابه وفي كل أحواله إذا به يعود فقيًرا فتتحطم دنياه، فإن لم تكن مات وتحطمت دنياه بفراقه هذه الدنيا، فلابد من أحد أمرين إما أن تفارقك الدنيا وإما أن تفارقها هذه حال الدنيا وهذا أمر لا يشك فيه في الواقع، لكن النفوس معها غفلة معها غفلة يسهو بها الإنسان عن مثل هذا الأمر الواقع، فيظن أن كل شيء على ما يرام ويستبعد زوال الدنيا أو زواله هو عن الدنيا.
أما الآخرة فاستمع إليها قال: (( وفي الآخرة عذاب شديد )) للكافرين (( ومغفرة من الله ورضوان )) للمؤمنين، فأيما أحق أن يؤثر الإنسان الدنيا التي مآلها الفناء والزوال أو الآخرة؟ الثاني يؤثر الآخرة هذا العقل، لأنك إن آثرت الدنيا ففي الآخرة عذاب شديد، وإن آثرت الآخرة ففيها مغفرة من الله ورضوان مغفرة للذنوب ورضوان بالحسنات.
(( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )) هذه الجملة فيها حصر، طريقه إيش؟ النفي والإثبات وهو أعلى طرق الحصر، ما الحياة الدنيا إلا متاع لا غير، ومتاع الغرور يغتر بها الإنسان فيلهو ويلعب ويفرح ويبطر ثم تزول كل هذه الجمل، وهذه الأوصاف يريد الله عز وجل -وهو أعلم- أن يزهد الإنسان في الدنيا ويرغب في الآخرة، وإني سائلكم من زهد في الدنيا ورغب في الآخرة هل يفوته شيء من نعيم الدنيا؟ الجواب: لا، لا يفوته حتى وإن اتقى فإنه لا يفوته نعيم الدنيا، دليل هذا من القرآن والسنة قال الله عز وجل: (( من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة )) لم يقل لنكثرن ماله وأولاده وقصوره (( لنحيينه حياة طيبة )) مطمئنة مستريح البال فيها (( ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )) وبيّن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك في قوله: ( عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له ).
ثم قال عز وجل: (( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم * ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير )) الآية الأولى ذكر لنا الأخ موسى والعهدة عليه أننا قد تكلمنا عليها، وهل له شاهد نعم تشهدوا معه؟ طيب. قال عز وجل: (( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير )) يعني: جميع المصائب التي تصيب الإنسان في الأرض أو في نفسه قد كتبت من قبل، المصيبة في الأرض كالجدب قلة الأمطار غور المياه وصعوبة منالها وربما يقال أيضًا الفتن والحروب وغيرها.
(( ولا في أنفسكم )) أي: في نفس الإنسان ذاته من مرض أو فقد حبيب أو فقد مال أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها.
(( إلا في كتاب )) وهذا الكتاب هو اللوح المحفوظ كتب الله فيه مقادير كل شيء لما خلق سبحانه وتعالى القلم قال له اكتب قال ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ماهو كائن إلى يوم القيامة، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، سبحان الله! ما أعظم هذا اللوح الذي يسع كل شيء إلى يوم القيامة، ولكن ليس هذا بغريب على قدرة الله عز وجل، لأن أمر الله تعالى إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون، ولقد كان الإنسان يتعجب من قبل ولا يستبعد يتعجب ولكن لا يستبعد أن يكتب في هذا اللوح مقادير كل شيء، ظهر الآن من صنع الآدمي قطعة صغيرة يسجل فيها آلاف الكلمات، أليس كذلك وش يسمى؟
الطالب : الحاسب.
الشيخ : لا ليزر ما هو الليزر؟
الطالب : ...
