ما حكم المسح على الجوربين الخفيفين ؟ حفظ
الشيخ : هل يجوز المسح على الجوربين الخفيفين؟ كان جوابي الجواز ونَقَل السائل أيضا هذا الجواب عن بعض أفاضل علماء هذه البلاد وهو الشيخ الفاضل محمد بن عثيمين، أجاب بأن اشتراط أن يكون الجوربان كثيفين لا يشفّان الماء، قال ما معناه بأن هذا لا دليل عليه فقلت لقد صدق وأصاب وجزاه الله خيرا لأن قلّ من العلماء اليوم من يَحيد عما جاء في أكثر كتب الفقهاء خشية أن تزِلّ به القدم وإنما يُصرِّح بمثل هذا الجواب من كان راسخا في العلم وليس هو إلا الكتاب والسنّة وما كان عليه السلف الصالح كما ذكرت أنفا.
فأريد أن أقول توضيحا لهذا القول الصواب وهو أنه يجوز المسح على الجوربين ولو كانا رقيقين وقلت مازحا مع صاحبي وسائلي يجوز المسح على الجوربين ولو كان رقيقين وكانت الرقة أرق من دين اليهود، لا يضر المسح على الجوربين مهما كانا رقيقين والفلسفة التي نسمعها أنه يُشترط أن لا يتسرّب الماء على الممسوح عليه إلى ظاهر القدم.
أنا أقول فعلا هذه فلسفة فبالرغم أنها لا أصل لها في الكتاب ولا في السنّة ولا في شيء من أقوال سلفنا الصالح فلو كان الدين بالرأي، ماذا يقول علي بن أبي طلب؟ " لو كان الدين بالرأي لكان المسح أسفل الخف أولى من المسح أعلى الخف ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم يمسح على الخفين " إذًا ليس الدين بالرأي وبخاصة إذا خالف الرأي ما جاء في السنّة وأنا أقول حتى في هذه المسألة لو كان الدين بالرأي لقلت الأولى أن يكون المسح على الجوربين الرقيقين أولى من المسح على الجوربين الغليظين الكثيفين، لماذا؟ لأن المسح بديل الغسل فإذا جمعنا بين الغسل أو وصول الماء يعني إلى ظاهر القدم وبين المسح فالمنطق والعقل يقول هذا أولى من أن يُشترط أن لا يصل ولا قطرة ماء إلى بشرة القدم.
من أين هذا الشرط جاء؟ نقول بهذه المناسبة قال عليه الصلاة والسلام ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط ) حديث رواه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من حديث عائشة رضي الله عنها ثم أقول إن المسح على الخفّين أو المسح على الجوربين أو المسح على النعلين كل ذلك إنما جاء من باب الترخيص والتيسير على الناس، فإذا قّيّد هذا المسح أو ذاك بشروط عادت الرخصة إلى عزيمة، عادت الرخصة إلى أن لا يتيسّر للناس استعمالها.
لقد جاء عن الحسن البصري حينما سئل عن المسح على الجوربين المُخرّقين، هل يجوز المسح على الجوربين المُخرّقين؟ قال " وهل كانت جوارب الأنصار والمهاجرين إلا مُخرّقة " وهذا منتهى الرخصة، ذلك لأننا نعلم من حال السلف الأول وفقره فليس من الممكن أن نتصوّر أن السلف الأول كان عنده من المال وغدق العيش ما يوجد اليوم في بعض البلاد الإسلامية كبلادكم هذه بحيث أن أحدهم لا يكاد يشعر بأن الجورب بدأ يظهر منه جانب من القدم إلا ويرميه أرضا ثم يلبس غيره
أولا لرخص ثمنه وثانيا لكثرة الأموال بين أيدي هؤلاء الناس، أما الأنصار لم يكونوا كذلك، هذا من جانب ومن جانب أخر ليس معقولا أن يهتم المسلم بجوربه كُلّما شعر بأنه خَرَق في ناحية أن يُرقِّع خرقه، هذا تكليف يتنافى مع التيسير الذي جاء نصّه في القرأن الكريم (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )) فكوْن المسح على هذه الأنواع المذكورة أنفا، الجورب والنعل والخف كوْن ذلك من الرُخَص يستلزم أن لا توضع على هذه الرخص هذه الشروط التي تُضيِّق من دائرة الرخصة فيها.
فالقول بأن الجورب يُشترط فيه كذا وكذا من شروط، من ذلك أن لا يصل الماء كما ذكرنا، من ذلك أن يستطيع أن يمشي كذا مسافة على الجورب، ومن ذلك أن يقف ساقه ولا يتدلّى إلى ما تحب الكعبين، كلها أراء واجتهادات لا نشك بأن الذين قالوها أرادوا بالأمة خيرا ولكن ما ليس في كتاب الله ولا في سنّة رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم فلا يجوز أن نَشُقّ على المسلمين بأمرهم بها وفيما جاءنا عن رسول صلى الله عليه وأله وسلم ما يكفي وليس هناك أيُّ شرط في المسح على أي نوع من هذه الأنواع سوى شرط واحد وهو ميسّر مذلّل إلا وهو اقتصار المسح على الممسوح عليه من الجوربين أو الخفين أو النعلين يوما وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها فقط، هذا هو الشرط الذي جاء في السنّة ولو كان هناك شرط بل شروط أخرى لذكرها رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم حكاية عن ربه (( وما كان ربك نسيا )) .
لذلك نقول بجواز المسح على الخفين دون أي شرط سوى الشرط المذكور أنفا، هذا ما لزِم بيانه بمناسبة هذه المسألة، تفضل.