هناك أناس ينكرون سحر الرسول صلى الله عليه وسلم استدلالا بقوله تعالى: " والله يعصمك من الناس " فما الرد على ذلك؟ حفظ
السائل : هناك أناس يقولون حديث سحر الرسول صلى الله عليه السلام وينكرون هذا يستدلون بقول الله تعالى (( والله يعصمك من الناس )) نوريد تفسير هذا؟
الشيخ : هذا استدلال واهن جدا وهو استدلال بالمتشابه من المعاني فقوله تبارك وتعالى (( والله يعصمك من الناس )) حق وصدق يجب الإيمان به كسائر آيات الله ولكن الإيمان لا يكمل إلا إذا فسّر القرآن تفسيرا صحيحا مجردا عن الأهواء والأغراض والتعصب المذهبي ثم أن هذه الآية نزلت حينما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقوم على حراسته بعض أصحابه ولو كان في المعركة فأنزل الله عز وجل عليه هذه الآية وهو في كوخ صغير متواضع وبجانبه أحد أصحابه عليه السلام ولعله سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه إن لم تخني ذاكرتي فلما نزلت هذه الآية صرفه وتلاها عليه (( والله يعصمك من الناس )) أي الله يعصمه من الناس أن يقتلوه قبل أن يتمكن من أن يقوم بواجب تبليغه لدعوة ربه لذلك تقول السيدة عائشة رضي الله عنها فيما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من طريق مسروق من كبار التابعين الذي كان أصله عبد ثم أعتق وصار من كبار علماء التابعين رحمه الله من طريق مسروق هذا أخرج الشيخان أنه قال لعائشة " يا أم المؤمنين هل رأى محمد ربه؟ قالت: لقد قف شعري من ما قلت، قال: يا أم المؤمنين أليس يقول رب العالمين (( ولقد رءاه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى )) قالت رضي الله عنها: أنا أعلم الناس بذلك سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ( رأيت جبريل في صورته التي خلق فيها مرتين وله ستمائة جناح وقد سد الأفق ) "
جبريل رأه الرسول عليه السلام مرتين وليس رب العالمين حيث يهم بعض الناس ويرجعون الضمير إلى رب العالمين فالسيدة عائشة تقول " أنا أعلم الناس بذلك " لأنها سألت الرسول عليه الصلاة والسلام فأجابها بأنه لم يرَ ربه وإنما رأى جبريل عليه السلام مرتين في صورته الطبيعية التي خلقه الله عليها وهو لعظمته قد سد الأفق ثم تابعت السيدة عائشة كلامها معلمة للمسلمين لأنها من أمهات المؤمنين فقالت " ثلاث من حدثكموهن فقد أعظم على الله الفرية من حدثكم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ثم تلت قوله تبارك وتعالى وما كان قال تعالى (( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا )) ومن حدثكم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية ثم تلت قوله تعالى (( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله )) -والثالثة والأخيرة وهنا الشاهد- قالت: ومن حدثكم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم كتم شيئا أومر بتبليغه فقد أعظم على الله الفرية ثم تلت قوله تعالى (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس )) " أي أن يحول بينك وبين تبليغك لرسالة ربك هذا هو معنى هذا الحديث فليس له علاقة بتسلط بعض المشركين الأشرار على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشيء من الإيذاء كيف ومن الثابت في السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أوذي وشج في وجهه في بعض غزواته وكسرت رباعيته فهل هذا ينافي قوله تعالى (( والله يعصمك من الناس )) الجواب لا، لأن الآية في معناها الصحيح في واد ودعوى أولئك الناس في واد آخر ثم هم يبطلون بهذا الفهم الخاطئ حديثا صحيحا متفق عليه بين الشيخين أولاً البخاري ومسلم ثم هو مما تلقته الأمة بالقبول وقد جاء له مع أن إسناده في غاية الصحة لأن له طرقا كثيرة تدور كلها على هشام بن عروة عن أبيه عروة عن عائشة هذا سند معروف الصحة جدا جدا عروة هو ابن أسماء أخت عائشة وهشام هو ابن عروة فالإبن يروي عن أبيه وأبوه يروى عن خالته عائشة هذه القصة فأبعد ما يكون من حيث الرواية أن تكون هذه القصه غير صحيحة لكن أهل الأهواء هم في الحقيقة والشاهد الآن قائم ممن عرفتم قصته وهو الشيخ الغزالى المصري أن هؤلاء لا يقيمون وزنا لجهود علماء الحديث المتكاثفة المتعاونة طيلة هذه القرون الطويلة في العناية بحفظ السنة أن يدخل فيها ما ليس منها فهم خرجوا عن طريق المسلمين لا فرق بين طريق أهل الحديث وطريق أهل التفسير وطريق أهل الفقه فقد خالفوهم جميعا لأن هذا الحديث قد رواه كما علمتم الشيخان في صحيحيهما ثم تلقته علماء الأمة في جميع اختصاصاتهم من مفسرين وفقهاء ونحو ذلك تلقوه بالقبول فجاء بعضهم وإن كان هذا وأمثاله سبقوا إلى مثل هذا الإنحراف فخالفوا بذلك سبيل المؤمنين فيخشى أن يشملهم وعيد قول رب العالمين (( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )).
لذلك يقول علماء التفسير وفي مقدمتهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا كان هناك آية وفي تفسيرها قولان فلا يجوز لمن جاء في آخر الزمان أن يأتي بقول ثالث لأن هذا القول الثالث يكون بدعة في الدين ويكون مخالفا لسبيل المؤمنين فقد فرضنا أن في آية ما قولين فمن أين جاء هذا الإنسان بقول ثالث ولو سلم بفتح هذا الباب لأصاب دين الإسلام ما أصاب دين اليهود والنصارى من التلاعب بنصوص كتابهم .