تفسير الآيات ( 8 - 10 ) من سورة المجادلة . حفظ
الشيخ : الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهذا هو اللقاء الرابع والثلاثون بعد المئتين من اللقاءات التي تعرف بلقاء الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس من كل أسبوع، وهذا الخميس هو التاسع والعشرون من شهر محرم عام واحد وعشرين وأربعمائة وألف:
نتبديء هذا اللقاء كالعادة بتفسير ما ييسر الله عز وجل، وقد انتهينا فيما سبق إلى قول الله تعالى: (( ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه )) :
(( نهوا )) أي: نهاهم الله عز وجل، أو الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(( عن النجوى )) يعني: عن التناجي فيما بينهم والكلام السر، الذي يظهرون به أو يريدون به إرغام المؤمنين، حيث يظن المؤمن إذا مر بهم وجعلوا يتناجون أنهم يتناجون في أمر يكيدون له به، فنهوا عن ذلك.
(( ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول )): تجدهم يتناجون فيما بينهم بما يأثمون به، أي: يكسبون به عقوبة في الآخرة.
(( والعدوان )): الاعتداء على المؤمنين بإحداث الهم والغم لهم.
(( ومعصية الرسول )) أي: أنهم يتواصون فيما بينهم أن يعصوا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(( وإذا جاؤوك حيَّوك بما لم يحيك به الله )) يعني: إذا مروا بك أو أتوا إليك وأنت في مجلس (( حيوك بما لم يحيك به الله )): وذلك بقولهم: " السام عليك " السام عليك يعني: الموت، ولكنهم لا يفصحون بها جيدًا فيظن السامع أنهم يقولون: السلام عليك، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سلم علينا أهل الكتاب أو غير أهل الكتاب ممن نظن أنهم يقولون: السام عليك أن نقول: وعليك، إن كان دعا بالسلام فعليه وإن كان دعا بالسام فعليه، وهذا غاية العدل، لكن إذا سلم عليك اليهودي أو النصراني أو غيره بقوله: السلام عليك، واضحة، فلك أن تقول: عليك السلام، لقول الله تعالى: (( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ))، ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( إن أهل الكتاب إذا سلموا يقولون: السام عليكم فقولوا وعليكم )، وهذا يدل على أنهم لو قالوا: السلام لقلنا: وعليكم السلام.
(( ويقولون في أنفسهم )) يعني: يحدث الواحد منهم نفسه أو المعنى يقولون فيما بينهم:
(( لولا يعذبنا الله بما نقول )) يعني: هلا يعذبنا الله بما نقول لو كان ما نقول خطأ؟!
كأنهم يتحدون الله عز وجل ويقولون: لو ارتكبنا خطأ لعذبنا الله.
قال الله تعالى: (( حسبهم جهنم )) يعني: كافيتهم.
(( يصلونها وبئس المصير )): وهذا وعيد شديد لهؤلاء الذين نجوا من عذاب الدنيا أن لهم عذاب الآخرة.
(( يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى )):
لما ذكر الله عن حال اليهود أنهم يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول نهى المؤمنين أن يكونوا مثلهم فقال:
(( لا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول )): ضد ذلك: (( وتناجوا بالبر والتقوى )):
بالبر أي: فعل الخير، والتقوى: اجتناب الشر، يعني: ليناجي بعضكم بعضًا بما فيه الخير إما بر يأمرون به، وإما محرم يأمرون بتقواه واجتنابه.
(( واتقوا الله الذي إليه تحشرون )): اتقوا الله تعالى يعني: أطيعوا الله، لأن التقوى اتخاذ وقاية مِن عذاب الله بماذا؟
بفعل أوامره واجتناب نواهيه، لأنه لا شيء يقي من عذاب الله إلا هذا.
(( الذي إليه تحشرون )) أي: تجمعون إليه يوم القيامة، فإن الله تبارك وتعالى يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد متساوي يُسمعهم الداعي وينفُذهم البصر، نحن في الدنيا لسنا على أرض متساوية بل على أرض تشبه الكرة، ولذلك لا ينفذ البصر إلى ما وارء منحنى الكرة، ولا يسمع الداعي، لكن في الآخرة يقول الله عز وجل:
(( وإذا الأرض سطحت )): يعني تمد مدًّا واحدًا ما فيها جبال ولا انحناء ولا مساكن ولهذا يسمعهم الداعي، لأنه ما فيه شيء يرد الصوت، وينفذهم البصر: يرى أقصاهم كما يرى أدناهم.
فيحشر الخلائق كلهم على هذه الأرض المسطوحة لا جبال ولا أنهار ولا شعاب ولا غير ذلك، وفي قوله: (( الذي إليه تحشرون )) إثبات المعاد وهو اليوم الآخر، والإيمان به أحد أركان الإيمان الستة، وهي أركان الإيمان:
أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، فمن أنكر البعث فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة، بل من شك فيه فهو كافر كفرًا مخرجا عن الملة فلينقذ نفسه قبل الموت وليوطنها على الإيمان باليوم الآخر فنحن نحشر إلى لله ونبعث يوم القيامة ونجازى بأعمالنا إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر.
(( إنما النجوى من الشيطان )) أي: من أوامره يعني هو الذي يأمركم بأن تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، لماذا؟
(( ليحزن الذين آمنوا )) أي: يلحقهم الحزن في نفوسهم ولكن هل هذا يضرهم؟
الجواب: لا يضرهم قال: (( وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله )) كل الأسباب يبطلها الله عز وجل إذا شاء، وإذا شاء نفذ قدره فيها، فهؤلاء الذين يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ليحزنوا الذين آمنوا لن يضر المؤمنين نجواهم إلا بإذن الله، ولهذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( لا يتناجى اثنان دون الثالث ) يعني: إذا كانوا ثلاثة ما يتسامع اثنان دون الثالث قال: ( من أجل أن ذلك يحزنه )، ومثله إذا كانوا ثلاثة واثنان منهم يعرفون لغة غير عربية، والثالث لا يعرفه هذه اللغة، فلا يجوز أن يتحدث بعضهم إلى بعض باللغة التي لا يعرفها الثالث، لأن ذلك يحزنه، وهذا من عمل الشيطان نسأل الله العافية.
(( وعلى الله فليتوكل المؤمنون )) يعني: يجب على كل مؤمن أن يتوكل على الله عز وجل، وإذا توكل على الله فهو حسبه لن يضره أحد.
اللهم نسألك التوكل عليك وصدق الإيمان بك إنك على كل شيء قدير.
والآن إلى الأسئلة نبدأ باليمين.