ما حكم الإجماع؟ حفظ
السائل : بالنسبة لحكم الإجماع؟
الشيخ : حكم الإجماع، الإجماع في الحقيقة كما يقول هنا نشهد لابن حزم بفقهه الإجماع الذي يمكن أن يحتج به إنما هو إجماع الأمة أما إجماع بعض العلماء أو كثير من العلماء أو أكثر العلماء على شيء فذلك لا يعني أن الأمة كلها أجمعت على ذلك الشيء فالإجماع الذي يذكره الأصوليون له تعاريف متعددة وهي بلا شك يختلف بعضها عن بعض فأول تعريف وأقواه لو ثبت وهو ثابت بلا شك وسيأتي بيانه إجماع الأمة هذا أول تعريف للإجماع، ثاني تعريف إجماع علماء الأمة والفرق بين هذا وذاك أن الأول يدخل فيه غير العلماء أيضا الأمة كلها بما فيها من علماء وطلاب علم وعوام عامة الناس هذا الإجماع هو الأول الإجماع الثاني خاص بالعلماء إجماع علماء الأمة عندك إجماع ثاني ينزل مرتبة ثالثة وهو إجماع طائفة من علماء الأمة وهنا يأتي مذهب مالك في احتجاجه بإجماع أهل المدينة يقابل هذا ما يدعيه بعض الحنفية من إجماع علماء الكوفة فهذه كلها لا قيمة لها إلا الإجماع الأول وهي إجماع الأمة وهذا دليله كما قال الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الرسالة قوله تعالى (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )) فسبيل المؤمنين هو الحجة ولا سوى ذلك ولكن ما المقصود هو الحجة لأننا سنقول شيئا هو دون الإجماع ومع ذلك فهو حجة المقصود أن الذين يعرّفون الإجماع يبنون عليه حكما خطيرا جدا ألا وهو تكفير من خالف الإجماع فهنا نحن إذا أخذنا هذه التعاريف الأربعة من الإجماعات ابتداءً من إجماع الأمة إجماع علماء الأمة إجماع أهل المدينة إجماع أهل الكوفة فمن الواضح جدا أن الإجماع الأول هو الذي يترتب عليه تكفير من خالفه بالآية السابقة (( ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )) فإذا كان ليس هناك إجماع من المرتبة الأولى فهل يفيدنا إجماع من المرتبة الثانية والثالثة والرابعة نقول لا شك في ذلك بل أنا سأقول وعلى هذا ننطلق دائما في فقهنا إذا جاء قول عن بعض سلفنا عن بعض أصحاب رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم ولم نعرف لهم مخالفا وجب علينا اتباعه في ذلك ولا يجوز المخالفة لأنهم كانوا أهدى منا وأحرص منا على اتباع شريعة ربنا تبارك وتعالى لكن لو فرضنا أن أحدا خالف شيئا من ذلك ما نستطيع أن نقول إنه كفر لأنه لم يخالف إجماعا معلوما من الدين بالضرورة ولنضرب على ذلك مثلا عمليا لقد جاء في وفي رواية في صحيح مسلم " زجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الشرب قائما قيل له -وهنا الشاهد- أرأيت الأكل؟ قال شر " يعني ماذا تقول يا أنس وأنت تروي لنا عن نبينا أنه نهى عن الشرب قائما فماذا تقول عن الأكل قائما قال هو شر من الشرب قائما فأنا لا أجد في نفسي ما يطاوعني على مخالفة هذا الصحابي في قوله إن الأكل شر من الشرب قائما أي هو منهي عنه لأني لا أجد في أقوال الصحابة الآخرين ما يخالف هذا القول فضلا عن أني لا أجد في أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام المرفوعة ما يخالف قول هذا الصحابي فإذن نحن ينبغي أن نتبعه فإذا انضم إليه في بعض المسائل الأخرى بعض الصحابة يأخذ الحكم قوة على قوة إذا الإهتمام بموضوع الإجماع وصحته إنما هو بالنسبة للإجماع الأول الذي يلزم منه مخالفة المسلمين وفيه ذاك الوعيد المذكور في القرآن الكريم أما ما سوى ذلك من الإجماعات فهي توزن بميزان هل يوجد هناك اختلاف أم لا يوجد اختلاف إن وجد اختلاف فحينئذ الحكم هو كما قال تعالى (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول )) أما إذا لم يكن هناك خلاف فليس هناك ما يجوز أو يسوغ أن نخالف هؤلاء العلماء ولو لم يكن هناك إجماع بالمعنى الأول وهذا المعنى هو الذي قصده الإمام أحمد رحمه الله حينما قال " من ادعى الإجماع فقد كذب وما يدريه لعلهم اختلفوا " هو يعني الإجماع النظري الذي قد تختلف فيه الأنظار وتختلف فيه الآراء لا يعني الإجماع الذي جرت عليه الأمة فإن هذا شيء معلوم من الدين بالضرورة ولذلك فنحن نرى في بطون كتب الفقه إجماعات تدّعى ثم نجد أن هناك من خالف هذه الدعوى من الإجماع فحينئذ فيرد قوله تعالى (( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) خلاصة القول لو اتفق بعض العلماء على شيء ما ولم نجد ما يخالفه في الكتاب أو السنة أو في أقوال علماء آخرين فينبغي أن نكون معهم وألا نسلط آراءنا الشخصية على تلك المسألة ما دام أنه لم يردنا لا دليل يوجبنا لمخالفتهم ولا أقوال أخرى تخالفهم حتى يكون لنا الخيرة بأن نأخذ بهذا أو بذاك هذا ما هو في نفسي الآن من الجواب عن الإجماع نعم.