تفسير قوله تعالى : (( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين )) حفظ
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. انتهينا أظن مما سبق من تفسيره وفوائده؟
قال الله عزوجل :(( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين )) استعينوا على أمورهم ((بالصبر)) يعني عليها ((والصلاة) وهي العبادة المعروفة، ((وإنها )) أي الصلاة أو الاستعانة لكبيرة أي شاقة ((إلا على الخاشعين)) أي الذليلين لأمر الله، الاستعانة هي طلب العون والاستعانة بالصبر أن يصبر الإنسان على المكروه، سواء كان مكروها خلقة أو مكروها خلقا، أو من غير ذلك المهم أن يصبر ويحبس نفسه ويحملها المشقة حتى يحصل المطلوب، وهذا مجرب أن الإنسان إذا صبر على الشيء أدرك مناله وإذا مل كسب فاته خير كثير، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ) كثير من الناس يرى أنه بدأيته بهذا العمل مفيدة له فيبدأ ثم لا يحصل له مقصوده بسرعة فيعجز ويكل ويترك، إذا ضاع عليه وقته الأول أليس كذلك ؟ ضاع عليه زمن ربما يكون زمنا كثيرا، ولا يأمن أنه إذا عدل عن الأول ثم شرع في ثان أن يصيبه مثل ما أصابه الأول ويتركه، ثم تمضي عليه حياته بلا فائدة، لكن إذا صبر مع كونه يعرف أنه ليس بينه وبين مرامه إلا امتداد الأيام فقط وليس هناك موجب لقطعه فليصبر، لنفرض أن إنسان إنسان من طلبة العلم همّ أن يحفظ بلوغ المرام وشرع فيه واستمر لكن لحقه الملل فعجز، المدة التي مضت نعم؟ خسارة عليه إلا ما يبقى في ذهنه أو في ذاكرته مما حفظ فقط وإلا راح، لكن لو استمر وأكمل حصل المقصود وعلى هذا فقس، الصلاة قد يقول الإنسان كيف تكون معينة للإنسان؟ نعم تكون معينة لكنها ليست صلاة بل الصلاة الحقيقية التي يكون فيها صلاة القلب قبل صلاة الجوارح، أما صلاتنا غالبا اليوم فهي صلاة الجوارح لا صلاة القلب، ولهذا تجد الإنسان من حين أن يكبر ينفتح عليه أيش أكوام وأبواب واسعة عظيمة من الهواجيس التي لا فائدة منها، ولذلك من حين أن يسلم تنجلي عنه تذهب، لكن الصلاة الحقيقية التي يشعر الإنسان فيها أنه قائم بين يدي الله وأنها روضة فيها من كل ثمرات العبادة لابد أن يسلو بها عن كل الدنيا لابد، لابد أن يسلو عنها عن كل الدنيا بهذه الصلاة، لأنه اتصل بمن ؟ بالله عزوجل الذي هو محبوبه وأحب شيء إليه فنسي ما سواه، أما الإنسان الذي يستعين بالصلاة ليتسلى بها لكن قلبه مشغول بغيرها فهذا لم تنفعه الصلاة من هذه الناحية أبدا، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا حزبه أمر أي اشتد عليه فزع إلى الصلاة ) ويدل لذلك اشتغاله صلوات الله وسلامه عليه في العريش يوم بدر بماذا ؟ بالصلاة ومناشدة ربه النصر.
(( بالصبر والصلاة )) الصلاة هنا تعم الفرض والنفل (( وإنها)) قيل: ((إنها)) أي الصلاة وعللوا ذلك بأنها يا مسعود اقرب عن الجدار بارك الله فيك اقرب عن الجدار ما هو إلى الجدار نعم؟، قالوا إنها أقرب مذكور والقاعدة في اللغة العربية أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور.
ثانيا: أن الصلاة إيجاد، إيجاد لشيء لم يكن موجودا لأنها عمل، والصبر إمساك، والإيجاد أفضل من الإمساك، ولهذا كان الإسلام كله إيجاد يعني إيجاد شيء ليس عدم شيء، والصبر كما قلنا إمساك، والإيجاد أشرف وأبلغ فاستحقت الصلاة أن يكون الضمير عائدا إليه.
ثالثا أن قوله :(( إلا على الخاشعين )) يمتنع أن يراد به الصبر على وجه الإطلاق، لأن من الكفار من يصبر على إلهه أكثر من صبر المؤمن على ربه، أو على شريعة ربه، وعلى عمله أكثر مما يصبر المؤمن (( وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم )) يصبرونهم على آلهتهم، وهذا القول أقرب وأصح .
وقيل إن قوله : ((وإنها)) يعود إلى الاستعانة المفهومة من قوله: ((استعينوا)) لأن فعل استعينوا يدل على زمن وحدث أي على زمن ومصدر، فيجوز أن يعود الضمير على المصدر المفهوم من الفعل أنتم معي؟ كما في قوله تعالى: ((اعدلوا)) أيش ؟ هو أي العدل المفهوم من قوله: ((اعدلوا هو أقرب للتقوى)) لكن المعنى الأول أوضح ((وإنها)) أي الصلاة ((لكبيرة)) أي شاقة ((إلا على الخاشعين)) أهل الخشوع لله عزوجل والذل له، ولهذا تجد الصلاة ثقيلة على من ؟ على المنافقين، لأنه ليس عندهم إيمان، لكنها خفيفة على المؤمن، بل قال النبي عليه الصلاة والسلام :( حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة ) صلوات الله وسلامه عليه ـ فإذا جعل الله قرة عينك في الصلاة فأبشر بالخير فإنها علامة خير وعلامة على أنك من الخاشعين .