شرح قول ابن مالك رحمه الله : وهل فتى فيكم فما خل لنا *** ورجل من الكــــــــرام عنــــــدنا. حفظ
الشيخ : ثانيًا قال : " وهل فتىً فيكم " :
المبتدأ فتى ، وهو في موضعه مقدم ، والخبر : فيكم ، وهو في موضعه مؤخر ، فلماذا جاز الابتداء به وهو نكرة لم تتأخر ؟! قلنا : لأنه سبقها أداة استفهام ، سبقها أداة استفهام : هل فتىً فيكم ؟ صح ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب ، هل رجل في السوق ؟ يصح أو لا ؟
الطالب : يصح .
الشيخ : إذن نأخذ قاعدة : " إذا سبق النكرة أداة استفهام جاز الابتداء بها " ، جاز الابتداء بها ، لماذا جاز الابتداء بها ؟ قيل : لأن الاستفهام جعل هذه النكرة عامة ، والعموم معنى زائد على الذات ، فتى : يدل على الفتوة ، لكن : هل فتى ، عموم يسأل أي فتى ، " هل فتى فيكم " ، والعموم معنى زائد على إيش ؟
الطالب : الذات .
الشيخ : على الذات ، يعني على المعنى المفهوم من كلمة فتى ، فجاز لأنه أفاد معنى وهو العموم ، طيب .
" فما خِلٌّ لنا " : ما خل لنا : أين النكرة التي وقعت مبتدأ ؟
الطالب : خل .
الشيخ : خل ، وابن مالك ضرب هذا المثال على لغة بني تميم ، لأنه لو أراد لغة الحجازيين لصارت : خِل : اسما لما ، اسم لما الحجازية ، أتعرفون الحجازية ما الحجازية ؟ ماذا تعمل ؟
الطالب : عمل ليس .
الشيخ : عمل ليس ، لو أراد المؤلف أن يعمل ما هنا ، ما صار من هذا الباب ، أي صار من باب النواسخ ، لكنه أراد ما بهذا المثال لغة بني تميم ، يقول الشاعر :
" ومُهفهف الأعطافِ قلتُ له انْتَسب *** فأجاب ما قتلُ المحبِّ حرامُ "
انتسب ولا لا ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : ما : هي ؟
الطالب : تميم .
الشيخ : تميمية .
" ومُهفهف الأعطافِ قلتُ له انْتَسب *** فأجاب ما قتلُ المحبِّ حرامُ " .
إذن المرأة تميمية .
الطالب : تميمية .
الشيخ : لأن لغته إيش ؟ إهمال ما ، والذي يهمل ما هم بنو تميم ، ولو قالت : " ما قتل المحب حرامًا " ، لكانت ؟
الطالب : حجازية .
الشيخ : حجازية ، طيب ابن مالك الآن في قوله : " ما خِل لنا " ، تميمي ولا حجازي ؟
الطالب : تميمي .
الشيخ : تميمي ، طيب : " ما خل لنا " ، الخل : المحب ، والخلة أعلى أنواع المحبة ، وقد شرحها الشاعر بأكمل شرح ، فقال يخاطب معشوقته :
" قد تَخللتِ مسلكَ الروحِ مِني *** وبذا سُمي الخليلُ خليلا " .
مسلك الروح يعني : مجاري الدم التي تصل إلى أعماق القلب ، ولهذا ذكر ابن القيم في كتاب *روضة المحبين ، الذي شكك بعض الناس في نسبته لابن القيم ، ذكر أن المحبة عشرة أنواع : أعلاها الخلة ، ولهذا أنا أقول الآن : ولهذا لم تثبت فيما نعلم إلا للخليلين ، محمد وإبراهيم ، بخلاف المحبة ، المحبة ثابتة للمؤمنين للمقسطين للمتقين وغير ذلك ، وبهذا نقول للذين يعظمون الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيقولون : " إبراهيم خليل الله ، ومحمد حبيب الله " ، نقول : ويلكم ، انتقصتم مرتبة الرسول -عليه الصلاة والسلام- صح ؟
الطالب : صح .
الشيخ : لأنهم نزّلوه ، فمحمد خليل الله كما أن إبراهيم خليل الله ، ولهذا لم يتخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- أحدا خليلا له ، واتخذ حبيبا له أو لا ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : اتخذ ، اتخذ حبيبا له ، هو يحب عائشة ويحب أباها ويحب أسامة وغيرهم ، لكن لم يتخذ خليلا ، بل جعل ربه خليله سبحانه وتعالى قال : ( لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر ) ، نعم ، إذن قول ابن مالك : " فما خل لنا " : هل أراد معناها وأنه جعل أعلى المحبة لله ، ويكون معنى قوله : فما خل لنا سوى ربنا ، أو أنه مثال ضرب فقط ؟
الطالب : لعله أراد الأول .
الشيخ : أيهن الأول ؟ الأول ، لأن بإمكانه أن يبدل الكلمة بكلمة أخرى لا يختل بها الوزن ، نعم ، لو قال : " فما حب لنا " يستقيم الوزن ؟
الطالب : يستقيم .
الشيخ : يستقيم ، لكن يبدو والله أعلم ، ونسأل الله تعالى ذلك : أنه أراد أن يقول : لا خل لنا إلا ربنا ، أي : فما خلٌ لنا من الناس ، الشاهد خل : نكرة وابتدئ بها ، لماذا ؟ سبقت بحرف نفي ، وعلى هذا فنقول : إذا سبقت النكرة بحرف نفي جاز الابتداء بها ، ما المعنى الذي سَوغ الابتداء بها ونحن قلنا النكرة مجهولة لا يحكم عليها ؟ العموم ، لأن النفي يفيد ؟ أولا : من صيغ العموم : النكرة في سياق النفي ، فالعموم معنىً زائد على الذات ، فلهذا جاز الابتداء بالنكرة ، وحجاج يعلمنا إذا انتهى الوقت !
