شرح قول ابن مالك رحمه الله : فامنعه حين يستوي الجزءان *** عرفا ونكرا عادمــــي بيان حفظ
الشيخ : ثم قال : " فامنعه " : الضمير في : " فامنعه " يعود على التقديم ، أي : فامنع التقديم ، امنع تقديم : يعني تقديم الخبر .
" حينَ يَستوي الجزآن *** عُرفًا ونُكرًا عادِمَي بَيانِ "
: إذا استوى الجزآن ، ومراده بالجزئين : المبتدأ والخبر ، " عُرفًا ونُكرًا " :
يعني صارا معرفتين أو صارا نكرتين ، ولم نعلم أيهما المبتدأ من قرينة حال أو نحو ذلك ، فهنا يمتنع تقديم الخبر ، ويتعين تقديم المبتدأ إذا استويا في النكرة أو استويا في المعرفة ، ولم يتبين أيهما المبتدأ ، فهنا يتعين أن يكون الخبر متأخرا ، والمبتدأ متقدما ، لأجل أن نحكم بأن الثاني حكمٌ على الأول بمقتضى الترتيب ، مثال استوائهما عُرفا إذا قلت : زيد أخوك ، زيدٌ أخوك : كلاهما معرفة ، وهنا تخبر بأن زيدا هو أخوه ، فلو قدّمت وقلت : أخوك زيد : التبس المعنى ، فلا يجوز أن تقدّم الخبر هنا ، لأنك إذا قدمته التبس ، هل أنت تريد أن تخبر عن زيد بأنه أخوه ، أو عن أخيه بأنه زيد ؟! وبينهما فرق ، إذا قلت : أخوك زيد ، يعني لا غيره ، ما في أخ لك إلا زيد ، وإذا قلت : زيد أخوك ، فيحتمل أن يكون هناك أخ ثاني وثالث ورابع ، فيلتبس المعنى ، فحينئذ لابد أن يبقى كل جزء في محله ، فتقول : زيد أخوك : إذا أردت أن تخبر عن زيد بأنه أخوه ، فلو قدمت وقلت : أخوك زيد ، قلنا : هذا ممنوع ، لأن هذا يؤدي إلى التباس ، طيب ولو قلت : ابن القيم ، ابن تيمية ، كلاهما معرفة ، نعم ، " وابن القيم ابن تيمية " : ابن القيم : خبر مقدم ، وابن تيمية ؟
الطالب : مبتدأ مؤخر .
الشيخ : مبتدأ مؤخر ، فكيف ؟
الطالب : ...
الشيخ : دقيقة دقيقة ، ابن القيم : خبر مقدم ، وابن تيمية : مبتدأ مؤخر ، هل يمكن هذا ؟
الطالب : لا ما يجوز .
الشيخ : ما يمكن ، لماذا ؟ لأنا نعلم أننا لا نريد أن نُلحق ابن تيمية بابن القيم ، وإنما نريد العكس ، أليس كذلك ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : طيب ، فهنا عندنا بيان ، فما هو الترتيب الأول لمثل هذا التركيب أن تقول : " ابن القيم ابن تيمية " ، هذا الترتيب صحيح ، لكن لو قلت : " ابن تيمية ابن القيم " ، يصح ، يصح أيضا ، لماذا ؟ لأنا نعلم أنك إذا قلت : " ابن تيمية ابن القيم " ، أن ابن تيمية : خبر مقدم .
الطالب : غير واضح .
الشيخ : واضح !
الطالب : أليس الخبر وصفا للمبتدأ ؟
الشيخ : بلى ، لكن المشبه هو المبتدأ ، والمشبه به هو الخبر دائما ، تقول مثلا : فلان كالبدر ، وتقول : كالبدر فلان ، فهنا الآن هل نحن نريد أن نشبه ابن تيمية بابن القيم ، أو ابن القيم بابن تيمية ؟
الطالب : الثاني .
الشيخ : هاه ؟
الطالب : الثاني .
الشيخ : ابن القيم بابن تيمية ، طيب إذن اذكر الجملة مرتبة كل جزء في مكانه ؟ تقول : ابن القيم ابن تيمية ، واضح هذا يعني : ابن القيم كابن تيمية ، قدّم ابن تيمية ؟ تقول : ابن تيمية ابن القيم ، كيف تعربها ؟
الطالب : خبر مقدّم .
الشيخ : أقول : ابن تيمية خبر مقدم ، وابن القيم مبتدأ مؤخر ، لأننا نعرف أن المراد تشبيه ابن القيم بمن ؟ بابن تيمية ، ولا عكس ، ومثل ذلك ما يضرب به النحويون المثل : " أبو يوسف أبو حنيفة " ، الترتيب طبيعي ولا لا ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : " أبو يوسف أبو حنيفة " ، طيب لو قلت : " أبو حنيفة أبو يوسف " ؟ صح ، وهنا جاز تقديم الخبر ، لأن المعنى مفهوم ، وهو إلحاق أبي يوسف بإيش ؟ بأبي حنيفة ولا عكس ، واضح ؟
الطالب : واضح .
الشيخ : طيب ، إذن إذا استوى المبتدأ والخبر في المعرفة وجب أن يبقى الخبر في مكانه ولا يجوز تقديمه ، إلا إذا كان هناك دليل يبين الخبر ، النكرة : مثلوا لها بقولهم : " أفضلُ من عمروٍ أفضلُ من بَكر " ، أفضل : نكرة في الموضعين فإذا كنت تريد أن تقول : كل مَن كان أفضل من عمرو فهو أفضل مِن بكر ، فالترتيب : أفضل من عمرو أفضل من بكر ، لو قدّمت لالتبس المعنى ، وكان كل من كان أفضل من بكر فهو أفضل من عمرو ، وحينئذ يلتبس فنقول : إذن يجب أن يبقى كل واحد في مكانه ، تمام ؟ ما هو بواضح أشوف ؟!
الطالب : واضح .
الشيخ : طيب على كل حال -إن شاء الله- الدرس المقبل .
الطالب : قاس بعضهم أحسن الله إليك
الشيخ : أيوا إيش قال ؟
الطالب : قال " وجوزوا تقديم كاف ندرا *** "
الشيخ : قبله قبله الشطر الأول ، الشطر الأول !
الطالب : الشطر الأول .
الشيخ : هاه ، والأصل !
الطالب : " وجوزوا تقديم كافٍ ندرا *** والأصل في قرآنه أن يوقَّرا " .
الشيخ : وشلون ؟
الطالب : " والأصل في قرآنه أن يوقَّرا " .
الشيخ : وش ؟
الطالب : الكافي .
الشيخ : آه .
الطالب : الأصل أن يوقر ، " وجوزوا تقديم كافٍ ندرا " .
الشيخ : إي هههههه
الطالب : كاف ندرا ، " والأصل في قرآنه أن يوقرا " .
الشيخ : إي .
الطالب : منكسر !
الشيخ : فيه انكسار .
الطالب : بس ما ينكسر !
طالب آخر : شيخ !
الشيخ : نعم ، المؤلف -رحمه الله- قال : " أخبروا بظرف أو بحرف جر " ،
فيه مناقشة ولا مافيه مناقشة ؟
الطالب : أخذنا !
الشيخ : أخذنا المناقشة ، طيب .