ما هي الأسس التي ترونها خلال مرئياتكم أنه يمكن للعالم الإسلامي أن ينهض به. حفظ
السائل : من خلال مرئياتكم أنه يمكن للعالم الإسلامي أن ينهض بها ما هي الأسس التي ترونها من خلال مرئياتكم أنه يمكن للعالم الإسلامي أن ينهض بها؟
الشيخ : أما ما أعتقده هو ما جاء في النص الحديثي الصحيح وهو جواب عن مثل هذا السؤال وعن كثير من الأسئلة التي تطرح للعام ... وهو قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح ( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم ) الأساس هو الرجوع إلى الإسلام والأمر هذا قد أشار إليه إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه الله في كلمة مأثورة عنه تكتب كما كانوا يقولون قديما بماء الذهب وهي قوله رحمه الله " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم خان الرسالة اقرؤا قول الله تبارك وتعالى (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) -قال مالك رحمه الله- فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها " هذه الجملة الأخيرة هي بيت القصيد فيما يتعلق بالجواب عن ذاك السؤال حيث قال رحمه الله " ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها " فكما أن الأمة العربية في عهدها في الجاهلية ما صلح أمرها إلا بعد أن جاءهم نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم بوحي السماء الذي أسعدهم في الدنيا وفي الأخرى لذلك الأساس الذي ينبغي أن تقوم فيه الحياة الإسلامية السعيدة في هذا الزمن ليس إلا هو إلا الرجوع إلى الكتاب وإلى السنة غير أن هذا يحتاج إلى شيء من التفصيل لكثرة الجماعات أو الأحزاب الإسلامية الموجودة الآن في الساحة لأن كل جماعة تدعي لنفسها أنها هي التي وضعت المنهج الذي به يمكنهم أن يحققوا المجتمع الإسلامي والحكم بالإسلام فكلهم يدعي كما قيل قديما " وكلهم يدعي وصلا بليلى *** وليلى لا تقر لهم بذاك " ونحن نعلم من كتاب الله ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن السبيل الذي به يمكن تحقيق السعادة في الدنيا ثم السعادة في الآخرة إنما هو سبيل واحد فلابد من تحديد هذا السبيل ليسلك عليه من كان حقا يبتغي العمل لصالح الدعوة الإسلامية والأمة الإسلامية هذا السبيل هو ما ذكره الله تبارك وتعالى في غير ما آية في القرآن الكريم ربنا عز وجل يقول (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) فالطريق التي تؤدي إلى ما ينشده كل مسلم اليوم ولكن الجماهير ما يعرفونه إنما هو السبيل الذي أشير إليه في هذه الآية الكريمة ولقد أوضح النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا السبيل المذكور في الآية الكريمة بمثل رائع جدا رسمه لأصحابه على الأرض التي كان من عادته أن يجلس عليها دون أي عظمة أو كبرياء فقد خط لهم رسول صلى الله عليه وآله سلم يوما خطا مستقيما على الأرض ثم خط على جانبيه خطوطا قصيرة ثم قرأ عليه الصلاة والسلام وهو يمر بإصبعه الشريفة على الخط المستقيم الآية السابقة (( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه )) ثم أشار إلى الخطوط التي على جانبي الخط المستقيم لقوله بتمام الآية الكريمة (( ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )) فاعتقادي أن الطريق هو واحد فما ينشده كل جماعة أو كل فرد من هذه الأمة من السعادة لها في الدنيا والآخرة فلا يوجد هناك إلا هذه السبيل وبخاصة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أتم بيان خطورة الحيدة عن الطريق المستقيم لقوله في