هل ترجيح بعض المحدثين وقف حديث ما يتم بملكة لديهم كالتي يعرفون بها كلام النبي عليه الصلاة و السلام من غيره ؟ حفظ
السائل : الله يبارك فيك سؤالي لفضيلتكم ذو شقين الأول هل ترجيح بعض المحدثين وقف حديث ما يتم بملكة تتكون لديهم كالملكة التي يعرفون بها كلام النبي صلى الله عليه وسلم من غيره ، واسمح لي أن أذكر مثالا تتفضلون بالتطبيق عليه ليتضح الأمر به ، هو مثلا حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( الوتر حق على كل مسلم ، من أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل ) رواه الأربعة إلا الترمذي صححه ابن حبان ورجح النسائي وقفه وأبو حاتم والذهلي والدارقطني والبيهقي في العلل فهل ترجيح الوقف يتم بملكة أم أن هناك أسباب أخرى يعتمدون عليها ويمكن للممارسين الذين يشتغلون بالحديث أن يحصلوا هذا الشرف أو هذه المنزلة والشق الثاني ذهب بعض العلماء في حمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور أنه واجبة ، ذهبوا في حملها على ظاهر الكلمة وأنها تكون واجبة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون أن النبي أفصح الخلق وأنصح الخلق ويخاطبهم بما يعرفون وقرأت للصنعاني رحمه الله تعالى أنه قال إنما يذكر الوجوب في بعض الأحاديث لتأكيد سنية الأمر الذي يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم إنه واجب ، كما في غسل الجمعة في قوله صلى الله عليه وسلم ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم )، فأرجوا أن تتفضلوا بشرح الأمر الأول فيما يتعلق بترجيح الوقف ثم بيان الصحيح في مسألة قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمر من الأمور إنه واجب ؟
الشيخ : فيما يتعلق في الأمر الأول لا يخفى عليكم إن شاء الله جميعا وأنتم طلبة العلم أن ترجيح رواية على أخرى له قواعد وله ضوابط ذكرها علماء الحديث في مصطلحهم فهذا هو السبيل الذي لا سبيل آخر يمكن التحاكم إليه لترجيح قول على قول ، فترجيح المرسل على المتصل أو ترجيح الموقوف على المرفوع هذا مرجعه كما لا يخفى عليكم إلى الطرق والرواة فإذا جاء الحديث مثلا مرسلا من طريق ثقة وجاء موصولا من طريق ثقة آخر لا بد من النظر والمفاضلة بين الثقتين فمن كان أحفظ من الآخر رجحت روايته سواء كانت الموصولة أو المرسلة سواء كانت الموقوفة أو المرفوعة كذلك إذا كان الراوي فردا وثقة وخولف من رواة آخرين رجحت رواية هؤلاء الآخرين على ذلك الثقة سواء كان كما قلنا الوصل أو الإرسال أو الوقف أو الرفع لكن هذه القاعدة وهي التي لا نجد غيرها في علم الحديث ومصطلح الحديث يشذ عنها بعض العلماء الكبار من أئمة الجرح والتعديل فيما يبدوا لنا حينما نطبق هذا المصطلح وهذه القواعد قد يترجح عندنا خلاف ما قال قائلهم فإنما يكون ذلك لسبب من سببين إما أن يكون أنه حكم في حدود ما وقف عليه من الروايات واعمل من الترجيح بينهما أو أنه انقدح في نفسه شيء هذا الذي انقدح فيه لا يمكن ضبطه وإنما يسلم له ذلك لأنه من الأئمة الذين نحن نتلقى علمه عن أمثاله بمعنى إذا وجدنا نحن حديثا وطبقنا عليه القواعد فترجح عندنا الوصل ووجدنا مثلا مثل ابن أبي حاتم أو الإمام الدارقطني قد رجح الإرسال فنحن مكلفون في هذه الحالة أن نطبق القواعد فإذا ساعدتنا القواعد على اتباع قول هذا الإمام فعلنا وكان ذلك نور على نور وإن لم تساعدنا القواعد إلا على مخالفتهم فلا بد لنا من المخالفة ولهم حكمهم الخاص الذي انتهوا إليه ونحن نعلم في كثير