الشيخ : زين المهم على كل حال تعرفونها الآن هي عبارة عن لوحة صغيرة كالقرص تسجل فيها آلاف الكلمات، قد يسجل فيها جميع كتب الحديث المؤلفة أو جميع التفاسير أو جميع كتب الفقهاء وهي من صنع الآدمي، فكيف بصنع من يقول للشيء كن فيكون؟ لما قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، كتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فالمصائب التي تصيب الناس هل هي في أمر سابق أو هي مستأنفة؟ الجواب: الأول ولهذا قال: (( إلا في كتاب من قبل أن نبرأها )) ها في قوله: (( نبرأها )) قيل إنها تعود على مصيبة وقيل على الأرض وقيل على الأنفس وقيل على الجميع والصحيح أنها على الجميع، أي من قبل أن نبرأ كل هذه الأشياء أي أن نخلقها، وذلك أن الله كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، خمسين ألف سنة مدة طويلة وهذا مكتوب إذن (( من قبل أن نبرأها )) الضمير يعود على إيش؟ أن نبرأ الأرض؟ أن نبرأ المصيبة؟ أن نبرأ الأنفس؟ أن نبرأ الجميع؟
الطالب : الجميع.
الشيخ : نعم الجميع الجميع طيب، ونبرأها يعني: نخلقها، بكم مدة أجيبوا؟ خمسين ألف سنة قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
(( إن ذلك على الله يسير )) يعني: إن كتابة هذه المصائب يسير على الله عز وجل كيف يسره؟ لأنه قال اكتب للقلم فكتب وهذا يسير أو صعب؟ يسير كلمة واحدة حصل بها كل شيء (( إن ذلك على الله يسير )) كل شيء فهو يسير على الله لأن الأمر كلمة واحدة كن فيكون، أرأيتم الخلائق يوم القيامة تبعث بكم كلمة؟ قولوا يا جماعة كلمة واحدة قال الله عز وجل: (( إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون )) وقال عز وجل: (( فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة )) على وجه الأرض خرجوا من القبور هذا يسير يا إخوة يسير والله، ولما قال زكريا لله عز وجل حين بشره بالولد قال: (( رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبًا )) يعني: من الكبر (( وقد بلغت من الكبر عتيًّا )) قال الله عز وجل: (( كذلك قال ربك هو علي هيّن وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئًا )) فأنا أوجدتك من قبل أن تكون فبقدرتي أن يكون لك ولد بعد المدة الطويلة، فالله عز وجل لا يعجزه شيء ولا يستعصي عنه شيء ولا يتأخر عن أمره الكوني شيء إن ذلك على الله يسير.
(( لكيلا تأسوا على ما فاتكم )) يعني: أخبرناكم بهذا أن كل مصيبة تقع فهي في كتاب (( لكيلا تأسوا )) اللام هنا للتعليل، وكي بمعنى أن أي لأن لا تأسوا، ومعنى تأسوا: تندموا على ما فاتكم مما تحبون.
(( ولا تفرحوا بما آتاكم )) أي: لا تفرحوا فرح بطر واستغناء عن الله بما أتاكم من فضله انتبه إذا علمت أن الشيء مكتوب من قبل، فهل تندم على ما فات؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ليش؟ لأنه مكتوب والمكتوب لابد أن يقع، هل تفرح فرح بطر واستغناء إذا أتاك الله الفضل؟ لا، لأنه من الله مكتوب من قبل فكن متوسطًا لا تندم على ما مضى ولا تفرح فرح بطر واستغناء بما أتاك الله من فضله، لأنه من الله وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ) القوي في إيش؟ الأخ! في إيمانه أحسنت، وليس القوي في بدنه أصحاب الرياضة يجعلون هذا عنوانًا المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ويقول المراد المؤمن القوي في بدنه وهذا غلط المؤمن القوي، القوي هنا وصف يعود على ما سبقه وهو ( الإيمان المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ) هذا يسميه البلاغيون احتراس، بمعنى أنه قد يظن الظان أن الضعيف لا خير فيه فقال: ( وفي كل خير ) ثم قال: ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان ) والإنسان إذا علم أن كل شيء مقدر ولابد أن يقع رضي بما وقع، وعلم أنه لا يمكن رفع ما وقع أبدًا، ولهذا يقال دوام الحال من المحال وتغيير الحال بمعنى رفع الشيء بعد وقوعه من المحال.
