ما هو ضابط التشبه بالكفار؟، خصوصاً ما نجد الآن من الألبسة المشتركة بين المسلمين والكفار كالجاكيت والبنطال؟ حفظ
السائل : قول النبي صلى الله عليه وسلم في ما معناه ( من تشبه بقوم فهو منهم ) فما هو ضابط التشبه بالكفار، خصوصا الأن نجد بعض الملبوسات قد اجتمع فيها الكافر والمسلم مثل البنطلون هذا في الأعمال ومثل أيضا هل يشمل التشبه الحذاء أو الجزمة فنستوردها من الخارج، بعض الملبوسات الصوفية في البرد الجاكيت هل يشمل هذا؟
الشيخ : الجواب كما شرح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الجليل "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" أن التشبّه درجات أدناها كراهة تنزيهية وأعلاها التحريم بل التحريم إذا اقترن بالاستحلال أدّى بصاحبه إلى الكفر وعين الضلال، كلما كانت ظاهرة التشبّه قويّة في الإنسان كلما ارتفعت مرتبة المخالفة والعصيان، وأنا أضرب بعض الأمثلة لتوضيح هذه المسألة لدقتها، لباس الجاكيت مثلا، هذا كما قال السائل يشترك في لباسه المسلم وغير المسلم، فلا يظهر في هذا اللباس نوع ما من التشبّه بالكافر، فهو يُمكن أن يُقال بأنه لباس أممي، كل الأمم تلبسه فليس شعارا لأمة دون أخرى.
وإذ الأمر كذلك ففي هذا المثال نقول لا مانع من لباس الجاكيت ونحوه لانتفاء العلة وهي التشبّه بالكفار، وعلى ذلك حمَل العلماء حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه الذي فيه ما خلاصة الحديث أنهم كانوا في سفر فنزلوا منزلا ولما أصبح بهم الصباح خرج النبي صلى الله عليه وسلم لقضاء حاجته ومعه المغيرة بن شعبة، فلما أراد أن يتوضّأ عليه الصلاة والسلام وصبّ المغيرة الماء عليه جاء ليكشف عن ذراعيه فلم يستطع لأنه كان لابسا جبة روميّة، هكذا الحديث كان لابسا جبّة رومية ضيّقة الكمين فلما لم يستطع التشمير خلع الجبة وألقاها على كتفيه وغسل ذراعيه، فقال العلماء أن كون هذه الجبة رومية لم يكن مانعا من لباسها لأنها كانت لباس العرب والعجم دون تفريق بينهم.
أما إذا كان اللباس لا يزال شعارا لأمة الكفر فهنا يأتي البحث التفصيلي السابق، حكمه يختلف باختلاف ظاهرة التشبه.
وأنا أضرب الأن بمثلين متباينين في بيان إثم التشبّه، هذا الرجل الذي لبس الجاكيت على القميص مثلا أو على السروال ونحو ذلك ولا أعني بالسروال البنطلون مما هو من لباس المسلمين قديما ولا يصف العورة ولا يحجّمها، فهذا كما قلنا أنفا ليس فيه ظاهر التشبّه لكن إذا لبِس الجاكيت على البنطلون لا شك أن ظاهرة التشبّه الأن ظهرت حيث لم تكن ظاهرة من قبل، لم تكن ظاهرة بلبس الجاكيت لكن لما لبس البنطلون ظهرت هذه الظاهرة، وبخاصة أن البنطلون يمكن أن يقال إنه ليس من لباس المسلمين لأنه يُحجّم العورة، ولباس المسلم يجب أن يكون فضفاضا واسعا لا يُحجّم العورة وبخاصة إذا قام بين يدي الله يصلي.
ونحن نشاهد مع الأسف اليوم في هذا المسجد أو في غيره يركع ويسجد المتبنطل إذا صحّ هذا التعبير فنرى فخذيه قد تجسّدتا ويرى ذلك من خلفه من المصلين، بل أحيانا مع الأسف الشديد يتجسّد للرائي من خلف هذا المصلي ما بين الفخذين من العورة الكبرى، كيف يصحّ أن يكون هذا لباس المسلمين بل هو لباس الكافرين الذين لا يُحرّمون ما حرّم الله ورسوله، فمن لبس البنطلون لا شك أنه تشبّه بالكفار لكن الأن المثال الثاني والأخير، هذا المتبنطل بالبنطلون إذا به يزيد التشبّه تشبّها فيلبس على رأسه القبّعة أو البرنيطة، هذا وضع على رأسه غطاء الكفر، لم يبق هناك تشبه أكثر من هذا التشبه، فهذا لا شك بأنه حرام، وما قبله من لباس البنطلون حرام دون ذلك، وهناك درجات أخرى ينبغي أن نٌجمل الكلام عليها لحديث واحد ليس له علاقة بالتشبّه لأن أنواع التشبّة كثيرة وكثيرة جدا أجملت القول عنها أنفا، كلما كانت ظاهرة التشبّه كلما اقترب ذلك من التحريم وكل ما نزلت هذه الظاهرة إلى أن تضمحل وتنماع هذه الظاهرة ويدخل ذلك في دائرة المباح.