ما حكم الحج عن الميت بأجرة وبغير أجرة؟ حفظ
السائل : الحج عن الميت، الحج عن الميت.
الشيخ : نعم.
السائل : بأجرة أو بغير أجرة إن كان الحج تطوّع أو فرض، نريد التفصيل فيه يا شيخ؟
الشيخ : أولا الحج عن الميت ليس على إطلاقه لأن القاعدة كما قال تعالى (( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى )) وقد جاء في "موطأ" الإمام مالك من أثر عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال " لا يصوم أحد عن أحد ولا يحج أحد عن أحد " وعلى هذا فينبغي أن نظل على هذه القاعدة إلا ما استثني.
وفيما علمت ليس هناك ما صح استثناءه إلا ما هو داخل تحت هذه القاعدة (( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى )) فحج الولد مثلا عن أبيه عن أمه قد جاء في ذلك أحاديث وحسبكم في ذلك شهرة حديث الخثعمية التي لقيت رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم في حجة الوداع فسألته عن أبيها قالت إن أبي شيخ كبير لا يثبت على الرحل أفأحج عنه؟ قال ( حجي عنه ) وفي هذا الحديث أو في غيره قال عليه الصلاة والسلام ( أرأيت إن كان على أبيك دين أفكنت تقضينه عنه ) قالت بلى، قال عليه السلام ( فدين الله أحق أن يقضى ) ولم نرى حديثا صحيحا صريحا يدل على جواز حج الغير عن غيره ممن لا علاقة نَسَبيّة بينهما، كل ما في الأمر في هذا الباب إنما هو حديث شبرمة الذي جاء في السنن وفي "مسند الإمام أحمد" وفي غيرها من كتب السنّة أن النبي صلى الله عليه وأله وسلم سمِع رجلا يقول في تلبيته لبيك اللهم عن شبرمة فقال له عليه الصلاة والسلام ( من شبرمة؟ ) قال أخ لي أو قريب لي قال ( هل حججت عن نفسك ) قال لا، قال ( حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة ) فهذا الحديث قد يَحتج به من يذهب إلى شرعية الحج عن الغير لأن شبرمة لم يكن في الحديث ما ينُص على أنه كان أبا له وإنما قال "هو أخ لي أو قريب لي" فإذا كان أخا فاستقام الاستدلال بهذا الحديث حينذاك على أنه يجوز أن يحج أيضا عن غير والديه، وإن كانت الرواية ليست عن أخ له إنما عن قريب فهذه أقرب وأصح في الاحتجاج لأن الأخ أقرب قريب أما قريب بعد الأخ فيكون أبعد عنه.
لكن يَرِد على هذا الاستدلال الذي ظاهره الصحة أمران اثنان، الأمر الأول وهو مهم جدا في نظري أن هذا الحديث الذي جاء بهذا اللفظ "أخ لي أو قريب لي" هذا ليس هو نص الحديث الذي كان جوابا من الملبّي للرسول عليه السلام حين سأله ( من شبرمة؟ ) فلا يستقيم في الجواب خاصة من مسؤول من رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم أن يقول متردّدا بين قوله أخ لي أو قريب لي لأن هذا التردد إنما يصح بالنسبة للحافظ الذي قد يَهِم أما من كان موكلا أو نائبا للحج عن الغير وهو يدري يقينا إن كان هذا الغير هو أخا له أو أبا له أو أو إلى أخره، فإذا تذكرنا هذه الحقيقة عرفنا حينئذ أن قول الراوي "أخ لي أو قريب لي" لم يصدر من الملبّي وإنما هذا من أحد الرواة، الراوي هو الذي شك ولم يحفظ المتن فقال عن لسان المجيب وهو الملبّي "أخ لي أو قريب لي" وإلا فيكاد يكون مستحيلا أن يسأل الرسول صلى الله عليه وأله وسلم أحد أصحابه هذا الذي تُلبي عنه من هو فيجيب هو على تردد كأنه يعمّي عليه نسبة هذه القرابة بينه وبين المحجوج عنه.
