شرح قول ابن مالك رحمه الله: ولاضطرار كبنات الأوبر *** كذا وطبت النفس يا قيس السري. حفظ
الشيخ : ثُمَّ قال : ثانياً تزاد للاضطرار : الاضطرار ما هو ؟ اضطرار الشعر ، لأن النظمَ يُضطرُ الناظم إلى أن يخرج عن القواعد ، والحريري في المـُلحة يقول :
" وجائز في صنعة الشعر الصَّلِفْ *** أَنْ يصرِفَ الشَّاعِرُ ما لا ينصرف " ،
الشاهد من هذا قوله : الصَّلِف ، صَلِف ، الشعر هو الذي يرغمك على أن تزيد كلمة أو تحذف كلمة أو تغير صيغة وما أشبه ذلك .
" لاضطرار كبنات الأَوبَرِ " :
بنات الأوبر : أصلها بنات أوبر، بنات أوبر ، فماهي بنات أوبر ؟ هل أوبر علم رجل له بنات ، نعم ، أم ماذا ؟! لا ، بنات أوبر هذه اسم لنوع من الكَمْأة ، والكَمْأَةُ هي : التي يسميها العامة عندنا : " الفقع " ، ويسموها الفقع لأنها تفقع الأرض ، وهو نبات معروف يخرج في أيام الأمطار الكثيرة ، وهو ثلاثة أقسام : أردَؤها : بنات أوبر ، ولهذا يقول الشاعر لمخاطبته :
" ولقدْ جَنيتُكِ أَكْمأً وعَساقِلًا *** ولقد نَهيتُكِ عن بَناتِ الأَوبَرِ "
لأن بنات الأوبر رديئة ، طعمها رديء ، وترابها كثير ، وهي أيضًا صغيرة ، هذه لا تجنى ، لأنها تتعب الإنسان ، وفائدتها قليلة ، فالشاهد قوله :
" ولقد نهيتك عن بناتِ الأَوبَرْ " .
وهي بدون ضرورة ، إيش ؟
الطالب : بنات أوبر .
الشيخ : بنات أوبر ، لكن للضرورة زادها الشاعر ، طيب ، لو أراد إنسان الآن أن يزيدها ، لقلنا : لا ، لأنك لست بعربي ، وهي ليست لغة حتى نقول لك : أن تختار ما شئت من لغات العرب ، هي للضرورة ، " والضرورة تتقدر بقدرها " ، ولكن لو قال هذا الشاعر : أليسوا رجالاً ، سنقول له : بلى ، يقول : وأنا ؟
الطالب : رجل .
الشيخ : رجل ، فإذا كان شعرهم يضطرهم إلى مخالفة اللغة العربية عند الناس ، فكذلك أنا ، إن أراد أن يجادلنا قلنا : اصنع ما شئت ، طيب .
" كذا وطِبتُ النَّفسَ يا قيسُ السَّرِي " :
طبتُ النفس : طبت النفس يا قيس : يشير أيضًا إلى بيت ضرورة ، يقول فيه الشاعر :
" رأيتُكَ لما أنْ عَرفتَ وُجوهَنا *** صَددتَ وطِبتَ النفسَ يا قيسُ عَن عَمروِ "
" رأيتُكَ لما أنْ عَرفتَ وُجوهَنا *** صَددتَ وطِبتَ النفسَ يا قيسُ عَن عَمروِ "
النفس : هنا تمييز محول عن الفاعل ، وأصله : وطابت نفسُك ، والتمييز عند جمهور النحويين لابد أن يكون نكرة ، ولا يجوز أن يكون معرفة ، فإذا أُورد عليهم هذا البيت ، قالوا : هذا ضرورة ، فهي زائدة ، لأنها دخلت على كلمة يجب أن تكون نكرة .