ما هو الذهب المحلق وما حكمه؟ حفظ
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد ما هو الذهب المحلق وما حكم لبسه للنساء ؟
الشيخ : هذا السؤال معروف جوابه عند من لهم عناية بدراسة ماقد ألفت وبخاصة كتابي " آداب الزفاف في السنة المطهرة " ولكن وقد جاء السؤال فلابد من الجواب ولو بإيجاز وإلا فالبحث يطول ويطول جدا فأحيل من شاء التفصيل على هذا الكتاب آداب الزفاف في السنة المطهرة وبخاصة الطبعة الجديدة فإن فيها زيادات وبيانات فيها رد على من يتعصب لما وجد عليه المذهب أو وجد عليه الآباء والأجداد فأقول لقد جاءت هناك أحاديث كثيرة وصحيحة تبيح للنساء الذهب مطلقا ولكن جاءت أحاديث أخرى تقابل هذه الأحاديث الأولى تبيّن أن نوعا من الذهب محرم أيضا على النساء وفي هذه الحالة قواعد علم الحديث والأصول تدلنا على أنه لا ينبغي الاعتماد على الأحاديث المطلقة والإعراض عن الأحاديث المقيدة من الأحاديث المطلقة مثلا الحديث المشهور الذي يلهج به كل من يبحث في هذه المسألة ليبين للناس أن الذهب كل الذهب حلال للنساء ذلك الحديث هو قوله عليه السلام يوم خرج على أصحابه وفي إحدى يديه ذهب وفي الأخرى حرير فقال عليه الصلاة والسلام ( هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها ) فهذا الحديث كما ترون فهو من جهة يحرم الذهب على الرجال تحريما مطلقا ومن جهة أخرى يبيح الذهب للنساء إباحة مطلقة فهل من العلم أن نقف عند هذين الأمرين المطلقين إذا كان هناك ما يقيدهما ليس من العلم في شيء أن نعرض عن النص المقيد متمسكين بالنص المطلق والآن لننظر في قوله عليه السلام حرام على ذكور أمتي هل الذهب يحرم مطلقا على ذكور الأمة وكذلك الحرير فيما أجد من السنة أجد أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وصحابي آخر أظنه سعد بن أبي وقاص شكيا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكة في جسمهما فرخص لهما أن يتخذا قميصا من حرير كما أنه يقابل هذا الترخيص ترخيص آخر في الشيء الثاني المذكور تحريمه في هذا الشطر الأول من الحديث ألا وهو حديث عرفجة بن سعد رضي الله عنه وكان قد أصيب أنفه ذهبت أرنبة أنفه في وقعة في الجاهلية تعرف بوقعة كلاب فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان اتخذ أنفا من ورق أي من فضة فأنتن عليه فشكا أمره إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمره بأن يتخذا أنفا من ذهب وكلنا يعلم أن كون الأنف مقطوع الأرنبة ذلك لا يضر في صحته ولا في كلامه ولا في أي شيء من ضرورات الحياة كل مافي الأمر أنه قبيح المنظر لأن الله عز وجل كما قال (( خلق الإنسان في أحسن تقويم )) فالله عز وجل الذي حرّم الذهب على الرجال على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومع ذلك فقد رخص عليه الصلاة والسلام لسعد بن عرفجة هذا أن يتخذ أنفا من ذهب وقد يتساءل البعض عن الفرق بين الأنف من ذهب والأصل فيه أنه حرام وبين الأنف من فضة والأصل فيه مباح فلماذا شكى أنفه من الفضة ورخص له عليه السلام أن يتخذ أنفا من ذهب السر في ذلك يعود إلى طبيعة هذين المعدنين فمعدن الفضة إذا لاقى السائل الذي يخرج من الأنف وجد بعد ذلك صدأ كصدأ الحديد وكصدأ النحاس فهذا الصدأ مع الزمن ينتن فيتضرر صاحب هذا الأنف من الوَرِق أي من الفضة بخلاف الذهب فإن طبيعة الذهب أنه لا يصدأ ولا ينتن ولذلك تجدون اليوم أن الأطباء أطباء الأسنان يهتمون دائما بتركيب السن الصناعي من الذهب لأنه قابل للبقاء مع الزمن الطويل دون أن يحصل منه أي نتن أو