نعود إلى الآية (( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم والله لا يحب كل مختال فخور )) مختال في فعله فخور في قوله، من الاختيال في الفعل أن يجر ثوبه أو مشلحه أو عباته نعم أو مشلحه أو غير ذلك مما يدل على الخيلاء، حتى وإن لبس ثوبًا وإن لم يكن نازلًا لكنه يعد خيلاء فهو خيلاء الفخور هو المعجب بنفسه الذي يقول فعلت وفعلت وفعلت يفخر به على الناس، لأنك ما دمت فاعلًا الشيء تريد ثواب الله ما حاجة أن تفخر به على الناس، بل اشكر الله عليه وحدث به على أنه من نعمة الله عليك، ثم ذكر أوصافهم فيما بعد، ويأتي إن شاء الله في اللقاء القادم ولنأخذ أسئلة نبدأ باليمين.
أما بعد:
فهذا هو اللقاء المتمم للعشرين بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل يوم خميس، وهذا الخميس هو السادس والعشرون من شهر رجب عام عشرين وأربعمائة وألف.
نبتدئ بهذا اللقاء كالعادة بما ييسره الله عز وجل من تفسير كلماته التامة يقول الله تبارك وتعالى في بيان حال الدنيا التي ذكر الله عنها أنها لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر خمس أشياء عدها لنا؟
الطالب : لعب ولهو.
الشيخ : لعب
الطالب : ...
الشيخ : ولهو
الطالب : وتفاخر.
الشيخ : وزينة.
الطالب : وزينة وتفاخر.
الشيخ : وتفاخر بينكم.
الطالب : وتكاثر في الأموال والأولاد.
الشيخ : نعم هذه حقيقة الدنيا.
ثم ضرب الله لها مثلًا لأن الأمثال تقرّب المعاني إذ أن المثل يعني قياس المعنى على المحسوس: (( كمثل غيث أعجب الكفار نباته )) غيث أي: مطر تنبت به الأرض وتزول به الشدة (( أعجب الكفار نباته )) أي: النبات الناشيء عنه وأعجبهم أي: استحسنوه، والكفار هم الكافرون بالله عز وجل لأن الكافر تعجبه الدنيا ويفرح بها ويسر بها وقلبه متعلق بها ليس له هم إلا ما يراه من زينتها ولهوها، فهو قد أعجب الكفار أي: الكفار بالله نباته أي نبات هذا الغيث، ولماذا خصّ الكفار؟ قلت لكم لأن الكفار هم الذين يستحسنون الدنيا ويعجبون منها وتتعلق قلوبهم بها، أما المؤمنون فهم على العكس لا يهمهم إلا ما فيه مصلحة الآخرة، وقيل: إن المراد بالكفار هنا الزرّاع، ولكن هذا ليس بصحيح، لأن إطلاق الكفار على الزراع نادر جدًّا هذا إن صح والذين يقولون إن المراد بهم الزراع يقولون لأن الكافر يكفر الحب أي يستره في الأرض يحرث الأرض عليه لأجل أن يخرج، ولكن ما قررناه أولًا هو الصواب أن المراد بالكفار هاه ؟
الطالب : الكفار بالله.
الشيخ : الكفار بالله يعجب الكفار نباته ثم بعد ما يظهر ويعجب الكفار ويستحسنونه ويتعجبون منه (( يهيج )) أي: ييبس ويجف (( فتراه مصفرًا )) بعد أن كان أخضر ناميًا يكون مصفرًا ذائبًا (( ثم يكون حطامًا )) يعني يتحطم ويتكسر لأنه يبس فماذا كانت النتيجة لهذا الزرع ؟
الطالب : الحطام.
الشيخ : نعم التلف والزوال، هذه حال الدنيا تزهو للإنسان بنعيمها وقصورها ومراكبها وأموالها وأولادها وزوجاتها وغير ذلك وإذا بها تتحطم، كم من غني كان مسرورًا في أهله منعمًا في بيته وفي مركوبه وفي ثيابه وفي كل أحواله إذا به يعود فقيًرا فتتحطم دنياه، فإن لم تكن مات وتحطمت دنياه بفراقه هذه الدنيا، فلابد من أحد أمرين إما أن تفارقك الدنيا وإما أن تفارقها هذه حال الدنيا وهذا أمر لا يشك فيه في الواقع، لكن النفوس معها غفلة معها غفلة يسهو بها الإنسان عن مثل هذا الأمر الواقع، فيظن أن كل شيء على ما يرام ويستبعد زوال الدنيا أو زواله هو عن الدنيا.
