شرح قول ابن مالك رحمه الله: بالبا استعن وعد عوض ألصق *** ومثل مع ومن وعن بها انـــطق. حفظ
الشيخ : " بالبا استعن "
معناه: أن الباء تأتي للاستعانة، الباء تأتي للاستعانة، والاستعانة: طلب العون، فمعنى الاستعانة: أن الباء تدخل على ما تطلب الإعانة منه، مثل: أستعين بالله، الباء هنا للاستعانة، أي: أنه سبحانه وتعالى يطلب العون منه، فإذا دخلت على ما يُطلب العون منه فهي للاستعانة
" وعَدِّ " معنى عَدِّ يعني: أنه يُعدى بها الفعل اللازم، هذا معناه أنها تأتي للتعدية أي: لتعدية الفعل اللازم، مثال ذلك: قوله تعالى: (( ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ )) أصلًا ذهب فعل لازم، أو لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ذهب فعل لازم، يُقال: ذهب الرجل، وما أشبه ذلك، فهو فعل لازم لا يتعدى، وأذهب فعل متعد، أذهبت زيدًا، أذهبت المال، وما أشبهها، هاه؟
الطالب : ...
الشيخ : إي إي، طيب ذهب الرجل لازم، وأذهبت المال متعد، أليس كذلك؟
الطالب : بلى.
الشيخ : طيب، هنا ذهب إذا أردنا أن تتعدى إلى مفعول فإما أن نُدخل عليها الهمزة أو نأتي بالباء، فهمتم يا جماعة؟ (( ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ )) الآن أتينا بالباء ليتعدى الفعل إليه، لأن الفعل كان لازمًا، ما رأيكم في غير القرآن لو قيل: أذهب الله نورهم؟
الطالب : يصلح.
الشيخ : يصلح؟
الطالب : نعم.
الشيخ : يصلح، إذًا صارت الباء للتعدية، أي: تعدية الفعل اللازم إلى مفعوله، أو ما فهمتم؟ طيب
" وعَدِّ عَوِّض " معناها أن الباء تأتي للتعويض، بأن يكون مدخولها عوضًا عن غيره، وهذا كثير جدًّا، كل الباء اللي تدخل في البيع والشراء تكون للتعويض، اشتريت كتابًا بدرهم، الباء للتعويض، أفهمتم؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، هل مدخولها هو العِوض ولا ما سبقها هو العِوض؟ الحقيقة أن كل واحد منهما عوض عن الثاني، لكنها دائمًا تدخل على الثمن، ولهذا قال الفقهاء: يتميز ثمن عن مثمن بالباء، فما دخلت عليه الباء فهو الثمن، فإذا قلت: بعت الثوب بدرهم فما هو الثمن؟
الطالب : درهم.
الشيخ : وإذا قلت: بعت الدرهم بثوب؟
الطالب : الثمن الثوب.
الشيخ : فالثمن الثوب، إذًا ما دخلت عليه الباء فهو الثمن، هذا معنى قول المؤلف: " عَوِّض ألْصِقِ " ألصق من الإلصاق، وهو مباشرة الشيء بالشيء، وقد يراد بالإلصاق مجاورة الشيء بالشيء، والإلصاق يراد به مباشرة الشيء بالشيء، ويراد به مجاورة الشيء للشيء، فهمتم ولا لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، الإلصاق المباشر: مسحت رأسي بيدي، هاه، ويش هو هذا؟
الطالب : إلصاق.
الشيخ : إلصاق، أمسكت ثوبي بيدي؟
الطالب : إلصاق.
الشيخ : إلصاق أيضًا: (( امسحوا برؤوسكم )) إلصاق مباشر ولا غير مباشر؟
الطالب : مباشر.
الشيخ : طيب، مررت بزيد؟
الطالب : غير مباشر.
الشيخ : هذا إلصاق لكن غير مباشر، ولا لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : ولهذا تمر من عنده ولو بينك وبينه شبر أو ذارع، وما أشبه ذلك، ولا تحط ظهرك ظره؟ نعم مو لازم، فعلى هذا يكون إلصاق إما مباشرة وإما مجاورة، مررت بزيد، قال لك قائل: ما معنى الباء في مررت بزيد؟ لا قربه يسموها إلصاق، معناه الإلصاق، وقد زعم بعض النحويين أن جميع معانيها تعود إلى هذا، تعود إلى الإلصاق، كل معانيها، ولكن الحقيقة أننا لو سلكنا هذا المسلك لوجدنا أنها لا تكون للإلصاق في بعض المواضع إلا بتكلف شديد، ولا حاجة إلى التكلف، الأَولى أن نقول كما قال ابن مالك: إن الإلصاق من بعض معانيها، وليس كل المعاني
" ومِثْلَ مَعْ ومِنْ وعَنْ بها انطق "
يعني: تأتي بمعنى مع، وتأتي بمعنى بمن، وتأتي بمعنى عن، فاهمين؟ طيب، تأتي بمعنى مع كما لو قلت: بعتك الفرس بلجامه، المعنى؟
الطالب : مع لجامه.
