تفسير قوله تعالى : (( أو كصيبٍ من السماء فيه ظلماتٌ ورعدٌ وبرقٌ )) وذكر المثال الثاني الذي ضربه الله للمنافقين. حفظ
أما المثل الثاني فقال الله تعالى: (( أو كصيب من السماء)) أو هنا للتنويع وليس للشك، لأن الله تعالى عليم بكل شيء، فلا يدخل الشك في خبره فهي إذا للتنويع. وهل هذا النوع مثل آخر ينطبق على أصحاب مثل الأول؟ أو هو مثل لأصناف آخرين من المنافقين؟ في هذا قولان للعلماء: فمنهم من قال: إن حال المنافقين تشبه المثل الأول وتشبه المثل الثاني، ومنهم من قال: إن لكل مثل قوما من هؤلاء المنافقين، وبعد أن نشرح إن شاء الله تعالى هذا المثل يتبين أي القولين أصح. قوله: ((أو كصيب)) قيل: إن فيه محذوفا والتقدير: كأصحاب صيب بدليل قوله : ((يجعلون أصابعهم)) أي يجعل أصحاب هذا الصيب أصابعهم في آذانهم، وقيل: إنه لا يحتاج إلى هذا التقدير بل إن الله تعالى ضرب المثل بالصيب بنفسه، والصيب هو المطر سمي بذلك لأنه ينزل وكل شيء نازل يسمى صيبا وأصلها من صاب يصوب، فنجد الآن أن إحدى الياءين منقلب عن واو أيهما ؟ الياء الأولى أو الثانية؟ أصلها صيوب، فهي إذا الثانية، ولكنها اجتمعت الواو والياء في كلمة وسبقت أحداهما بالسكون فقلبت الثانية ياء وأدغمت في الياء الأولى، هذه قاعدة تصريفية ربما لا يعرفها من لم يكن يعرف الصرف لكن هذه القاعدة تصريفية إذا اجتمعت الواو والياء في كلمة وسبقت إحداهما بالسكون وجب قلب الواو ياء ثم تدغم مع الياء الموجودة. ((أو كصيب من السماء)) قوله: ((من السماء)) هذه بيان للواقع وليست قيدا مخرجا لما يخالف المنطوق وذلك أن الصيب لابد أن يكون من السماء، لأننا قلنا إنه النازل، النازل وهو المطر، وفائدة ذكره بيان الواقع من وجه، وبيان أن هذا الصيب عظيم لأن النازل من السماء يخوف أكثر من الجاري في الأرض، لأن الجاري من الأرض يمكن الهرب منه، لكن نازل من السماء لا يمكن الهرب منه، (( أو كصب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق)) ((ظلمات)) جمع ظلمة فما هذه الظلمات؟ الظلمات: ظلمة الليل هذه واحدة، الثانية: ظلمة السحاب، الثالث: ظلمة الصيب الذي هو المطر فإنه يحدث الظلمة فيه ظلمات، ((ورعد)) وهو الصوت المسموع من السحاب، ((وبرق)) وهو النور أو الضوء المشاهد في السحاب، والبرق سابق على الرعد، لأن الرعد يتأخر بواسطة المسافة بينه وبين الأرض والصوت أقل سرعة من الضوء، لأن الضوء تدركه العين والصوت تدركه الأذن.