أما الآخرة فاستمع إليها قال: (( وفي الآخرة عذاب شديد )) للكافرين (( ومغفرة من الله ورضوان )) للمؤمنين، فأيما أحق أن يؤثر الإنسان الدنيا التي مآلها الفناء والزوال أو الآخرة؟ الثاني يؤثر الآخرة هذا العقل، لأنك إن آثرت الدنيا ففي الآخرة عذاب شديد، وإن آثرت الآخرة ففيها مغفرة من الله ورضوان مغفرة للذنوب ورضوان بالحسنات.
(( وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور )) هذه الجملة فيها حصر، طريقه إيش؟ النفي والإثبات وهو أعلى طرق الحصر، ما الحياة الدنيا إلا متاع لا غير، ومتاع الغرور يغتر بها الإنسان فيلهو ويلعب ويفرح ويبطر ثم تزول كل هذه الجمل، وهذه الأوصاف يريد الله عز وجل -وهو أعلم- أن يزهد الإنسان في الدنيا ويرغب في الآخرة، وإني سائلكم من زهد في الدنيا ورغب في الآخرة هل يفوته شيء من نعيم الدنيا؟ الجواب: لا، لا يفوته حتى وإن اتقى فإنه لا يفوته نعيم الدنيا، دليل هذا من القرآن والسنة قال الله عز وجل: (( من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة )) لم يقل لنكثرن ماله وأولاده وقصوره (( لنحيينه حياة طيبة )) مطمئنة مستريح البال فيها (( ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )) وبيّن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذلك في قوله: ( عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له ).
ثم قال عز وجل: (( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم * ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير )) الآية الأولى ذكر لنا الأخ موسى والعهدة عليه أننا قد تكلمنا عليها، وهل له شاهد نعم تشهدوا معه؟ طيب. قال عز وجل: (( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير )) يعني: جميع المصائب التي تصيب الإنسان في الأرض أو في نفسه قد كتبت من قبل، المصيبة في الأرض كالجدب قلة الأمطار غور المياه وصعوبة منالها وربما يقال أيضًا الفتن والحروب وغيرها.
(( ولا في أنفسكم )) أي: في نفس الإنسان ذاته من مرض أو فقد حبيب أو فقد مال أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها.
(( إلا في كتاب )) وهذا الكتاب هو اللوح المحفوظ كتب الله فيه مقادير كل شيء لما خلق سبحانه وتعالى القلم قال له اكتب قال ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ماهو كائن إلى يوم القيامة، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، سبحان الله! ما أعظم هذا اللوح الذي يسع كل شيء إلى يوم القيامة، ولكن ليس هذا بغريب على قدرة الله عز وجل، لأن أمر الله تعالى إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون، ولقد كان الإنسان يتعجب من قبل ولا يستبعد يتعجب ولكن لا يستبعد أن يكتب في هذا اللوح مقادير كل شيء، ظهر الآن من صنع الآدمي قطعة صغيرة يسجل فيها آلاف الكلمات، أليس كذلك وش يسمى؟
الطالب : الحاسب.
الشيخ : لا ليزر ما هو الليزر؟
الطالب : ...
الشيخ : زين المهم على كل حال تعرفونها الآن هي عبارة عن لوحة صغيرة كالقرص تسجل فيها آلاف الكلمات، قد يسجل فيها جميع كتب الحديث المؤلفة أو جميع التفاسير أو جميع كتب الفقهاء وهي من صنع الآدمي، فكيف بصنع من يقول للشيء كن فيكون؟ لما قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، كتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فالمصائب التي تصيب الناس هل هي في أمر سابق أو هي مستأنفة؟ الجواب: الأول ولهذا قال: (( إلا في كتاب من قبل أن نبرأها )) ها في قوله: (( نبرأها )) قيل إنها تعود على مصيبة وقيل على الأرض وقيل على الأنفس وقيل على الجميع والصحيح أنها على الجميع، أي من قبل أن نبرأ كل هذه الأشياء أي أن نخلقها، وذلك أن الله كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، خمسين ألف سنة مدة طويلة وهذا مكتوب إذن (( من قبل أن نبرأها )) الضمير يعود على إيش؟ أن نبرأ الأرض؟ أن نبرأ المصيبة؟ أن نبرأ الأنفس؟ أن نبرأ الجميع؟
الطالب : الجميع.