تمام الحديث السابق حيث قال ( هذا صراط الله وهذه طرق وعلى رأس كل طريق منها شيطان يدعو الناس إليه ) فالدعاة إذا كثيرون ولكن الداعي الحق إنما هو الذي يدعو الناس أن يسيروا على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وما اتبعه أصحابه ثم من جاءوا من بعدهم بإحسان وقد أكد ربنا عز وجل في آية أخرى في القرآن الكريم ما ذكر في الآية السابقة مع شرح الرسول عليه السلام لها بالحديث المذكور آنفا فقال تعالى (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )) فإذا السبيل دائما يذكر في القرآن مفردا وليس هناك سبل تتبع ولو أن السالكين على هذه السبل والسائرين على تلك الطرق كانت مقاصدهم ونواياهم حسنة وإن افترض فيهم ذلك فهم لن يصلوا إلى بغيتهم ما دام أنهم لم يسلكوا الطريق الوحيد المستقيم الذي يؤدي بهم إلى مقصدهم المشروع ولقد جاء في الحديث الصحيح الذي تتفق عليه كل جماعة والأحزاب الإسلامية فكرا ولكنهم يختلفون في تطبيقه سلوكا أعني به قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا من هي يا رسول الله؟ قال هي الجماعة ) هذه هي الرواية المشهورة وثمة رواية أخرى تفسر الأولى وهي قوله عليه السلام ( هي التي على ما أنا عليه وأصحابي ) فإذا واحدة من ثلاث وسبعين فرقة هي الفرقة الناجية كما اصطلح على ذلك العلماء قاطبة وهذه الفرقة الناجية هي فقط التي تستطيع أن تنهض بالأمة الإسلامية اليوم وأن تحقق السعادة لهم ثم لغيرهم من الأمم الأخرى التي لم تهتد بهدي الإسلام ولعل من أسباب ذلك أن المسلمين أنفسهم لم يعودوا مع الأسف كما كانوا من قبل دعاة بأفعالهم وأعمالهم والأقوال وحدها لا تفيد عموم الناس ... لما ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الفرقة الناجية هي فرقة واحدة ولكي لا يضل المسلمون عن معرفة وصفها هذا الضلال الذي يلزم منه المضل عمليا أجاب عن ذاك السؤال من هي هذه الفرقة الناجية من بين الثلاث وسبعين فرقة قال ( هي التي على ما أنا عليه وأصحابي ) ونلاحظ هنا بوضوح تام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقتصر في جوابه عن ذاك السؤال على قوله فقط التي هي على ما أنا عليه لم يقتصر ولم يقف في كلامه إلى هنا على ما أنا عليه وبس لا، عطف على ذلك قوله وأصحابي ذلك لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم كما لا شك ولا إشكال فيه هم الذين تلقوا الوحي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقسميه القرآن والسنة غضا طريا ثم عملوا به وطبقوه أحسن تطبيق ثم نقلوه كما فهموه وكما طبقوه إلى من جاء من بعدهم وهكذا حتى سخر الله عز وجل للمسلمين من جمع لهم السنة من بعد أن سخر للأولين من جمع لهم القرآن الكريم بين دفتين وبذلك اجتمع الوحيان المشار إليهما في القرآن في عديد من الآيات كمثل قوله تبارك وتعالى مخاطبا نبيه عليه الصلاة والسلام (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس مانزل إليهم )) ففي هذه الآية نص صريح أن بيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو شيء زائد على القرآن وأن القرآن مبين ببيانه عليه السلام فالمبَيَن شيء والمبيِن شيء آخر شيء زائد عليه وإن كان لا يخرج عن أنه مستقا من مشكاة واحدة كما جاء النص يصرح بذلك ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام ( لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يقول هذا كتاب الله فما وجدنا فيه حلالا حللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ) ألا في حديث آخر ( ألا