شرح قول ابن مالك رحمه الله : كذا إذا ما الفعل كان الخبرا *** أو قـــصدا استعماله منحصرا حفظ
الشيخ : ثم قال : " كذا إذا ما الفعلُ كانَ الخبرَا " :
يعني كذا يمتنع تقديم الخبر إذا كان فعلا ، يمتنع تقديم الخبر إذا كان فعلا ، مثل : زيدٌ قام ، زيدٌ قام : لا يجوز أن نقدّم قام على أن زيدا مبتدأ مؤخر ، أما لو قدمتها على أن زيدا فاعل ، فهذا لا بأس به ، ولكنه ليس من هذا الباب ، معلوم ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : قال : زيدٌ قام ، زيد : مبتدأ ، وجملة قام : الخبر ، هنا هذا الترتيب ، لو قدّمت قام على أن قام هو الخبر المقدّم ، وزيد مبتدأ مؤخر ، امتنع ، امتنع ذلك ، لكن لو قدّمت قام على أنها فعل وزيد فاعل ؟ يجوز ولا ما يجوز ؟
الطالب : يجوز .
الشيخ : يجوز ، طيب إذا قال قائل : ما الفرق بين أن أقدّم قام على أنها خبر المبتدأ ، وبين أن أقدم قام على أنها فعل وفاعلها زيد ؟ نقول : الفرق ظاهر لأنك إذا قدّمت قام على أنها خبر مقدّم فإنها تتحمل ضميرا ، تتحمل ضميرا لأن زيد : مبتدأ مؤخر ، وقام : فعل ماضي وفاعله مستتر جوازا تقديره هو ، والجملة إيش ؟ خبر المبتدأ ، فيكون هنا إسناد القيام إلى زيد كأنه صار مرتين ، أسندنا القيام إليه باعتباره خبرا ، وأسندنا القيام إليه باعتباره فاعلا ، نعم أسندنا القيام إليه باعتباره مبتدأ وقام خبر ، وأسندنا إليه القيام باعتباره فاعلا ، وفرق بين أن نسند القيام إليه مرتين أو مرة واحدة ، ويبدو لي أنها لم تتخمر في رؤوسكم ؟!!
الطالب : لا .
الشيخ : نعم ؟
الطالب : بل خمرت .
الشيخ : طيب : زيدٌ قام ، إيش تعرب زيد ؟
الطالب : مبتدأ .
الشيخ : وقام ؟
الطالب : خبر .
الشيخ : الجملة خبر ، لا يجوز إذا أردت هذا التركيب ، لا يجوز أن أقدّم قام ، وأقول قام : فعل ماضي ، وفيه فاعل مستتر جوازا تقديره هو ، وزيد مبتدأ مؤخر ، لا يجوز ، ليش ؟ لأنه يلتبس بكون قام فعل ماضي ، وزيد فاعل أليس كذلك ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : طيب ، يلتبس ، فإذا قال قائل : ولو التبس ما الذي يضر ؟ ما الذي يضرنا إذا جعلنا زيدا فاعل بقام ، أو جعلناه مبتدأ وقام الجملة خبر ، ما الذي يضر ؟ قلنا : لا بينهما فرق ، إذا جعلت زيدا مبتدأ والجملة قام خبره أسندت القيام إلى زيد هاه كم ؟ مرتين ، مرة باعتباره مبتدأ ، ومرة باعتباره فاعلا ، لكن إذا قلت : قام زيد ، قام فعل ماضي ، وزيد فاعل أسندت القيام إليه مرة واحدة ، أليس كذلك ؟! فيكون بينهما فرق ، طيب ومن هنا نعرف أن قول ابن مالك -رحمه الله- :
" كذا إذا ما الفعلُ كان خبرا " فيه تسامح ، ويعترض عليه بأن الفعل لا يكون خبرا ، وإنما يكون الخبر الجملة الفعلية ، أليس كذلك ؟ فيكون في كلامه -رحمه الله- تسامح ، لأن الفعل لا يمكن أن يكون خبرا ، بل الخبر جملة إما فعلية وإما اسمية ، طيب فإذا قلت : الرجلان قاما ، الرجلان قاما ، الرجلان مبتدأ ، وقاما فعل وفاعل ، والجملة خبر المبتدأ ، هل يجوز في هذه الحال أن أقدّم قاما ؟
الطالب : نعم .
طالب آخر : على لغة : " أكلوني البراغيث " .
الشيخ : نعم يجوز أن أقدم قاما ، لأنه لا يلتبس الآن المبتدأ بالفاعل ، فأقول : قاما فعل وفاعل ، والرجلان مبتدأ مؤخر ، هذا إذا لم أكن على لغة البراغيث ، أما إذا كان على لغة البراغيث ، فإنه لا يجوز التقديم ليش ؟ لأنهم يعربون الرجلان : فاعلا ، وحينئذ يكون كقولنا : قام زيد ، فلا يجوز التقديم ، لكن المعروف أن المشهور من لغة العرب ما هي ؟ البرغوثية ولا غيرها ؟
الطالب : غيرها .
