هل يلتزم طالب العلم في بداية طلبه على مذهب خاص أم يبدأ بالإجتهاد ؟ حفظ
السائل : إذا كان إنسان في بداية الطلب، طلب العلم يعني هل يتمسك بمذهب معيّن يتفقّه عليه ثم يجتهد بعد ذلك أم يبدأ بالاجتهاد؟
الشيخ : لا ما يبدأ بالاجتهاد والاجتهاد ليس بتلك السهولة التي يتصوّرها بعض الناس اليوم، في عصرنا الحاضر مع الأسف يغلب على الشعوب الإسلامية التقليد المذهبي وطالب العلم لا يستطيع أن يقفز قفزة واحدة إلى المرتبة الوسطى التي هي بين التقليد وبين الاجتهاد.
لا يستطيع أن يقفز قفزة واحدة إلى المرتبة الوسطى وهي الاتباع والتي هي خير من التقليد ودون الاجتهاد، لا يستطيع لأن الجوّ الذي يعيشه جوّ تقليدي، كلّ جماعة تتبع مذهبا من المذاهب الأربعة.
فإذا كان المسلم في مثل هذه الأجواء فعليه أن يدرس الفقه من المصادر الموجودة بين يديه والشيوخ الذين يُدرِّسون من تلك الكتب وهو شيوخ التقليد ولكن يجب أن يدرس مع ذلك الوسائل العلميّة التي تُساعده على فهم الكتاب والسنّة فضلا عن فهم أقوال العلماء سواء كان منهم من المتقدّمين أو المتأخّرين لأن دراسة هذه الوسائل كعلم النحو والصرف ونحو ذلك فضلا عن أصول الفقه وأصول الحديث ذلك يُمكِّنه أن يتدرّج في سلّم الوصول إلى المرتبة الوسطى ألا وهي الاتباع ثم بعد ذلك إلى أن يجتهد في ترجيح بعض الأقوال على بعض في بعض المسائل إلى أن يُصبح عالما متمكّنا بالإفتاء فيما قد ينزل على الناس من مسائل أو مشاكل حديثة.
المفروض أن يكون المجتمع الإسلامي كما كان المجتمع الأول في عهد الرسول عليه السلام والتابعين وأتباعهم ولكن هذا يحتاج إلى جهود كثيرة وكثيرة جدا ولريثما يعود المجتمع الإسلامي سيرته الأولى الذي كان فيه عامة المسلمين لا يتّبعون مذهبا معيّنا كما هو شأنهم في هذا الزمان وإنما كان يسألون العالم الفقيه أي العالم حقا بالكتاب وبالسنّة فيفتيه فيُصبح فتوى هذا العالم مذهبا لهذا المستفتي.
هكذا كان الأمر في العهد الأول وكذلك ينبغي أن يعود الأمر في كل زمان وفي كل مكان ولكن هذا يحتاج إلى جهود جبّارة وجبّارة جدا لذلك فطالب العلم اليوم مضطر أن يدرس الفقه المذهبي ولكن لا يجوز له أن يجعله دينا أن يتعبّد الله به ولو علم فيما بعد من زمن قريب أو بعيد أن بعض المسائل التي جاءت فيه خلاف الكتاب والسنّة.
ففي هذه الحالة لا يجوز له أن يظل مقلِّدا لمذهبه مادام أنه تبيّن له أن الصواب ولو في بعض المسائل في مذهب غير مذهبه.
هذا هو الطريق الابتداء في طلب العلم أما هذا القفز الذي نراه من بعض الشباب المتحمّسين حيث يدّعون الاجتهاد وهم بعد ما وصلوا إلى مرتبة الاتباع التي هي مرتبة محاولة ترجيح قول على قول.
ولذلك فخير الأمور الوسط وحب التناهي غلط فلا يجوز للمسلم أن يخنع بالتقليد ولو صار من كبار الشيوخ كما أنه لا يجوز للمبتدئ في طلب العلم أن يقفز قفزا إلى مرتبة الاتباع وهو لا يستطيع الترجيح فضلا عن أن يتمكّن أن يجتهد ويُعطي أراء في مسائل لم يُسبق إليها، تفضل.