إنما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ) ... لأن الله عز وجل كما صرح في الآية السابقة أنزل القرآن على قلب نبيه عليه السلام وكلفه أن يبينه للناس هذا البيان هو السنة لكن هنا شيء آخر أشارت إليه تلك الرواية السابقة حينما سئل النبي عليه السلام عن الفرقة الناجية فقال ( هي التي على ما أنا عليه وأصحابي ) فأصحاب الرسول عليه السلام ذكروا في هذا الحديث لهذه النكتة التي سبق ذكرها في قوله تعالى (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )) فنحن نقول في هذه الآية حكمة بالغة كان الحديث السابق وأصحابي فذكر في الحديث عطفا على سنته عليه السلام يعني أصحابه الكرام كذلك هنا في الآية الكريمة عطف سبيل المؤمنين على ما جاء به الرسول وقال تعالى (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين )) لم يقل رب العالمين ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصير وإنما أدخل جملة عطفها على ما قبلها فقال تعالى (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين )) كأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال أنا وأصحابي كان إن لم يكن ذلك وحيا من الله مباشرة منه تعالى إليه كان اقتباسا من الآية التي كان الله عز وجل أوحى بها إليه حين قال (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين )) فما هي النكتة وماهي الحكمة في ذكر الله عز وجل في هذه الآية سبيل المؤمنين وفي حث الرسول عليه السلام أصحابه على نفسه في الحديث السابق؟ الجواب أن هؤلاء الصحابة الكرام كما أشرنا سابقا هم الذين تلقوا الوحيين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مبينا منه لهم مباشرة دون واسطة كما هو شأن من جاء من بعدهم ولا شك أن الأمر كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المعروف ( الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ) ولذلك كان إيمان الصحابة الأولين أقوى من إيمان من جاء من بعدهم وقد أشار عليه السلام إلى ذلك بقوله في الحديث الصحيح بل المتواتر ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) وعلى ذلك فلا يستطيع مسلم أن يستقل بفهم الكتاب والسنة بشخصه بل لابد أن يستعين على فهمهما بالرجوع إلى الأصحاب الكرام الذين تلقوا ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم مفسرا مبينا تارة بقوله عليه السلام وتارة بفعله وتارة بتقريره ولعلكم تعلمون جميعا أن السنة تنقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة قول وفعل وتقرير فإذا ما صرف صارف ما نظره عن هذه السنة وأراد أن يستقل بفهم القرآن مقتصرا على ذلك باللغة العربية فسوف لا يستطيع أن يصل إلى فهم مراد الله تبارك وتعالى من آياته أكبر دليل على ذلك أن هناك بعض الآيات ليتردد فيها لفظ معين كاليد مثلا في آية التيمم واليد في آية حد السارق ونحو ذلك فتجد الآية تفسر على ضوء ما جاء في السنة فلا يجوز حينئذ أن يستقل إنسان ما لفهم الآية دون أن يستعين على ذلك بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأقسامها الثلاثة التي ذكرتها آنفا فآية مثلا (( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما )) اليد في اللغة إذا أطلقت فقد يراد الكف وقد يراد الكف والذراع وقد يراد ما فوق ذلك إلى المنكب فبأي هذه المعاني يستطيع من لا يعود إلى السنة التي هي بيان للقرآن كما ذكرنا آنفا أن يفسر مثل هذه الآية ثم كلمة السارق فهي تشمل كل سارق مهما كانت قيمة ما سرق منحطا وقليلا ولا