تنبيه : أن حديث ابن الزبير بزيادة "لا يحركها" شاذة. حفظ
الشيخ : شيء آخر، لفت نظركم إلى أن حديث ابن الزبير قد جاء من طريقين اثنين في صحيح مسلم الطريق الأولى عثمان بن حكيم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه، الطريق الأخرى عن ابن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير في الحديث كما هو معلوم الإشارة بالإصبع ولم يذكر في هذا الحديث تصريحا نفيا للتحريك الذي جاء في حديث وائل ولا إثباتا وإنما قال أشار وكما شرحنا في بعض الجلسات قديما وحديثا أيضا أن إشارته عليه السلام في رواية هذا الصحابي عبد الله بن مسعود لا تنفي التحريك ولسنا الآن في هذا الصدد وإنما أردت أن أبين بأن الإمام أبا داود السجستاني قد روى الحديث حديث ابن الزبير من الطريق الثاني طريق ابن عجلان بلفظ أشار بإصبعه ولا يحركها فهذا نص صريح لو ثبت بأن الإشارة لا تعني التحريك لأن أبا داود رحمه الله قد صرح في روايته بأن ابن الزبير رأى الرسول يشير ولا يحرك الآن هنا بحث حديثي محض تطبيق لما قد تقرأونه في علم المصطلح مما يسمى بالحديث الشاذ أو بالحديث المنكر نجد هاهنا روايتين عن عامر بن عبد الله بن الزبير الرواية الأولى رواية عثمان بن حكيم الرواية الأخرى رواية ابن عجلان هتان الروايتان في صحيح مسلم متفقتان على عدم ذكر ولا يحركها على عدم ذكر زيادة ولا يحركها هذه الزيادة التي رواها أبو داود في سننه عن عامر عن ابن عجلان عن عامر، ما حكم هذه الزيادة؟ نقول أولا ابن عجلان حديثه مرشح لأدنى مناسبة للتضعيف لماذا؟ لأنه كان في حفظه شيء من الضعف ولذلك فالعلماء الذين يقوّون حديثه لا يرفعونه إلى مرتبة الحديث الصحيح وإنما يحكمون بحسنه فقط والحكم على حديث رجل بالحسن ملازم للحكم على راويه بشيء من الضعف إذ الأمر كذلك فنحن نجد هنا تعارضا في محلين الأول أن أبا داود خالف مسلما في هذه الزيادة عن ابن عجلان فمسلم لما ذكر رواية ابن عجلان لم يزد فيها وكان لا يحركها الآن يجب المقابلة بين رواية مسلم وبين رواية أبي داود كلنا يعلم إن شاء الله بأن الإمام مسلم يتفوق على الإمام أبي داود من حيث أن كتابه قد خصه بالصحيح أما أبو داود فلم يفعل ذلك ولذلك يقول السيوطي في أرجوزته في ألفية الحديث: " يروي أبو داود أقوى ما وجد *** ثم الضعيف حيث غيره فقد "
فأبو داود ليس كمسلم فضل عن أنه ليس كالبخاري من حيث تخصيص كتابه بالثابت من الحديث ليس كذلك وهذا معروف حتى أودع هذا الإمام السيوطي في أرجوزته فقال كما سمعتم آنفا " يروي أبي داود أقوى ما وجد *** ثم الضعيف حيث غيره فقد أما الإمامين البخاري ومسلم " فلا يرويان في صحيحيهما إلا ما صح عندهما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باستثناء البخاري لما يرويه معلقا وهذا فيه ما يصح وما لا يصح وهذا له مجال آخر لبيانه.
