تفسير قوله تعالى : (( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين )) وبيان أفضيلة أمة محمد صلى الله عليه وسلم على بني إسرائيل حفظ
ثم قال الله تعالى: (( يبني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين)) وقبلها بآيات ذكرهم الله بهذا (( اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم )) فهل أنعم الله على بني إسرائيل نعما ؟ نعم نعما كثيرة جدا لكنهم كفروها، ومن أراد مزيد علم في هذا الأمر فليقرأ كتاب "إغاثة اللهفان" لابن القيم رحمه الله فإنه بين ما أعطى الله هؤلاء من النعم وكشف أسرارهم وهتك أستارهم رحمه الله. وقوله :(( اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم )) ((نعمتي)) اسم مفرد لكنه مضاعف فيفيد العموم . والمراد بتذكرها ليس أن يذكر الإنسان أن الله أنعم علي بكذا وأنعم بكذا بل المراد أن يقوم بشكر هذه النعمة، وشكر النعمة هو العمل الصالح، والدليل على أن شكر النعمة هو العمل الصالح قول النبي صلى الله عليه وسلم :((إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال :(( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقنكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون )) وقال في الرسل (( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا )) فقال اعملوا صالحا بإزاء قول الله للمؤمنين اشكروا نعمة الله. وقوله: (( التي أنعمت عليكم )) فيها إظهار المنة لله عليهم ، حيث إن هذه النعمة من نعم الله عزوجل أنعم بها عليهم، وأيضا (( وأني فضلتكم على العالمين)) وهذا رفعة الجاه وعلو المنزلة، وخصه بالذكر لأنه أعظم النعم، فإن المراتب أفضل من العطاء ، انظر إلى سورة البينة ذكر الله في الكفار من المشركين وأهل الكتاب ذكر الله جزاءهم قبل أن يثني عليهم بالسوء فقال: (( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية )) أما المؤمنون فقال: (( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاءهم عند ربهم )) لأن علو المرتبة والمنزلة أعظم من كل نعيم، وهنا قال :(( وأني فضلتكم على العالمين )) فعطف هذا الخاص على العام، لأن تفضيله إياهم على العالمين من نعمه، لكنه خصه بالذكر بعد التعميم إشارة إلى أهميته أن الله تعالى فضلهم على العالمين، والعالمون تطلق ويراد بها جميع الخلق ومن ذلك قوله الله تعالى :(( الحمد لله رب العالمين )) المراد بالآية أخ أنت ؟ هنا ((الحمد لله رب العالمين)) من المراد بهم ؟ جميع العالمين تمام طيب. وهنا ((العالمين)) لا يراد بها كل العالم قطعا لأن الله قال لهذه الأمة: (( كنتم خير أمة أخرجت للناس )) إذا المراد بالعالمين من سبقهم، أو عالمي زمانهم، ففيها احتمالات أما عالم زمانهم فقطعا أن الله فضلهم على العالمين، وأما هذه الأمة فنقطع بأنها لم تفضل عليهم وأن هذه الأمة أفضل منهم، وأما من سبقهم فمحل تردد، محل تردد، فلدينا الآن ثلاثة احتمالات، الأول: هل فضلوا على هذه الأمة ؟ قطعا لا، ثانيا: هل فضلوا على عالم زمانهم من آل فرعون وغيرهم ؟ قطعا نعم ، ثالثا: هل فضلوا على من سبقهم من العالمين ؟ هذا عندي محل تردد، يحتمل أن يكون فضلوا عليهم ويحتمل ألا، على كل حال حتى إذا قلنا فضلوا على عالم زمانهم فهو نعمة كبيرة عليهم أن يشكروا الله عليها.