قيمة لها تذكر لابد في هذا وفي هذا وفي غير ذلك أن يرجع إلى السنة بأقسامها الثلاثة وأوضح مثل معروف عند العلماء هي الصلاة التي أمرنا بها في القرآن الكريم والحج والصيام والزكاة ونحو ذلك لا يستطيع أحد مطلقا أن يفهم هذه الأركان التي أمرنا بها في القرآن إلا على ضوء بيان الرسول عليه السلام لها بقوله وفعله وتقريره، إذ الأمر كذلك فلابد من الرجوع إلى السنة مع القرآن لأن السنة تبين القرآن كما ذكرنا آنفا في الآية الكريمة (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )) يبقى هناك شيء آخر وهو بيت القصيد الآن من كلمتي هذه في آخر هذه الكلمة أو هذا الجواب وهو الصحابة الذين نقلوا إلينا أقواله عليه السلام وأفعاله وتقاريره أقواله صلى الله عليه وسلم لا نعرفها من القرآن الذي مروي بالتواتر كما هو معلوم وإنما نعرف ذلك من السنة تقاريره عليه السلام رأى شيئا فأقره لا نعرف ذلك إلا من نقل الصحابة وليس من قوله عليه السلام فإذا كان من الضروري جدا أن نضم إلى الدعوة إلى الكتاب والسنة كما نقول دائما في مثل هذه المناسبة وعلى ما كان عليه سلفنا الصالح إعمالا لما سبق ذكره في بعض الآيات والأحاديث المتقدمة حينما ذكر الله سبيل المؤمنين وذكر نبيه الكريم أصحابه وليكن ذلك إلا لحكمة بالغة وهي أنه يجب الرجوع إلى فهم الكتاب والسنة على ما كان عليه سلفنا الأول الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
على هذا يأتي هنا شيء هام جدا يغفل عنه كثير من الجماعات الإسلامية أو الأحزاب الإسلامية القائمة اليوم على وجه الأرض ألا وهو ماهو السبيل إلى معرفة ما كان عليه الرسول عليه السلام من قول أو فعل أو تقرير ثم معرفة ما كان عليه أصحابه من فهم وتطبيق لهذه السنة لا سبيل إلى ذلك إلا بالرجوع إلى علم يعرف عند العلماء قاطبة بعلم الحديث علم مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل له قواعده وله اصطلاحته بها يتمكن العلماء من أن يعرفوا ما صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما لم يصح أكثر الجماعات الإسلامية لا يرفعون اليوم رؤوسهم أولا إلى ما يعرف بالسنة والسنة في لغة الشرع أعم وأشمل منها في عرف الفقهاء ذلك لأن الفقهاء يطلقون لفظة السنة على ما كان من العبادات غير المفروضة على المسلم ففريضة وسنة لكن السنة في لغة الشرع هي الطريقة والمنهج والسلوك الذي سلكه الرسول عليه السلام في تفسيره لبيانه للقرآن وتطبيقه إياه على هذا جاء قوله عليه السلام في الحديث الصحيح والمتفق عليه بين الشيخين من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ( من رغب عن سنتي فليس مني ) فليس المقصود هنا من رغب عن سنتي سنة الفجر سنة الظهر القبلية والبعدية إلى آخر ما هنالك من السنن الرواتب ليس هذا هو المقصود في هذا الحديث وإنما المقصود به السنة والطريقة التي جاء بها النبي عليه السلام لهذه الأمة كبيان للقرآن كما سبق عليه الكلام والذي يؤكد لنا هذا المعنى شيئان اثنان أحدهما يتعلق بسبب ورود الحديث والشيء الآخر اتفاق الأمة أن من حافظ على الفرائض وانتهى عن المحرمات فهو إن شاء الله من أهل الجنة كما جاء في صحيح مسلم ( أن رجلا قال يا رسول الله أرأيت إن أنا صليت الصلوات الخمس وصمت رمضان وحللت الحلال وحرمت الحرام أأدخل الجنة؟ قال نعم إن أنت صليت الصلوات الخمس وصمت رمضان وحللت الحلال وحرمت الحرام فأنت من أهل الجنة ) فإذا هنا لا شيء مما يسمى في اصطلاح الفقهاء بالسنة لأنه من قام بما سبق ذكره في الحديث من الفرائض يحول تركه للسنة بينه وبين دخول الجنة لكنه على العكس من ذلك إذا ترك السنة بمعناها الشرعي فلازم ذلك أنه حاد عن سبيل الرسول عليه السلام التي هي سبيل المؤمنين أما سبب الحديث وهو الشيء الأول الذي يدل على المعنى الصحيح بهذه الجملة فمن رغب عن سنتي ...تابعوها أي وجدوا عبادته عليه السلام قليلة وجدوها قليلة بالنسبة لما كان يدور في ذهنهم من أن الرسول عليه السلام ينبغي أن يكون أعبد العباد فيما يتصورون هم العبادة وهو بلا شك أعبدهم جميعا لكن ليست العبادة بكثرة صلاة وصيام إنما هي بكثرة الإتيان من العبادات حسب ما جاء به الرسول عليه السلام فبناء على ما كان قائما في أذهانهم من مبالغة في العبادة وجدوا عبادته عليه السلام قليلة وكأنهم شعروا بأن هذا نقص في حق الرسول عليه السلام فجاؤوا بتعليل من أبطل ما يكون نرجو أن الله عز وجل يغفره لهم بسبب صحبتهم لنبيهم صلى الله عليه وآله وسلم حيث قالوا بعد أن تقالوا العبادة هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه كأنهم يقولون لماذا يتعب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نفسه ولماذا يجهدها ويتعبها وقد حصل غاية المنى ألا وهو كما قال الله عز وجل (( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر )) فإذا الرسول عليه السلام قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فلم يبقى هناك ما يدعوه إلى أن يقوم الليل كله ويصوم النهار كله ويبتعد عن النساء بكله ولذلك عادوا إلى أنفسهم أما نحن فلم نظفر بعد بمغفرة الله فيجب أن نسعى إلى عبادة الله عز وجل لعل الله يغفر لنا فتعاهدوا بينهم فقال أحدهم أما أنا فأقوم الليل ولا أنام وقال الثاني أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر والثالث قال أما أنا فلا أتزوج النساء وانصرفوا متعاهدين على هذا ولما جاء الرسول عليه السلام إلى أزواجه وأخبرنه خبر الرهط صعد عليه السلام المنبر وخطب في أصحابه قائلا ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وكذا ) يعيد أقوال كل منهم هذا يقول أصوم الدهر ولا أفطر وذاك يقول أقوم الليل ولا أنام والثالث يقول لا أتزوج النساء وهذا من أدبه عليه السلام أنه يكني ويعرض ولا يصرح فيقول ما بال فلان قال كذا وفلان قال كذا لا ما بال أقوام يقولون كذا وكذا لأن المقصود ليس هو التشهير وإنما هو التعليم فقال عليه السلام ( أما أنا فإني أخشاكم لله وأتقاكم لله أما إني أصوم وأفطر وأقوم الليل وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) هذا موضع هذا الحديث وهذا هو سبب ورود هذا الحديث ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) أي من جاء بعبادة يتعبد الله بها ويتقرب إلى الله زلفى لم أتعبد الله بها فهو قد رغب عن طريقي وعن منهجي وهو ليس مني لو أن رجلا لم يقم الليل مطلقا ولم يصم من الدهر شيئا أكثر من شهر رمضان فهو الذي يستحق أن يكون من أهل الجنة بشهادة ذلك الحديث ولا يقال فيه قد رغب عن سنة الرسول عليه السلام ولكنه لو صام مع رمضان صام كل الأيام التي لم ينه الشارع الحكيم عن صيامها ثم قام الليل في السنة كلها والليل كله بطوله فهو الذي رغب عن سنته عليه السلام ولذلك فشتان ما بين القانع بالفرائض والذي يزيد على السنن ظانا بأنه قد زاد في الطاعة والعبادة والواقع أنه قد خالف منهج الرسول وسيرته من أجل ذلك قال عليه السلام في الحديث الصحيح ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) إذا عرفنا أن سنة الرسول عليه السلام التي نقلها إلينا أصحابه الكرام وجب علينا أن نعرفها