فإذاً أولا ما ينبغي أن نتنبه الإختلاف بين مسلم فلم يروِ هذه الزيادة وبين أبي داود فرواها هنا ينبغي أن يأخذ الطالب انتباها خاصا لماذالم يرو الإمام مسلم هذه الزيادة ورواها أبو داود في السنن البيان سيأتي فيما بعد وقد أشرت إلى شيء منه ابن عجلان وسط في الرواية حسن الحديث فقط أما عثمان بن حكيم فهو ثقة وإذا خالف مثل ابن العجلان ذلك الثقة كان حديثه شاذا لأنه خالف من هو أوثق منه وهذه المخالفة هو باعتبار رواية أبي داود خلاف رواية عثمان بن حكيم وليس باعتبار رواية ابن عجلان في صحيح مسلم لأن مسلما لم يروِ هذه الزيادة هذا شيء ثانٍ، وشيء ثالث أن الذين رووا الحديث من طريق ابن عجلان عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه كلهم رووا الحديث عن ابن عجلان كما رواه كل من رواه عن عثمان بن حكيم ليس فيها زيادة وكان لا يحركها إلا هذه الرواية الواحدة الفريدة في سنن أبي داود فلو تركنا الآن المقابلة التي أجريناها آنفا بين رواية عثمان بن حكيم و رواية ابن عجلان التي في سنن أبي داود بزيادة وكان لا يحركها وقلنا أن هذه الزيادة فيها مخالفة لرواية عثمان بن حكيم إذا تركنا هذه المقابلة الدالة على شذوذ رواية أبي داود عن ابن عجلان بزيادة ولا يحركها ندع الآن هذه المقابلة وهي كافية لإثبات ضعف وشذوذ زيادة وكان لا يحركها ونأتي إلى الطرق التي جاءت عن ابن عجلان فنجد فيها ما يأتي كل الطرق التي وردت عن ابن عجلان لم تذكر هذه الزيادة سوى طريق واحد فحينئذ تصبح هذه الزيادة شاذة باعتبار آخر وهي رواية الجماعة بهذا الحديث عن ابن عجلان دون الزيادة وإنما رواها شخص واحد في سنن أبي داود ويكون هذا الشخص الواحد وهو ثقة قد خالف الثقات فيما رووا الحديث عن ابن عجلان دون هذه الزيادة فتكون الزيادة بالنسبة للمقابلة الأولى شاذة بسبب مخالفة ابن عجلان لعثمان بن حكيم وتكون الزيادة بالمقابلة الثانية شاذة باعتبار أنه تفرد بها ثقة واحد عن ابن عجلان مخالف في ذلك الثقات الذين رووا الحديث عن ابن عجلان بدون هذه الزيادة فتكون هذه الزيادة شاذة في أحسن أحوالها إن لم يقل فيها إنها منكرة لأن الذي دار الاختلاف عليه هو ابن عجلان وليس ثقة بالإتفاق وإنما هو دون الثقة هو حسن الحديث كما ذكرت آنفا على المقابلة الأولى ننسب الخطأ جزما إلى ابن عجلان لأنه خالف من هو أوثق منه وهو عثمان بن حكيم على المقابلة الأخرى نقول يمكن أن يكون الخطأ من ابن عجلان كما اقتضته المقابلة الأولى ويمكن أن يكون الخطأ من ذاك الرواي الثقة الذي روى عن ابن عجلان هذه الزيادة وقد خالف الثقات الذين رووا الحديث عن ابن عجلان دون الزيادة يمكن أن يقال هذا في المقابلة الثانية يمكن أن يكون ابن عجلان هو وهم ويمكن أن يكون الوهم من الفرد الذي زاد هذه الرواية في رواية ابن عجلان ما هو الراجح نقول الله أعلم ذلك لأنه من المحتمل أن ابن عجلان بسبب ما كان في حفظه شيء من الضعف كان هو نفسه في أغلب أحواله يروي الحديث على الجادة وعلى الإستقامة دون هذه الزيادة فتلقى الحديث عنه الروات دونها فأصاب هو وأصابوا هم ويمكن أنه كان أحيانا يحدث بها وذلك بسبب ضعفه فتلقف هذه الرواية منه ثقة وحينئذ على هذا الإحتمال يمكن أن يكون الخطأ من ابن عجلان كما اقتضت نسبة الخطأ إليه المقابلة الأولى بين رواية عثمان بن حكيم وبين رواية ابن عجلان ولكن النفس تبقى متردّدة في الجزم بأن الخطأ في المقابلة الثانية من ابن عجلان لأن الثقات خالفوا الثقة الذين رووا عن ابن عجلان هذه الزيادة لكن نهاية المطاف أن هذه الزيادة لا يجوز تصحيحها وبالتالي لا يجوز ضرب حديث وائل بن حجر بها بزعم أن هذا الإسناد ثابت وهو إسناد حسن وأقول نعم كل حديث يرويه ابن عجلان الأصل أن يقال فيه حسن إلا إذا ثبت خطأ ابن عجلان في حديث ما فحينئذ يحكم على حديثه بما يقتضيه كذلك شأن كل راوٍ يكون فيه شيء من الضعف كابن إسحاق مثلا حديثه كحديث ابن عجلان يحسن إلا إذا ثبت مخالفته لمن هو أوثق منه وعلى هذا إذا نظرنا وهنا الدقة الآن في تخريج الأحاديث التخريج الذي انكب عليه كثير من الشباب المسلم اليوم حين تيقظوا إلى أهمية علم الحديث والجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف فلمجرد أنهم يجرون نقدا موضوعيا كمثل حديث ابن عجلان هذا ينظرون إلى من فوقه وينظرون لمن دونه فيقولون هذا إسناد حسن دون أن يدققوا النظر هل خالف من هو أوثق منه أولا وهل اتفقت الروايات عنه بهذا اللفظ أو بهذه الزيادة ثانيا ومن هنا يتبين بأنه لا ينبغي لطالب العلم أن يتسرع فيحكم على الإسناد بالحسن لمجرد أن الرجال الذين جاء ذكرهم في هذا السند يقتضي الحكم على إسنادهم بالحسن فينبغي أن يقابل بحثه الخاص بهذا الإسناد بالأحاديث الأخرى فقد يتبين له ما كان عليه خافيا وبهذا القدر كفاية في بيان هذه الناحية من حديث الإشارة بين السجدتين في الصلاة إثباتا أو نفيا.