الطالب : أبشر .
الشيخ : طيب ، " ورجلٌ من الكرام عندنا " :
رجل من الكرام عندنا، رجل : نكرة لكنها وصفت بقوله : " مِن الكرام " ، هاه ؟ لا .
عندنا : هي الخبر ، طيب ، لما وصفت تخصصت فاستفدنا معنى زائدا على مجرد إيش ؟ الذات ، ما قلنا : رجل عندنا : " رجل من الكرام " ، خرج به الرجل الذي من اللئام ، أو الرجل الذي لا لئيم ولا كريم ، " رجل من الكرام عندنا " طيب ، لو قلت أنا : وطالب من الكرام عندنا ، بدل رجل ، وأردت بطالب يعني : الطلاب ، يصلح ؟
الطالب : يصلَح .
الشيخ : نعم ؟
الطالب : يصلح .
الشيخ : انتبهوا !!
الطالب : يصلح .
الشيخ : هاه ؟
الطالب : لا يصلَح .
الشيخ : ترى الذي ما يصلح ما هو بطالب كريم .
الطالب : الجار والمجرور متعلق بطالب .
الشيخ : لا لا لا أقول : طلبة من الكرام عندنا .
الطالب : صحيح .
الشيخ : طلبة !
الطالب : صحيح .
الشيخ : يصلَح ، وإن شاء الله يجب أن يصلح ، كلكم كرام ، يقولون : إن ابن مالك أنشد هذا البيت وعنده النووي -رحمه الله- كان عنده ، فقال : " ورجل من الكرام عندنا " : يعني به النووي ، وسواء صح هذا أم لم يصح ، المهم أنَّ هذا المثال وقعت فيه النكرة مبتدأ ، لماذا ؟ لأنها وصفت فتخصصت بالوصف ، فاستفدنا معنى زائدا على مجرد الذات ، طيب ، نخلي هذا البيت الذي فيه ضمير ، نخليه القابلة - إن شاء الله - .
الطالب : انتهى الوقت .
الشيخ : طيب ، اصبر ما يمدينا الظاهر ، ما يمدينا هاه ؟ طيب ، نعم ؟
الطالب : كتاب الروح لابن القيم !
الشيخ : هاه ؟
الطالب : كتاب الروح لابن القيم عندكم ؟
الشيخ : إي نعم .
الطالب : الذين يطعنون فيه ما رأيكم ؟
الشيخ : والله ما يظهر الطعن فيه ، هو على كل حال : هو وروضة المحبين فيه كلام يعني يُستغرب من ابن القيم -رحمه الله- يستغرب ، لكن فيه كلامه سياقه ولفظه وأسلوبه هو كلام ابن القيم ، وابن القيم -رحمه الله- له يعني له مراحل في حياته ، كان بالأول صوفيًا ، يتمثل دائماً بقول الشاعر :
" عوى الذئب فاستأنست للذئب إذ عوى *** وصَوَّت إنسان فكدتُ أَطير "
كان يحب الانفراد والوَحدة ، وعنده يعني ما عند الصوفية ، حتى منّ الله عليه بهذا النور العظيم الذي ساقه الله إليه على يد شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمة الله على الجميع- فأنقذه ، وقال ابن القيم عنه : " إني مهما عملت لا تجزيه يدي ولا لساني " ، من فضله عليه ، واستقام رحمه الله ، فربما هذه تكون كتاب الروح كتبه في أول طلبه ، وكذلك روضة المحبين ، نعم ، والحمد لله .
الطالب : كتاب الروح أحسن الله إليكم المحقق !
الشيخ : نعم .
الطالب : الذي حققه عنده علم ، لديه .
الشيخ : نعم .
الطالب : يعني ذكر أدلة على صحة الكتاب إليه .
الشيخ : زين ، طيب .
الطالب : ذكر شيخ الإسلام في روضة المحبين .
الشيخ : هاه ؟
الطالب : روضة المحبين ذكر فيه شيخ الإسلام ابن تيمية .
الشيخ : إيه نعم .
الطالب : إذن ألفه في حياته أو بعد !
الشيخ : ليش ؟
الطالب : ...
الشيخ : إي نعم ، يمكن زادها فيما بعد ، المؤلفون يزيدون في كتبهم أحيانا ، انظر الرد على المنطقيين الذي عليه تعليقات شيخ الإسلام بيده ، تشوف التعليقات كثيرة ، ثم ربما إنه في أول مجيء شيخ الإسلام أيضًا .
الطالب : ... هنا أيضا الأصل في الخبر .
الشيخ : نعم ، ألا يمكن أن يوصف الشيء مرتين : " رجل من الكرام عندنا " هذا موصوف !
الطالب : رجل جالس ، موصوف .
الشيخ : إي لو قلت : " رجل جالس عندنا " ؟ صح .
الطالب : رجل عندنا ؟
الشيخ : نعم ، لا لا : " رجل عندنا " ما يصلح ، هذه مِن الكرام وصف وعندنا بعد ما جاء الخبر ، يعني وصف مرتين : مرة بالخبر ومرة بالصفة .
الطالب : وصف مرتين ؟
الشيخ : إي ضروري .
ليس له بمعتبر ، زين ذا ، هاه ، طيب ، بيت آخر من عريمة أيضًا :
" وأبرز الضمير في ذاك الخبر *** إن كان وصفًا ثم أمعن النظر
إن عاد في المعنى لما يغايره *** كهو بعد زيد عمروٌ عاذره "

لا هذا ، الأول أحسن ، معك نسخة ولا أعطيك إياه ؟