صدأ يضر بواضع ذلك السن المستعار فنجد إذا أن التحريم المذكور بالنسبة للرجال ليس على إطلاقه وإنما له بعض القيود فيجب أن نتمسك بالنص الأول المحرم ثم بهذه القيود التي جاءت في بعض الأحاديث يقابل هذا الشطر الثاني من الحديث وهو إباحته صلى الله عليه وسلم الحرير والذهب للنساء فهل هناك ما يقيد هذه الإباحة ولو في خصوص الذهب نجد أول ما نجد أمرا متفقا عليه بين العلماء ومع ذلك فنجد كل من يبحث في هذا الموضوع ويحتج بالإطلاق المبيح للذهب للنساء يغفل أو يتغافل ما أدري عن هذا الذي اتفق عليه العلماء من تحريم نوع من الذهب على النساء ألا وهو أواني الذهب فقد جاء في الصحيح في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ( من أكل أو شرب من آنية ذهب أو فضة فكأنما يجرجر في بطنه نارَ جهنم أو نارُ جهنم ) روايتان فإذا أواني الذهب بالنسبة للنساء محرمة كما هي محرمة على الرجل فاشتاكت النساء في هذا الحكم مع الرجال بينما الذهب على الرجال محرم بعامة كما سمعتم إلا بعض المقيدات وعلى العكس من ذلك مباح على للنساء ثم جاء هذا القيد فاتفق العلماء على أن هذا الذهب المباح للنساء إذا كان في صورة إناء حرم ذلك على النساء أيضا ولذلك فحينما نسمع هذا الحديث أو نقرأه في كتاب يحتج مؤلفه على إباحة الذهب مطلقا يجب أن نتذكر أن هذا الحديث يقيد هذه الإباحة بما إذا كان الذهب المباح للنساء شكله صورته صورة إناء فقد قال عليه السلام كما سمعتم ( من أكل أو شرب في إناء ذهب أو فضة فكأنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) حينئذ نعود إلى قاعدة الجمع بين المطلق وبين المقيد فنقول حل لإناثها إلا ما استثني ما الذي استثني أولا بالاتفاق أواني الذهب كما سمعتم إذا لا ينبغي بادئ بدء أن نفهم حديث حل لإناثها على هذا الإطلاق الشامل والداخل فيه أواني الذهب هذا أول قيد وهو متفق عليه ومع ذلك فالذين يستدلون بحديث ( حل لإناثها ) لا يعرجون على هذا القيد إطلاقا وهذا ليس من سبيل أهل العلم المنصفين المتقين لرب العالمين ثم نقول هل هناك قيد آخر يجب على المسلم أن يتمسك به كما فعل بالقيد الأول الجواب نعم فقد جاءت أحاديث تحرم على النساء صورة أخرى من الذهب أو شكلا آخر من الذهب ألا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( من أحب أن يطوق حبيبه بطوق من نار - والعياذ بالله - فليطوقه بطوق من ذهب ومن أحب أن يسور حبيبه بسوار من نار فليسوره بسوار من ذهب ومن أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نار فليحلقه بحلقة من ذهب وأما الفضة فالعبوا بها فالعبوا بها فالعبوا بها ) ، نحن نعلم أن بعض الناس يتأولون هذا الحديث بغير تأويله ويزعمون أن معنى حبيبه يعني الولد الذكر وهم يعلمون في الوقت نفسه أن ما كان على وزن فعيل في اللغة العربية يشمل الذكر والأنثى فكما يقال مثلا رجل قتيل أيضا يقال امرأة قتيل وكما يقال رجل جريح يقال أيضا امرأة جريح كذلك حبيب يشمل الذكر والأنثى فيجب والحالة هذه أحد سبيلين في فهم لفظ حبيبه في هذا الحديث إما أن نجعله شاملا للذكر والأنثى وإما أن نفسره بما يدل عليه أولا تمام الحديث ثم بما تدل عليه سائر الأحاديث الأخرى هذا الحديث في نهايته ( وأما الفضة فالعبوا بها فالعبوا بها فالعبوا بها ) الذين يذهبون إلى إباحة الذهب مطلقا للنساء ومنه الذهب المحلق يذهبون أيضا إلى تحريم الفضة إذا كانت كثيرة على الرجال أيضا فكيف يلتئم حين ذاك هذا الفهم مع نهاية الحديث ( وأما الفضة فالعبوا بها فالعبوا بها فالعبوا بها ) هذا دليل