الشيخ : مع لجامه، أو لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : بعتك السيارة بشرائها.
الطالب : بمفاتيحها.
الشيخ : لا، بشرائها، أي: مع شرائها، أما بمفاتيحها معه هاه؟ بعتك السيارة بمفاتيحها، أي: مع المفاتيح واضح؟ طيب .
الطالب : بس المفاتيح من السيارة يا شيخ.
الشيخ : لا، من السيارة لو يضيع إما ضاعت السيارة.
الطالب : يصلح غيرها.
الشيخ : إي يصلح غيرها، طيب " ومِثْلَ مَعْ ومِنْ " تأتي أيضًا بمعنى مِن، ومثَّلوا لذلك بقوله تعالى: (( عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا )) (( يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ )) قالوا: معنى يشرب بها أي: منها ،لأن العين يشرب منها لا بها، فتكون هنا بمعنى إيش؟ بمعنى مِن، وقد سبق لنا أن الصحيح في هذه الآية أن الباء للسببية لا بمعنى مِن، وأن يشرب مُضَمَّنَةٌ معنى يَرْوَى، فمعنى يشرب بها أي: يروى بها عباد الله، عرفتم؟
الطالب : نعم.
الشيخ : وذكرنا أن الأصح أن يُضمن الفعل لا أن يُجعل الحرف بمعنى حرف آخر، وأما تضمين الفعل يستلزم معنى أصل الفعل وزيادة، فقولك: يشرب بها إذا قلنا إن يشرب مُضمن معنى يروى تضمن الشرب ها والرِّي، إي نعم كذلك بمعنى عن، بمعنى عن يعني تأتي الباء بمعنى عن، كذا عندكم؟
الطالب : نعم.
الشيخ : إي نعم، بمعنى عن، ويش مثالها؟ الباء في معنى عن مثل: لو قلت.
الطالب : (( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ )).
الشيخ : نعم لو قلت مثلًا: سألتك بعلمك ها؟ يعني؟
الطالب : عن علمك.
الشيخ : عن علمك، طيب هل منها -مثلًا- رضيت بفلان، رضيت بالله ربًّا أو رضيت عن الله ربًّا.
الطالب : ما يصح.
الشيخ : لا، طيب (( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ )) يقول معناها: عن عذاب واقع، نعم وقال بعض أهل العلم: إن الباء هنا على بابها، وأن المعنى سأل سائل وأجيب بعذاب واقع للكافرين، وأن السؤال هنا ضُمن معنى الجواب، فيكون هذا أبلغ، لأنه الآن لو قرأنا عليكم سأل سائل عن عذاب واقع (( لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ )) وين الجواب؟ كل الآيات اللي بعدها داخلة في ضمن السؤال، والواقع أن الآيات تجيب عن هذا السؤال، ولهذا قال بعض العلماء: إن الباء هنا على أصلها، وأن السؤال هنا ضُمن معنى الجواب كأنه قال: سأل سائل فأجيب بعذاب واقع للكافرين إلى آخره،
" ومِثْلَ مَعْ ومِنْ وعَنْ بها انطقِ " إلى آخره، كم من معاني للباء الحين؟
الطالب : تسعة.
الشيخ : الظرفية، والسببية، والاستعانة، والتعدية، والتعويض، والإلصاق، ومثل مع، ومِن، وعن، تسعة والله أعلم.
بعضهم يقول: ما تفرق المصاحبة عن المرافقة، لأن الصاحب إما أن يكون قريبًا منك أو مباشرًا لك، وعلى هذا فلا تخرج عن الإلصاق، نعم ولكنه إما أن يكون حسيًّا أو معنويًّا فقوله: ( سبحانك اللهم وبحمدك ) الباء هنا للإلصاق، وقيل: إن الباء للاستعانة، أي: سبحتك بحمدك، فعلى المعنى الأول: يكون تكون جملة جامعة بين التنزيه والثناء، يعني: تسبيح ثم حمد، وعلى الثانية: المعنى الثانية الذين يقولون: إن الباء للاستعانة، يكون هنا الجملة مشتملة على أي شيء؟
الطالب : التسبيح.
الشيخ : على التسبيح، لكنه بمعونتك التي تحمد عليها، وعلى هذا فكونها للمصاحبة أولى، لكن بعضهم لم يعدها قال: لأن المصاحبة داخلة في الإلصاق، أعرب يا صالح حجاج؟ (( ذهب الله بنورهم )).
الطالب : ذهب: فعل ماض مبني على الفتحة، اسم الجلالة: فاعل مرفوع علامة رفعه الضمة الظاهرة، بنورهم.
الشيخ : خبره، لا تقل كيف قلت على وهي حرف إنها مبتدأ؟ والمبتدأ لا يكون إلا اسمًا، لأني أقول: إذا أريد بالحرف لفظه صح أن يكون المبتدأ، وأن يقع عليه عمل العامل، لأنه حينئذ يكون المعنى هذا اللفظ للاستعلاء، بخلاف ما إذا قلت: الماء على السطح ما تقول: على مبتدأ، فهنا إذا قُصد بالحرف لفظه صار اسمًا.