الشيخ : نعم الجميع الجميع طيب، ونبرأها يعني: نخلقها، بكم مدة أجيبوا؟ خمسين ألف سنة قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
(( إن ذلك على الله يسير )) يعني: إن كتابة هذه المصائب يسير على الله عز وجل كيف يسره؟ لأنه قال اكتب للقلم فكتب وهذا يسير أو صعب؟ يسير كلمة واحدة حصل بها كل شيء (( إن ذلك على الله يسير )) كل شيء فهو يسير على الله لأن الأمر كلمة واحدة كن فيكون، أرأيتم الخلائق يوم القيامة تبعث بكم كلمة؟ قولوا يا جماعة كلمة واحدة قال الله عز وجل: (( إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون )) وقال عز وجل: (( فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة )) على وجه الأرض خرجوا من القبور هذا يسير يا إخوة يسير والله، ولما قال زكريا لله عز وجل حين بشره بالولد قال: (( رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبًا )) يعني: من الكبر (( وقد بلغت من الكبر عتيًّا )) قال الله عز وجل: (( كذلك قال ربك هو علي هيّن وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئًا )) فأنا أوجدتك من قبل أن تكون فبقدرتي أن يكون لك ولد بعد المدة الطويلة، فالله عز وجل لا يعجزه شيء ولا يستعصي عنه شيء ولا يتأخر عن أمره الكوني شيء إن ذلك على الله يسير.
(( لكيلا تأسوا على ما فاتكم )) يعني: أخبرناكم بهذا أن كل مصيبة تقع فهي في كتاب (( لكيلا تأسوا )) اللام هنا للتعليل، وكي بمعنى أن أي لأن لا تأسوا، ومعنى تأسوا: تندموا على ما فاتكم مما تحبون.
(( ولا تفرحوا بما آتاكم )) أي: لا تفرحوا فرح بطر واستغناء عن الله بما أتاكم من فضله انتبه إذا علمت أن الشيء مكتوب من قبل، فهل تندم على ما فات؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ليش؟ لأنه مكتوب والمكتوب لابد أن يقع، هل تفرح فرح بطر واستغناء إذا أتاك الله الفضل؟ لا، لأنه من الله مكتوب من قبل فكن متوسطًا لا تندم على ما مضى ولا تفرح فرح بطر واستغناء بما أتاك الله من فضله، لأنه من الله وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ) القوي في إيش؟ الأخ! في إيمانه أحسنت، وليس القوي في بدنه أصحاب الرياضة يجعلون هذا عنوانًا المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ويقول المراد المؤمن القوي في بدنه وهذا غلط المؤمن القوي، القوي هنا وصف يعود على ما سبقه وهو ( الإيمان المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ) هذا يسميه البلاغيون احتراس، بمعنى أنه قد يظن الظان أن الضعيف لا خير فيه فقال: ( وفي كل خير ) ثم قال: ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان ) والإنسان إذا علم أن كل شيء مقدر ولابد أن يقع رضي بما وقع، وعلم أنه لا يمكن رفع ما وقع أبدًا، ولهذا يقال دوام الحال من المحال وتغيير الحال بمعنى رفع الشيء بعد وقوعه من المحال.
نعود إلى الآية (( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم والله لا يحب كل مختال فخور )) مختال في فعله فخور في قوله، من الاختيال في الفعل أن يجر ثوبه أو مشلحه أو عباته نعم أو مشلحه أو غير ذلك مما يدل على الخيلاء، حتى وإن لبس ثوبًا وإن لم يكن نازلًا لكنه يعد خيلاء فهو خيلاء الفخور هو المعجب بنفسه الذي يقول فعلت وفعلت وفعلت يفخر به على الناس، لأنك ما دمت فاعلًا الشيء تريد ثواب الله ما حاجة أن تفخر به على الناس، بل اشكر الله عليه وحدث به على أنه من نعمة الله عليك، ثم ذكر أوصافهم فيما بعد، ويأتي إن شاء الله في اللقاء القادم ولنأخذ أسئلة نبدأ باليمين.