من نفس الحديث أن الخطاب ليس للذكور عندهم لأنهم يقولون الفضة لا يباح منها إلا الشيء القليل ويستدلون على ذلك بحديث يأمر فيه الرسول عليه السلام باتخاذ خاتم من ورق إلا أنه قال ( ولا تتمه مثقالا ) هذا الحديث عندي لا يصح إسناده ولكنهم مع ذلك هم يستدلون به على أن الخاتم إذا زاد وزنه أكثر من مثقال لا يجوز حتى ولو كان من الفضة فإذا حينما أطلق الرسول عليه السلام في آخر الحديث أما الفضة فالعبوا بها فهذه قرينة من نفس الحديث أن الخطاب إنما يقصد النساء والإناث ولا يقصد الذكور لاشك أن الخطاب هنا لأولياء النساء ( من أحب أن يطوق حبيبه ... )، الحبيب هنا إما الزوجة وإما البنت فحذر النبي صلى الله عليه وسلم من تحلية النساء بالذهب المحلق وإذا تركنا هذا الحديث جانبا ونظرنا إلى أحاديث أخرى وردت في الباب وجدنا أخيرا ما يؤكد أن المقصود بهذا الاسم حبيب هو النساء والأحاديث في ذلك كثيرة وحسبي الآن أن أذكر بحديث ابنة هبيرة دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليها فوجد في يدها أو في إصبعها فتْخا من ذهب وكان في يده عليه الصلاة والسلام عصيّة صغيرة عصاة فضربها على إصبعها إنكارا لهذا الذهب المحلق فخرجت بنت هبيرة إلى فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبل أن نتمم الحديث أذكّر بحديث آخر إذا قرناه إلى حديث بنت هبيرة هذا أخذنا فائدة عظيمة جدا وهي أن النساء يشتركن مع الرجال في تحريم الذهب المحلق فقد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( رأى في إصبع رجل من أصحابه خاتما من ذهب فضربه في عصاة كانت في يده وقال له جمرة من نار ) أو نحو ذلك فما كان من هذا الصحابي إلا أن استجاب مباشرة لنهيه عليه الصلاة والسلام فأخذ الخاتم ورمى به أرضا قال فو الله لا أدري ما فعل الله به فنجد هنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عامل بنت هبيرة كما عامل الرجل أنكر عليها خاتم الذهب كما أنكر على الرجل خاتم الذهب فهذا دليل واضح جدا على أن النساء يشتركن مع الرجال في تحريم الذهب المحلق فهذا شاهد قوي جدا للحديث السابق الذي فيه تقييد الإباحة بما سوى الذهب المحلق نتابع رواية حديث بنت هبيرة فإنها ما كادت تدخل على فاطمة رضي الله عنها إذ فوجئت بمجيئ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا به يرى في يد فاطمة سلسلة من ذهب فقال عليه الصلاة والسلام ( يا فاطمة أيسرك أن يتحدث الناس فيقولوا فاطمة بنت محمد في عنقها سلسلة من نار وعذمها عذما شديدا ) أي وبخها وهي ابنته وقد قال في قصة معروفة في الصحيح ( فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها ويؤذيني ما يؤذيها ) ومع ذلك فقد عذمها عليه السلام عذما شديدا ثم خرج من عندها فما كان منها رضي الله عنها إلا أن ذهبت وباعت هذه السلسلة ثم اشترت بقيمتها عبدا واعتقته ولما بلغ خبر ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سر بذلك جدا وقال ( الحمدلله الذي نجا فاطمة من النار ) فهذا الحديث بشخصه الثاني يؤكد حديث من أحب أن يطوق فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنكر على فاطمة السلسلة الذهبية وبالغ في الإنكار عليها ثم لما تخلصت منها وتصدقت بثمنها فأعتقت العبد قال عليه السلام ( الحمد لله الذي نجا فاطمة من النار ) فإذا كل هذا وهذا وهذا يدل على أن النساء يشتركن مع الرجال في نوع من الذهب أول ذلك صحائف الذهب أواني الذهب ثاني ذلك الذهب المحلق وهو ثلاثة أنواع الطوق السوار الخاتم هذا ما يمكن أن يقال في هذه السّاعة والتفصيل في كتابي المذكور آنفا " آداب الزفاف " تفضل .
