تفسير قوله تعالى : (( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار )) ومناسبة هذه الآية بما قبلها. حفظ
الشيخ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال الله تبارك وتعالى: ((وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات)) مناسبة الآية لما قبلها أن الله لما ذكر وعيد الكافرين المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم ذكر وعد المؤمنين به فقال: ((وبشر)) والبشارة هي الإخبار بما يسر، وسميت بذلك لتغير بشرة المخاطب بالسرور، لأن الإنسان إذا أخبر بما يسره استنار وجهه وطابت نفسه وانشرح صدره، وقد تستعمل البشارة في الإخبار بما يسوء كقوله تعالى: (( فبشرهم بعذاب أليم)) إما تهكما بهم ،وإما لأنه يحصل لهم من البشارة بهذا ما يحصل للمبشرين بالخير، لكن الأول أقرب وذلك لأنهم لا يؤمنون بما يبشرون به من العذاب فيكون هذا من باب التهكم بهم كقوله تعالى في عذابهم يوم القيمة: (( ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم)) . ((وبشر الذين آمنوا)) والخطاب في قوله: ((بشر)) إما للرسول عليه الصلاة والسلام أو لكل من يتوجه إليه الخطاب، يعني بشر أيها المخاطب من اتصفوا بهذه الصفات بأن لهم جنات، وقوله: ((الذين آمنوا)) الذين آمنوا بما يجب الإيمان به مما أخبر الله به ورسوله، وقد بين الرسول عليه الصلاة والسلام أصول الإيمان، بأنها: (الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) لكن ليس الإيمان بهذه الأشياء مجرد التصديق بها، بل لابد من قبول وإذعان وإلا لما صح الإيمان، وأما قوله: ((وعملوا الصالحات)) فهو ثمرة الإيمان أن الإنسان يعمل الأعمال الصالحات، والأعمال الصالحات هي التي بنيت على أساسين هما: الإخلاص لله والإتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فما لا إخلاص فيه فهو فاسد لقول الله تعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) وما لم يكن على إتباع فهو مردود أيضا لا يقبل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) إذا فالصالح أيش؟ ما كان خالصا لله متبعا فيه شريعة الله، ويذكر عن فضيل بن عياض رحمه الله أنه قال: ما كان خالصا صوابا، قال: (( أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار )) هذا المبشر به أن لهم عند من؟ عند الله عزوجل ((جنات تجري من تحتها الأنهار)) جنات توافق ما في الدنيا في الاسم لكنها تخالفه في الحقيقة والكن، لقول الله تعالى: (( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعلمون )) ولهذا لا يجوز أبدا بأي حال من الأحوال أن نتصور بأن هذه الجنات تشبه جنات الدنيا مهما كان الأمر يعني مهما كان في الدنيا من الغابات والأشجار والثمار وغيرها فإنه لا يمكن أن يكون ما وعده الله به المتقين مماثلا لذلك، لقوله تعالى: (( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون )) ولقوله تعالى في حديث القدسي: ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر). ((تجري من تحتها الأنهار )) ((الأنهار)) فاعل ((تجري)) و ((من تحتها)) قال العلماء: من تحت أشجارها وقصورها وليس من أسفل من سطحها لا، لأنها من أسفل من سطحها لا فائدة منها، لكنها تجري من تحت هذه الأشجار والقصور، وما أحسن جري هذه الأنهار إذا كانت من تحت الأشجار والقصور يجد الإنسان فيها لذة قبل أن يتناولها، وهذه الأنهار بينها الله تعالى أنها أربعة أنواع كما قال تعالى: (( مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى )) يخلقها الله عز وجل بدون نحل وبدون بقر وبدون إبل وكذلك الخمر والماء ليس من الأمطار والعيون بل هو خلق الله عز وجل ابتداء ـ أسأل الله أن لا يحرمني وإياكم منها إنه على كل شيء قدير.آمين.