بيان مسألة تقوية الحديث بمجموع الطرق مع لكلام عن علم التصحيح والتضعيف للأحاديث النبوية. حفظ
الشيخ : يا أخي يجب أن تعلموا أن علم الحديث علم التصحيح والتضعيف ليس بالعلم السهل الذي يمكن أن يتعلق به كل ناشئ في هذا العلم إذا ضعّف هذا الحديث تضعيفه إنما هو بالنظر إلى طريق واحدة أما إذا جمعت طرقه فيتبين للباحث حقا أن هذا الحديث لا يصح أن يضعّف بسبب وروده من طريق واحدة ضعيفة ومعلوم لدى الجميع قول المحدثين أن الحديث يتقوى بكثرة الطرق هذا أمر مسلّم بالجملة ولكن الشأن والخطورة هو في تحقيق هذا الأمر أو هذه القاعدة ولا نذهب بكم بعيدا فالحافظ بن الصلاح رحمه الله في المقدمة له لما تعرض لهذه القاعدة ضرب مثلا للحديث الضعيف الذي لا يثبت بكثرة الطرق ضرب مثلا على ذلك بالحديث المشهور الوارد في بعض السنن ( الأذنان من الرأس ) أشار رحمه الله إلى أن هذا الحديث إسناده ضعيف في السنن وأعني بالذات سنن أبي داود وأشار أيضا إلى أنه ليس إسناده إسنادا غريبا فردا وإنما له طرق أخرى لكن هذه الطرق برأيه واجتهاده لا تنهض لتقوية هذا الحديث والواقع أنني كنت تتبعت طرق هذا الحديث فيما أظن في المجلد الأول من السلسلة الصحيحة فوجدت له إسنادا في معجم الطبراني الكبير صحيحا فهنا نصل إلى نتيجة أن كون حديث ما ضعيفا بسبب أن إسناده ضعيف أو حسنا أو صحيحا عند البعض بسبب أنه تتبع طرقه هذه قضية نسبية ولذلك فلا ينبغي لطالب العلم أن يشكل عليه أمر اختلاف المحدثين القدامى فضلا عن المشتغلين بالحديث اليوم إنه هذا يحسّن وهذا يضعّف لأن هذه القضية لها أسباب توجب الاختلاف أكثر من الأسباب التي توجب اختلاف الفقهاء في الأحكام الشرعية لأن الحكم الواحد قد يكون مرجعه إلى نص واحد من الكتاب أو السنة ومع ذلك فتختلف الأراء وتختلف الاجتهادات أما الاختلاف في تصحيح حديث أو تضعيفه فهو أشكل بكثير من ذاك الاختلاف الفقهي لأن مرجعه إلى ما ذكرت آنفا إلى أن بعضهم وقف في نقده للحديث على الإسناد الواحد فضعّف الحديث، والآخر وقف لهذا الحديث على أسانيد أخرى فحكم بمجموعها على تحسين الحديث وقد قلت لكم فيما أظن في الأمس القريب أن علماء الحديث قد نصّوا في المصطلح أن طالب العلم إذا رأى حديثا بإسناد ضعيف فلا يصح له أن يقول هذا حديث ضعيف وإنما يعبر عن واقعه بأن يقول إسناده ضعيف وهذا من دقتهم في نقدهم وفي اصطلاحهم لأن ثمة فرقا واضحا جدا بين أن يقول القائل هذا حديث ضعيف لأنه يعطي حكمه حول الحديث وبين أن يقول إسناده ضعيف لأنه يقتصر في حكمه على الإسناد هذا الحكم لا ينافي قول من قد يقول حديث إسناده حسن أو إسناده صحيح لأنه لا يعني الإسناد الذي ضعّفه الأول وبالأولى والأحرى إذا قال حديث حسن أو حديث صحيح فلا ينافي قول من قال إسناده ضعيف لأنه يعني إنه حسن أو صحيح بمجموع طرقه إذا عرف هذا التفصيل فحين ذاك يجب على طالب العلم أن يتذكر الحقيقة التالية وهي أنه ليس كل من نشأ في هذا العلم يجب أن يعتمد على بحثه لأنه يكفي أنه ناشئ وسائر في هذا الدرب من أوله فما ينبغي أن يتشوش أفكار الطلاب لمجرد أن ظهر إنسان له بحث ما في حديث ما فيقول بعض الباحثين ضعّف هذا الحديث لأن الأمر أقل ما يقال فيه لماذا ضعّفه؟ الأمر حين ذاك يتطلب خوضا في بحث قد لا يتحمله المجال والمكان والناس الحاضرون أما إذا كان هناك جلسة علمية باحثة ناقدة فحينئذ تطرح هذه الأسانيد ويقال هل هذه الأسانيد بمجموعها لا تعطي للحديث قوة فإن قال لا تعطيه حين ذلك يجري نقاش علمي دقيق قد لا يتحمله كثير من الناس أما أن يقال في جلسة مختصرة البحث فيها على الإجابات السريعة فلا ينبغي أن يتشكك إنسان في حديث حسّنه إنسان معروف بقدم ممارسته لهذا العلم لمجرّد أن باحثا ما خالفه في رأيه أو في تصحيحه أو تضعيفه هذا ما يمكن أن يقال في هذا الصدد.