ما معنى البلاغات، وحكمها؟ . حفظ
الشيخ : أما البلاغات فهذه اشتهر بها بعض الأئمة كالإمام مالك بن أنس رحمه الله إمام دار الهجرة فإنه في كثير من الأحيان يقول في موطأه بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كذا أو بلغني عن فلان أنه قال قال رسول صلى الله عليه وسلم كذا هذه البلاغات سواء كانت من الإمام مالك رحمه الله أو من غيره هي في حكم الروايات المنقطعة والتي لابد للعالم أن يبحث عن أصولها فإن وجد لها أصلا درسه على طريقة مصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل فما أوصله أو أوصلته إليه هذه الدراسة حكم على الحديث إما بالصحة أو الحسن أو الضعف أما مجرد كون الحديث بلاغ من الموالف هذا معناه أنه لا إسناد له ولذلك فقد نص علماء الحديث الذين تتبعوا موطأ مالك أن فيه بلاغات كثيرة قد وصّلت في كتب أخرى كالتمهيد مثلا لابن عبد البر أو غيره من كتبه فقد أوصل بأسانيد له كثيرا من بلاغات الإمام مالك لكن بقيت هناك قليل من الأحاديث التي لم يتمكن علماء الإسلام حتى اليوم ولن يتمكنوا من أن يوجدوا لها أسانيد من ذلك ما جاء في المواطأ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إني لا أنسى إنما أنسّى لأشرع " هذا حديث لا أصل له وقد كنت ذكرته في سلسلة الأحاديث الضعيفة وبينت نحو هذا البيان أي أنه لا إسناد له ومع ذلك فهو منكر من زاوية إنكار الرسول عليه السلام في هذا الحديث نسبة النسيان إليه مع أنه قد ثبت في صحيح البخاري ومسلم قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني ) فهو عليه السلام كالبشر ينسى كما ينسون لكن هذا لا ينفي أن يكون في نسيانه عليه الصلاة والسلام حكمة يترتب من ورائها فائدة شرعية كمثل الحديث أو القصة التي ذكر الرسول عليه السلام بمناسبتها هذا الحديث ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني ) فالقصة تقول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بأصحابه الظهر خمسا وسلم فقال له أحدهم يا رسول الله أزيد في الصلاة؟ قال لا وما ذاك قالوا صليت خمسا فسجد سجدتي السهو ثم قال هذا الحديث ( إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني ) أي يقول لهم كان عليكم أن تذكروني بهذه الزيادة لهذه الركعة أي أن يقولوا سبحان الله كما هو السنة المعروفة فإذا قد وقع هذا النسيان منه عليه الصلاة والسلام وترتب منه حكم شرعي وكثير من الناس يخالفون اليوم هذا الحكم الذي استفدناه من هذه الحادثة طالما سمعا أسئلة تتوالد على قصة تشبه هذه القصة إمام كان يصلى صلاة رباعية فقام إلى الخامسة ناسيا فاضطرب الناس من وراه فمنهم من تابعه ومنهم من ظل جالسا في التشهد وسلم وفارق الإمام ومنهم من جلس للتشهد ينتظر هيأة الإمام وعودة الإمام فيسلم معه والحديث يقول أن الصحابة تابعوا الرسول عليه السلام كلهم قام إلى الخامسة فقاموا معه جميعا ثم سلموا معه جميعا فعلى المسلم إذا ابتلي بمثل هذه القضية كان مقتديا بإمام فقام إلى الركعة الخامسة ساهيا فعليه متابعته ولا ينبغي له أن يخالفه كما ذكرنا آنفا ما يفعله بعضهم ولا يقال هنا كما يقول بعض الناس أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما تابعوه لأنهم كانوا يظنون أنه من الممكن أن يكون جاء شرع جديد وهو أن تصبح الصلاة الرباعية خمسا فتابعوه من أجل ذلك ولو أنهم عرفوا أن النبي صلى الله عليه آله وسلم قام ناسيا لما تابعوه هكذا يقول البعض ونحن نقول من أين لكم هذا؟ من أين تثبتون لو كان كذا وكذا لكان كذا وكذا من أين هذا؟ مع أن هذه الفرضية تنافي أولا شيئين اثنين الشيء الأول القاعدة التي تقول بكلام الرسول نفسه ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا فإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى قائما فصلوا قياما وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين ) هذه القاعدة مطلقة توجب على المقتدين أن يتابعوا الإمام ولو كان الإمام أخطأ في وجهة نظر المقتدين ألا ترون أن الإمام لو سهى عن التشهد الأول وقام إلى الركعة الثالثة أنه يجب على المقتدين أن يتابعوه؟ الجواب نعم وذلك ثابت في السنة الصحيحة هذا هو الأمر الأول في وجوب متابعة الإمام إذا أخطأ فقام إلى الخامسة أي أن الأصل متابعة الإمام ولا يجوز الخروج عن هذا الأصل إلا بدليل مخصص كما نقول ذلك دائما وأبدا نعمل بالنص العام إلا إذا وجد ما يمنعه هنا أن نعمل به في جزء من أجزائه، الشيء الثاني لو أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين تابعوا الرسول وقاموا معه إلى الركعة الخامسة كانوا مخطئين لبين لهم الرسول عليه السلام أنكم أخطاتم وكان عليكم أن تظلوا جالسين للتشهد أو على الأقل كان عليه الصلاة والسلام يبين أن الذين يأتون من بعدنا بعد أن تستقر الأحكام الشرعية فلا زيادة فيها ولا نقصان أن عليه ألا يتابعوا الإمام لأنه كما يقول العلماء تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز فلو أن الصحابة كان اقتداؤهم بالرسول إلى الركعة الخامسة لكون الزمن زمن تشريع وأنه إذا جاء الزمن انتهاء التشريع كان الرسول عليه السلام يبين للناس بأنه كما ذكرنا آنفا قال عليه السلام ( ما تركت شيئا يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به ) فهو لم يترك المسلمين حيارى في أي حكم شرعي ومن ذلك إذا أخطأ الإمام وقام إلى الركعة الخامسة لم يقل في حديث ما لا تتبعوه وخالفوه بل وضع تلك القاعدة العامة ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) وفي لفظ آخر ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ) فلا تختلفوا عليه وقيام الإمام إلى الخامسة ساهيا وبقاء المصلين في التشهد هذا بلا شك مخالفة للإمام وذلك مما لا يجوز غيره باقي من الوقت عشر دقائق.
تفضل