كما لو كنا نحياها معه عليه السلام وكذلك بيان الصحابة لما بينه الرسول عليه السلام لهم كان لابد من الرجوع كما قلت آنفا إلى علم الحديث وعلم الحديث علم مستقل عن سائر العلوم الشرعية ولا سبيل إلى التفقه في الدين وإلى فهم القرآن الكريم إلا بطريق هذه السنة لذلك أعتقد وهذا إن شاء الله يكون نهاية هذا الجواب أنه لابد للمسلمين اليوم أو بعبارة أوضح للمسلمين الذين يريدون أن يعيدوا العز للإسلام والمجد للإسلام والحكم للإسلام لابد لهؤلاء أن يحققوا أمرين اثنين أن يعيدوا إلى أذهان المسلمين شريعة الإسلام مصفاة من كل ما دخل فيها مما لم يكن منها يوم أنزل الله تبارك وتعالى قوله (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) إعادة هذا الأمر اليوم كما كان في العهد الأول هذا بلا شك يحتاج إلى جهود جبارة من عديد من علماء المسلمين في مختلف أقطار الأرض ينشرون العلم الصحيح الذي هو القرآن ببيان السنة وبنقل الصحابة وفهمهم لها إن الرجوع إلى ما كان عليه الصحابة في فهم الشريعة أمر هام جدا وهو الشيء الأساسي في إعادة المفهوم الصحيح للإسلام وإن تفرقت السبل وتعددت الطرق حتى قال بعض غلاة الصوفية " إن الطرق الموصلة إلى الله تبارك وتعالى هي بعدد أنفاس الخلائق " لأن ذلك يعني أنهم ليسوا بحاجة إلى أن يدرسوا علم الكتاب وعلم السنة بل يخلو أحدهم في خلوة ويشترط فيها أن تكون مظلمة ولا يكتفي في ذلك بل يغمض عينيه ولا يقتصر على ذلك بل يضع رأسه بين ركبتيه ظلمات بعضها فوق بعض مع ذلك فهو يهيئ نفسه بزعمه أن يتلقى لا يقولون الوحي لأنهم إن قالوا ذلك خرجوا من دائرة الإسلام لكن يقولون يتلقى الإلهام من رب الأنام وهو يعمل بمقتضى هذا الإلهام فإذا هم ليس عندهم طريق واحدة توصل إلى الله تبارك وتعالى خلافا لكل ما سبق بيانه فأنا أقول أنه لابد لعلماء المسلمين حقا أن يقربوا هذا الإسلام مصفى من كل ما دخل فيه ما دخل في العقائد ما دخل الأحاديث في السنة من أحاديث ضعيفة وموضوعة ما دخل في الفقه من آراء فجة وأقوال غريبة جدا فالإسلام يتبرأ منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب كما كان يقال ثم ما دخل في السلوك والأخلاق من انحراف عما كان عليه الرسول عليه السلام وأصحابه من الاعتدال ما دخل في السلوك من الغلو في الزهد في الدنيا والانصراف عن الناس والرسول عليه السلام يقول ( إن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على آذاهم خير من الذي يخالطهم ولا يصبر على آذاهم ) يصفون هؤلاء العلماء الإسلام من كل شائبة ومن كل دخيل دخل في هذا الإسلام من أي جانب كان سواء في العقائد أو في الفقه أو في الحديث أو في السلوك، ثم الشيء الثاني مع هذه التصفية ينبغي أن يقترن العمل العمل بهذا العلم فلذلك أن ألخص ذلك بكلمتين لابد للجماعة المسلمة حقا أن تقوم بواجب أمرين اثنين التصفية والتربية تصفية الإسلام مما ذكرنا آنفا بحيث يعود المسلمون إلى فهمهم لدينهم كما لو كانوا في صحبة نبيهم أو على الأقل في صحبة أصحابه عليه الصلاة والسلام يجدون الإسلام غضا طريا كما أنزل ثم يكونون حريصين على تطبيق هذا الإسلام المصفى تطبيقا صحيحا فيوم يهيئ للمسلمين مثل هذه التصفية ويوجهون ويربون على أساس العمل بها يومئذ أعتقد يفرح المؤمنون بنصر الله تبارك وتعالى هذا ما يمكنني أن أقوله بهذه المناسبة ونسأل الله لنا ولعامة المسلمين أن يفهمنا الإسلام فهما صحيحا على ضوء الكتاب والسنة الصحيحة وعلى ما كان عليه سلفنا الصالح وأن يوفقنا للعمل بذلك إنه سميع مجيب والحمدلله رب العالمين.