الشيخ : هذا السؤال معروف جوابه عند من لهم عناية بدراسة ماقد ألفت وبخاصة كتابي " آداب الزفاف في السنة المطهرة " ولكن وقد جاء السؤال فلابد من الجواب ولو بإيجاز وإلا فالبحث يطول ويطول جدا فأحيل من شاء التفصيل على هذا الكتاب آداب الزفاف في السنة المطهرة وبخاصة الطبعة الجديدة فإن فيها زيادات وبيانات فيها رد على من يتعصب لما وجد عليه المذهب أو وجد عليه الآباء والأجداد فأقول لقد جاءت هناك أحاديث كثيرة وصحيحة تبيح للنساء الذهب مطلقا ولكن جاءت أحاديث أخرى تقابل هذه الأحاديث الأولى تبيّن أن نوعا من الذهب محرم أيضا على النساء وفي هذه الحالة قواعد علم الحديث والأصول تدلنا على أنه لا ينبغي الاعتماد على الأحاديث المطلقة والإعراض عن الأحاديث المقيدة من الأحاديث المطلقة مثلا الحديث المشهور الذي يلهج به كل من يبحث في هذه المسألة ليبين للناس أن الذهب كل الذهب حلال للنساء ذلك الحديث هو قوله عليه السلام يوم خرج على أصحابه وفي إحدى يديه ذهب وفي الأخرى حرير فقال عليه الصلاة والسلام ( هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها ) فهذا الحديث كما ترون فهو من جهة يحرم الذهب على الرجال تحريما مطلقا ومن جهة أخرى يبيح الذهب للنساء إباحة مطلقة فهل من العلم أن نقف عند هذين الأمرين المطلقين إذا كان هناك ما يقيدهما ليس من العلم في شيء أن نعرض عن النص المقيد متمسكين بالنص المطلق والآن لننظر في قوله عليه السلام حرام على ذكور أمتي هل الذهب يحرم مطلقا على ذكور الأمة وكذلك الحرير فيما أجد من السنة أجد أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وصحابي آخر أظنه سعد بن أبي وقاص شكيا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكة في جسمهما فرخص لهما أن يتخذا قميصا من حرير كما أنه يقابل هذا الترخيص ترخيص آخر في الشيء الثاني المذكور تحريمه في هذا الشطر الأول من الحديث ألا وهو حديث عرفجة بن سعد رضي الله عنه وكان قد أصيب أنفه ذهبت أرنبة أنفه في وقعة في الجاهلية تعرف بوقعة كلاب فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان اتخذ أنفا من ورق أي من فضة فأنتن عليه فشكا أمره إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمره بأن يتخذا أنفا من ذهب وكلنا يعلم أن كون الأنف مقطوع الأرنبة ذلك لا يضر في صحته ولا في كلامه ولا في أي شيء من ضرورات الحياة كل مافي الأمر أنه قبيح المنظر لأن الله عز وجل كما قال (( خلق الإنسان في أحسن تقويم )) فالله عز وجل الذي حرّم الذهب على الرجال على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومع ذلك فقد رخص عليه الصلاة والسلام لسعد بن عرفجة هذا أن يتخذ أنفا من ذهب وقد يتساءل البعض عن الفرق بين الأنف من ذهب والأصل فيه أنه حرام وبين الأنف من فضة والأصل فيه مباح فلماذا شكى أنفه من الفضة ورخص له عليه السلام أن يتخذ أنفا من ذهب السر في ذلك يعود إلى طبيعة هذين المعدنين فمعدن الفضة إذا لاقى السائل الذي يخرج من الأنف وجد بعد ذلك صدأ كصدأ الحديد وكصدأ النحاس فهذا الصدأ مع الزمن ينتن فيتضرر صاحب هذا الأنف من الوَرِق أي من الفضة بخلاف الذهب فإن طبيعة الذهب أنه لا يصدأ ولا ينتن ولذلك تجدون اليوم أن الأطباء أطباء الأسنان يهتمون دائما بتركيب السن الصناعي من الذهب لأنه قابل للبقاء مع الزمن الطويل دون أن يحصل منه أي نتن أو صدأ يضر بواضع ذلك السن المستعار فنجد إذا أن التحريم المذكور بالنسبة