من الأمثلة أولا ومن بعض كلماتهم ثانيا أن هناك أمورا لا يمكن أن يشترك فيها جميع العلماء في علم الحديث فإن الإمام على بن المديني لما سئل كيف تعرف الحديث الصحيح من غيره قال : " أرأيت كيف الصائغ يميز الدينار السليم من الدينار المغشوش " لمجرد أن يلقي نظره يتميز له السليم من المغشوش ، معنى هذا أن هناك ملاحظات خاصة تنقدح في نفوس هؤلاء الأئمة فبها يرجحون رواية على رواية ، لكن هذا في الواقع كالمسائل الفقهية التي يذهب إليها بعض الناس ، ثم يأتينا نحن الحديث مخالفا لاجتهادهم فندع لهم اجتهادهم ونتبع نحن النص الذي أمرنا نحن به ، وهذا معناه أننا أعذرنا إلى الله باتباعنا للنص وعذرناهم في اجتهادهم لأن لهم مسلكا ولهم مأخذا قد خفي علينا ويعجبني بهذه المناسبة ما كنت قرأت قديما في ترجمة أحد تلامذة أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة رحمهم الله إلا وهو عصام البلخي كان هذا رجلا فاضلا من القلائل من علماء الحنفية الذي خالف أئمته وخالف أصحابه جميعهم فكان يرفع يديه في الركوع والرفع منه وقيل له كيف هذا كيف تخالف أئمتك وعلماءك قال إن الله تبارك وتعالى يكلف كل إنسان بما وصل إليه من علم وما عنده من عقل وفهم ويوم نلقاه سوف لا يحاسبني على فهم الإمام الفلاني والإمام الفلاني وإنما سيحاسبني على ما وصل وأحاط به علمي وأنا وقفت على أحاديث صحيحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الصلاة فإن أصبت فهذا الذي وصل إليه علمي واجتهادي وإن أخطأت فربي سوف لا يقول لي يوم القيامة لماذا خالفت أولئك الأئمة قد يكون المخالف مخطئا والمخالف مصيبا ولكن المكلف عليه أن يتبع ما وصله الدليل على هذا نجيب بالنسبة للفقرة أو الشطر الأول من السؤال هناك قواعد موضوعة باتفاقهم علمنا نحن أن نلتزمها ونطبقها فإذا ما تبين لنا في نطاق ما أنهم خالفوا هذه القواعد فإما إنهم لم تصل هذه الروايات التي اتخذناها نحن قاعدة فخالفناهم وإما يكون لهم ملحظ نحن ما أدركناه والله أعلم ، يا الله ... .
( إنما أنسّى لأشرع أنا لا أنسى إنما أنسّى لأشرع )، هذا لا أصل له في السنة الصحيحة ، بل السنة الصحيحة تخالفه فقد جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم الظهر خمسا فلما سلم قيل له أزيد في الصلاة قال لا قالوا صليت خمسا فسجد سجدتي السهو ، ثم قال عليه الصلاة والسلام ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني ) هذا خلاف ما رواه مالك إنما أنسى لأذكر مخالف لهذا الحديث الصحيح بل يخالف عموم قوله تعالى (( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ )) هذا الذي تميز به الرسول عليه السلام عن البشر وإلا هو يصاب بما يصاب به البشر يجوع ويعطش ويمرض وإلى آخره وهذا مما يزيدهم رفعة ومكانة عند الله تبارك وتعالى كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح ( نحن معاشر الأنبياء أشد ابتلاء الأمثل فالأمثل ) ، بل هذا الحديث البلاغي إن صح التعبير يخالف القرآن الكريم في قوله (( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ))، فإذا هو ينسى بنص القرآن ودعم هذا المعنى الصريح في القرآن بالحديث الذي في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فسمع رجلا يقرأ القرآن فقال عليه السلام ( رحم الله فلانا لقد ذكرني آية كنت أنسيتها ) فإذا ذاك الحديث الذي سألت عنه صحيح لأنه جاء ... خارج الموطأ .
السائل : كنت أنسيتها أم نسيتها ؟
الشيخ : كنت أنسيتها أي نعم .