بعض الجماعات المنتسبة للمنهج السلفي تتخذ لها اميرا عاما وأمراء فرعيون وتلزم أتباعها بطاعة هؤلاء الأمراء وتقول أنّ هذه الإمارة شريعة واجبة الطاعة وأن معصيتها معصية لله ورسوله ويستدلون بحديث (من عصى أميري فقد عصاني فما ردكم؟ حفظ
السائل : فضيلة الشيخ بعض الجماعات الإسلامية التي تدعو إلى العقيدة السلفية تتخذ لها أميرا عاما وأمراء فرعيون وتلزم أتباعها بطاعة هؤلاء الأمراء وتقول أن هذه الإمارة شرعية واجبة الطاعة وأن معصيتها معصية لله ورسوله ويستدلون بحديث ( من عصى أميري فقد عصاني ) فما ردكم؟
الشيخ : واضح أن هذا الاستدلال مهلهل لأن قوله عليه السلام ( من عصى أميري فقد عصاني ) فهذا الأمير الذي نصب نفسه على جماعة من الناس يبلغون الألوف أو الملايين من الذي أمّره؟ إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الرسول المرسل عامة إلى الناس كافة فإذا ولى أميرا فبلا شك وجب إطاعة هذا الأمير والخليفة الذي يأتي من بعد الرسول عليه السلام يكون حكمه حكم الرسول عليه الصلاة والسلام من حيث أنه يجب إطاعته أولا لأن الله يقول (( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) فإطاعة الرسول واجبة كإطاعة الله عز وجل ولذلك قال تعالى مكررا الفعل (( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول )) ثم لما ذكر أولي الأمر لم يقل وأطيعوا أولي الأمر لأن إطاعتهم لا تكون استقلالا كإطاعة الرسول وإنما تكون إطاعة أولي الأمر تبعا لإطاعتهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقوله عليه الصلاة والسلام ( من أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني ) هذا لا يصح بوجه من الوجوه دليلا على أنه يجوز لكل جماعة لهم منهج، لهم مسلك خاص ولو أنه كان على الشرع لا يجوز لهم أن يتخذوا أميرا لأن ذلك يزيد المسلمين تفرقة وتباعدا وشقاقا وإنما هذا الأمير الذي يجب إطاعته هو الذي ولاه الإمارة الإمام الأول ألا وهو خليفة المسلمين ولذلك فأنا أقول دئما وأبدا الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مطلقة أو عامة فيجب أن تفسر على ضوء تطبيق السلف الصالح لها لم يكن السلف الصالح إلا إمام واحد تحت هذا الإمام أمراء بلا شك لإدارة شئون الدولة حسب ما يراه ذلك الإمام الذي يصح لي أن أقول لا شريك له في هذه الولاية الكبرى لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال كما في صحيح مسلم ( إذا بويع لخليفتين فاقتلوا آخرهم ) هذا نص صريح على أنه لا يجوز أن يكون هناك خليفتان أي أميران كل منهما يأمر جماعته فهذا يزيد في الناس كما قلنا فرقة وضلالة وقد جرى المسلمون على المحافظة على وحدة الإمام الذي له صلاحية التأمير بعد ذلك كما ذكرنا حسب ما تقتضيه مصلحة المسلمين أما ما حدث في هذا الزمان فهي في الواقع ظاهرة ينبغي ملاحظتها وعدم الاغترار بها لأن عاقبة ذلك أن يكون المسلمون شيعا وأحزابا والله عز وجل يقول في صريح الكتاب الكريم (( وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ )) أنا لا أنكر أن يكون هناك جماعات متعددة الأهداف لا أنكر أن هناك جماعة مثلا تتولى تقويم عقائد المسلمين وتصحيح مفاهيمهم وعباداتهم لا يعملوا مثلا في الرياضة ولا أنكر بالتالي أن يكون هناك جماعة مختصة في تعاطي الوسائل الرياضية بقصد تقوية أبدان المسلمين لما علم من قوله عليه السلام ( المؤمن القوي أحب وأفضل عند الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ) لا أنكر أن يكون هناك جماعة تعمل مثلا فيما يسمى اليوم بالإقتصاد وجماعة أخرى تعمل في السياسة و و إلى آخره ولكن أشترط شرطا واحدا أن يكون هؤلاء كلهم يعملون في دائرة الإسلام على ضوء الكتاب والسنة أما إقرار التجمعات على اختلاف تخصصاتها التي أشرنا آنفا إلى بعضها دون ربطهم بمنهج الكتاب والسنة فهذا معناه إقرار بتفرق الأمة وإلقاء صبغة الشرعية على مثل هذا التفرق وهو مخالف لصريح الكتاب وصريح السنة فإذا لا ينبغي أن نوجد أمراء يبايعون كما كان يبايع الخليفة الأول وإنما لا مانع بطبيعة الحال أن يكون لكل جماعة نظام لأن هذا النظام هو الذي يوصل الجماعة إلى أهدافها المشروعة ولكن لا نرتب عليه تلك الأحكام التي كانت خاصة بالخلفاء ثم بمن أمروهم كما جاء في السؤال أنهم يستدلون بهذا الحديث وبالتالي أن بعضهم يطبقون على أمرائهم الذين يبايعونهم مثل قوله عليه الصلاة والسلام ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) ولذلك هم يأمرون أميرا ويبايعونه هذا الأمير ليس هو الذي يجب أن يبايع وإنما على المسلمين أن يعملوا بكل ما أوتوا من قوة ومن علم لإعادة المجتمع الإسلامي الذي يتطلب أن يقوم عليه رجل واحد هو الخليفة الذي يجب على كل المسلمين أن يبايعوه أما هذه الجماعة تؤمّر عليه أميرا وتوجب على الأفراد البيعة وأنهم إذا لم يبايعوا ماتوا ميتة جاهلية فهذا من تحريف الكلم عن مواضعه وهذا مما لا يجوز للمسلم أن يقع فيه.
تفضل