للرجال ليس على إطلاقه وإنما له بعض القيود فيجب أن نتمسك بالنص الأول المحرم ثم بهذه القيود التي جاءت في بعض الأحاديث يقابل هذا الشطر الثاني من الحديث وهو إباحته صلى الله عليه وسلم الحرير والذهب للنساء فهل هناك ما يقيد هذه الإباحة ولو في خصوص الذهب نجد أول ما نجد أمرا متفقا عليه بين العلماء ومع ذلك فنجد كل من يبحث في هذا الموضوع ويحتج بالإطلاق المبيح للذهب للنساء يغفل أو يتغافل ما أدري عن هذا الذي اتفق عليه العلماء من تحريم نوع من الذهب على النساء ألا وهو أواني الذهب فقد جاء في الصحيح في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ( من أكل أو شرب من آنية ذهب أو فضة فكأنما يجرجر في بطنه نارَ جهنم أو نارُ جهنم ) روايتان فإذا أواني الذهب بالنسبة للنساء محرمة كما هي محرمة على الرجل فاشتاكت النساء في هذا الحكم مع الرجال بينما الذهب على الرجال محرم بعامة كما سمعتم إلا بعض المقيدات وعلى العكس من ذلك مباح على للنساء ثم جاء هذا القيد فاتفق العلماء على أن هذا الذهب المباح للنساء إذا كان في صورة إناء حرم ذلك على النساء أيضا ولذلك فحينما نسمع هذا الحديث أو نقرأه في كتاب يحتج مؤلفه على إباحة الذهب مطلقا يجب أن نتذكر أن هذا الحديث يقيد هذه الإباحة بما إذا كان الذهب المباح للنساء شكله صورته صورة إناء فقد قال عليه السلام كما سمعتم ( من أكل أو شرب في إناء ذهب أو فضة فكأنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) حينئذ نعود إلى قاعدة الجمع بين المطلق وبين المقيد فنقول حل لإناثها إلا ما استثني ما الذي استثني أولا بالاتفاق أواني الذهب كما سمعتم إذا لا ينبغي بادئ بدء أن نفهم حديث حل لإناثها على هذا الإطلاق الشامل والداخل فيه أواني الذهب هذا أول قيد وهو متفق عليه ومع ذلك فالذين يستدلون بحديث ( حل لإناثها ) لا يعرجون على هذا القيد إطلاقا وهذا ليس من سبيل أهل العلم المنصفين المتقين لرب العالمين ثم نقول هل هناك قيد آخر يجب على المسلم أن يتمسك به كما فعل بالقيد الأول الجواب نعم فقد جاءت أحاديث تحرم على النساء صورة أخرى من الذهب أو شكلا آخر من الذهب ألا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم ( من أحب أن يطوق حبيبه بطوق من نار - والعياذ بالله - فليطوقه بطوق من ذهب ومن أحب أن يسور حبيبه بسوار من نار فليسوره بسوار من ذهب ومن أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نار فليحلقه بحلقة من ذهب وأما الفضة فالعبوا بها فالعبوا بها فالعبوا بها ) ، نحن نعلم أن بعض الناس يتأولون هذا الحديث بغير تأويله ويزعمون أن معنى حبيبه يعني الولد الذكر وهم يعلمون في الوقت نفسه أن ما كان على وزن فعيل في اللغة العربية يشمل الذكر والأنثى فكما يقال مثلا رجل قتيل أيضا يقال امرأة قتيل وكما يقال رجل جريح يقال أيضا امرأة جريح كذلك حبيب يشمل الذكر والأنثى فيجب والحالة هذه أحد سبيلين في فهم لفظ حبيبه في هذا الحديث إما أن نجعله شاملا للذكر والأنثى وإما أن نفسره بما يدل عليه أولا تمام الحديث ثم بما تدل عليه سائر الأحاديث الأخرى هذا الحديث في نهايته ( وأما الفضة فالعبوا بها فالعبوا بها فالعبوا بها ) الذين يذهبون إلى إباحة الذهب مطلقا للنساء ومنه الذهب المحلق يذهبون أيضا إلى تحريم الفضة إذا كانت كثيرة على الرجال أيضا فكيف يلتئم حين ذاك هذا الفهم مع نهاية الحديث ( وأما الفضة فالعبوا بها فالعبوا بها فالعبوا بها ) هذا دليل من نفس الحديث أن الخطاب ليس للذكور عندهم لأنهم يقولون الفضة لا