الشيخ : غير البرغوثية ، إذن لا يهم ، فصار عندنا الآن مثالان : المثال الأول : زيد قام ، والمثال الثاني : الرجلان قاما ، أيهما الذي يجوز فيه تقديم الخبر ؟
الطالب : الثاني .
الشيخ : الثاني ، والأول ؟
الطالب : لا يجوز .
الشيخ : لا يجوز ، لالتباسه بالفاعل ، أما الثاني فيجوز لعدم الالتباس ، كذا يا خالد واضح ؟ ما فيه الفكر ما راح يمين ولا يسار ؟!
الطالب : لا .
الشيخ : طيب ها سعود !
الطالب : الآن الفعل إذا كان اسم أتى بعده يجوز إنا نسنده نضيفه مثلا نقول : قاما الرجلان ، يجوز أن نضع ألف ؟
الشيخ : هذا على لغة : " أكلوه البراغيث " .
الطالب : يجوز ؟
الشيخ : على لغة هؤلاء يجوز ، لكن العرب لا يوافقونهم على ذلك .
الطالب : قام الرجلان .
الشيخ : العرب يقولون : قام الرجلان ، نعم يا ابن داود !
الطالب : شيخ ! إذا أردت أن أخبر عن زيد أنه أخو رجل ، زيدا أخوه ، فما فهمت الفرق بينه وبين : أخوك زيد ؟!
الشيخ : أحد منكم فهم ، طيب الآن هذا !
الطالب : إذا في مثال آخر !
الشيخ : ما يخالف ، لا لا هذا المثال ، الذي جنبك على يمينك هذا ، على يمينك هذا وين يمينك ؟!
الطالب : الذي على يميني .
الشيخ : إي هذا الرجل ، أقول : زيد هذا وش جابه لك ؟
الطالب : أعتقد أنه !
الشيخ : تقول : زيد أخوك ، كذا ولا لا ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : فأنا الآن أخبر عن نسبة زيد إليك ، عرفت ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب ، الثاني : أخوك زيد ، أنا متيقن أن هالخمسة هؤلاء فيهم أخ لك ، فيهم أخ لك ، ولكن ما أدري أيهم !! الخمسة واحد منهم اسمه محمد ، واحد بكر ، واحد خالد ، واحد عمرو ، واحد زيد ، فأقول : من أخوك ؟ تقول : أخي زيد ، فهمت ولا لا ؟ فهمت الفرق الآن ؟ هاه ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب ، والفرق واضح ، طيب يقول المؤلف :
" أو قُصِد استعماله مُنحَصَرا " ، يجوز هذا وهذا .
الطالب : الوجهان يا شيخ ؟
الشيخ : نعم؟
الطالب : قصدت جواز الوجهين ؟
الشيخ : نعم يجوز الوجهان ، إذا قُصد الحصر فإنه يجب الترتيب ، مثاله : إنما زيد قائم ، عندنا زيد مبتدأ ، وقائم خبر ، ما الذي حُصر ؟
الطالب : زيد .
الشيخ : زيد ، حُصِر في القيام ، كأني قلت : ما زيد إلا قائم ، فهنا لا يجوز أن أقدم قائم وأقول : إنما قائم زيد ، واضح يا جماعة ؟! والفرق : إذا قلت : إنما زيد قائم ، فهذا يقتضي انحصار زيد في حال القيام ، ولا يمنع مشاركة غيره معه ، صح ؟ إنما زيد قائم ، يعني وعمرو وخالد وبكر إلى آخره ، لا يمنع قيام غيره ، لكن يمنع أن يكون هو قاعدا ، لأني حصرت بأنه قائم ، وإذا قلت : إنما قائم زيد ، أو : إنما القائم زيد ، معناه : لا قائم غيره ، لا قائم غيره ، وبينها فرق ولا ما بينها فرق ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : بينهما فرق ، فأنت مثلا إذا قلت : إنما زيد قائم ، تريد أن تحصر زيدا في القيام ، فبدأت بالمبتدأ وأخرت الخبر ، لو أردت أن تقدم الخبر في هذه الحال قلنا : لا يجوز ، لأنك إذا قدمت الخبر إيش ؟ اختلف المعنى، اختلف المعنى ، فإذا قصد الحصر فإنه لا يجوز تقديم الخبر ، لأنه يختلف إيش ؟ لأنه يختلف المعنى ، ولهذا قال : " أو قصد استعماله منحصرا " .