لو أي فرد من سأل أخاه من هذا؟ فلا يستقيم جوابه لو قال "هذا أخ لي أو قريب لي" وبخاصة إذا كان السائل هو الرسول صلى الله عليه وأله وسلم، فهذه ملاحظة تؤكد لنا أن هذا الحديث رواه الراوي غير ضابط لمتنه فلا نستطيع أن نقول إن المحجوج عنه كان أخا له أو كان قريبا له، لا شك أنه القرابة واسعة في الدائرة جدا فحينئذ لا يستقيم الاحتجاج بهذا التردد بأن يُقال بأنه حج عن غير أبيه لأن الراوي لم يضبط هذه اللفظة.
وقد وجدت في "معجم الطبراني الصغير" وربما في غيره أيضا أن المسؤول والحاج عن شبرمة قال في الجواب "هو أبي" وحينئذ يكون الحديث كحديث الخثعمية لا يصح الاستدلال به عن الحج حجة البدل، الحج عن الغير ولو كان غير أبويه.
هذا أول ما يَرِد على هذا الحديث، الشيء الثاني لو سلّمنا فرضا وجدلا أن المحجوج عنه هو ليس أبا له ولا أما فحينئذ يحتمل أن يكون حج هذا الحاج عن شبرمة عن وصية صدرت عن شبرمة وحينئذ يَأخذ الحديث مجالا أخر وهو تنفيذ وصية من أوصى بالحج عنه وحينئذ فتنفيذ هذه الوصية أمر مشروع.
ومعلوم عند الفقهاء أن الحديث أو الدليل إذا طرقه الاحتمال سقط به الاستدلال وبخاصة إذا كان يُخالف قاعدة شرعية (( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى )) وإذا فُتِح باب الحج عن الغير فتح باب واسع جدا من الإحداث في الدين في اعتقادي فيجوز حينئذ أن يُصلِّيَ الإنسان عن غيره وأن يصوم صياما مطلقا عن غيره ونحو ذلك مما يختلف كل الاختلاف مع قوله تبارك وتعالى المذكور أنفا (( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى )) .
بقي الجواب عن أخذ الأجرة أعتقد أننا إذا حصرنا دائرة حجة البدل بين الولد ووالديه فحينئذ يبطل كثير مما يتعلق بموضوع أخذ الأجرة اللهم إلا في حالة واحدة إذا أوصى رجل كان يجب عليه الحج ثم لأمر ما أو لغيره لم يحج ولم يقض حجة الإسلام فأوصى بأن يحج إما أن يُعيِّن شخصا بعينه أو يُطلق فيقول أن يحج رجل عالم فاضل صالح عني وله كذا، فقوله وله كذا يعتبر جُعالة وكما نقول في كثير من المناسبات بالنسبة للرواتب التي يأخذها الموظفون في بعض الوظائف الشرعية كالإمامة والخطابة والأذان ونحو ذلك فهذه الرواتب لا يجوز لهؤلاء الذين خُصِّصت لهم أن يأخذوها على أنها أجور لهم على عباداتهم لأن ذلك يُفسِدها عليهم ويُذهب أجر الأخرة عنهم وإنما يأخذونها على أنها رواتب فكذلك إذا كان هناك رجل أوصى بأن يحُج شخص ما عنه وجعل له جُعالة فأراد أن يتقرّب إلى الله عز وجل بتنفيذ تلك الوصية فما يأخذه من هذه الجُعالة هو يدخل في باب قوله عليه الصلاة والسلام ( يا عمر ما أتاك الله من مال ونفسك غير مشرفة إليه فخذه وتموّله فإنما هو رزق ساقه الله إليك ) فهذا لا مانع منه أما أن تُصبح حجّة البدل سلعة يُساوم عليها من كل من الطرفين الحاج حجّة البدل يُغالي فيها والمحجوج عنه أي أهله وأقاربه المنفّذين لوصيته ينزِلون فيها وهكذا فهذا ليس من طبيعة العبادة وإذا دار الأمر أن يُساوم في سعر الحجّة حجّة البدل فمعنى ذلك أنما يأخذه الحاج أجرا فهو وِزْر عليه وما يدفعه من دفع المال في سبيل الحج عنه لا يصله شيء لأن حجّة هذا الحاج ما يكون لوجه الله تبارك وتعالى وإنما يكون من أجل دريهمات قليلة، هذا ما يمكن الجواب عن ذاك السؤال.