يباح منها إلا الشيء القليل ويستدلون على ذلك بحديث يأمر فيه الرسول عليه السلام باتخاذ خاتم من ورق إلا أنه قال ( ولا تتمه مثقالا ) هذا الحديث عندي لا يصح إسناده ولكنهم مع ذلك هم يستدلون به على أن الخاتم إذا زاد وزنه أكثر من مثقال لا يجوز حتى ولو كان من الفضة فإذا حينما أطلق الرسول عليه السلام في آخر الحديث أما الفضة فالعبوا بها فهذه قرينة من نفس الحديث أن الخطاب إنما يقصد النساء والإناث ولا يقصد الذكور لاشك أن الخطاب هنا لأولياء النساء ( من أحب أن يطوق حبيبه ... )، الحبيب هنا إما الزوجة وإما البنت فحذر النبي صلى الله عليه وسلم من تحلية النساء بالذهب المحلق وإذا تركنا هذا الحديث جانبا ونظرنا إلى أحاديث أخرى وردت في الباب وجدنا أخيرا ما يؤكد أن المقصود بهذا الاسم حبيب هو النساء والأحاديث في ذلك كثيرة وحسبي الآن أن أذكر بحديث ابنة هبيرة دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليها فوجد في يدها أو في إصبعها فتْخا من ذهب وكان في يده عليه الصلاة والسلام عصيّة صغيرة عصاة فضربها على إصبعها إنكارا لهذا الذهب المحلق فخرجت بنت هبيرة إلى فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبل أن نتمم الحديث أذكّر بحديث آخر إذا قرناه إلى حديث بنت هبيرة هذا أخذنا فائدة عظيمة جدا وهي أن النساء يشتركن مع الرجال في تحريم الذهب المحلق فقد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( رأى في إصبع رجل من أصحابه خاتما من ذهب فضربه في عصاة كانت في يده وقال له جمرة من نار ) أو نحو ذلك فما كان من هذا الصحابي إلا أن استجاب مباشرة لنهيه عليه الصلاة والسلام فأخذ الخاتم ورمى به أرضا قال فو الله لا أدري ما فعل الله به فنجد هنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عامل بنت هبيرة كما عامل الرجل أنكر عليها خاتم الذهب كما أنكر على الرجل خاتم الذهب فهذا دليل واضح جدا على أن النساء يشتركن مع الرجال في تحريم الذهب المحلق فهذا شاهد قوي جدا للحديث السابق الذي فيه تقييد الإباحة بما سوى الذهب المحلق نتابع رواية حديث بنت هبيرة فإنها ما كادت تدخل على فاطمة رضي الله عنها إذ فوجئت بمجيئ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا به يرى في يد فاطمة سلسلة من ذهب فقال عليه الصلاة والسلام ( يا فاطمة أيسرك أن يتحدث الناس فيقولوا فاطمة بنت محمد في عنقها سلسلة من نار وعذمها عذما شديدا ) أي وبخها وهي ابنته وقد قال في قصة معروفة في الصحيح ( فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها ويؤذيني ما يؤذيها ) ومع ذلك فقد عذمها عليه السلام عذما شديدا ثم خرج من عندها فما كان منها رضي الله عنها إلا أن ذهبت وباعت هذه السلسلة ثم اشترت بقيمتها عبدا واعتقته ولما بلغ خبر ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سر بذلك جدا وقال ( الحمدلله الذي نجا فاطمة من النار ) فهذا الحديث بشخصه الثاني يؤكد حديث من أحب أن يطوق فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنكر على فاطمة السلسلة الذهبية وبالغ في الإنكار عليها ثم لما تخلصت منها وتصدقت بثمنها فأعتقت العبد قال عليه السلام ( الحمد لله الذي نجا فاطمة من النار ) فإذا كل هذا وهذا وهذا يدل على أن النساء يشتركن مع الرجال في نوع من الذهب أول ذلك صحائف الذهب أواني الذهب ثاني ذلك الذهب المحلق وهو ثلاثة أنواع الطوق السوار الخاتم هذا ما يمكن أن يقال في هذه السّاعة والتفصيل في كتابي المذكور آنفا " آداب الزفاف " تفضل .