فوائد الآية (( وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خيرٌ لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم ))، وبيان أساليب الدعوة إلى الله. حفظ
ثم قال الله تبارك وتعالى: (( وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ))إلى آخره.
يستفاد من هذا: أنه ينبغي للداعية أن يستعمل الأسلوب الذي يجلب إليه ويعتني الناس عليه، لقوله: ((يا قوم))، فإن هذا لاشك أن فيه من التلطف والتودد والتحبب ما هو ظاهر.
وفيه أيضا دليل على أن اتخاذ الأصنام مع الله أنه ظلم، لقوله: ((إنكم ظلمتم أنفسكم)) .
الفائدة الثالثة: أن المعاصي ظلم للنفوس، ووجه ذلك أن النفس أمانة عندك إن رعيتها بأحسن الرعاية فقد أديت حقها وإن رعيتها بأسوأ الرعاية فقد ظلمتها، ولهذا قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص: ( إن لنفسك عليك حقا ).
وفيها الفائدة الرابعة: أنه ينبغي التعبير بما يناسب المقام، لقوله : ((فتوبوا إلي بارئكم)) لم يقل: إلى الله، لأن ذكر البارئ هنا كإقامة الحجة عليهم في أن العجل لا يكون إلها، فإن الذي يستحق أن يكون الإله من ؟ البارئ، لأنه الخالق.
وفيه دليل على الفائدة الخامسة أظن؟ الفائدة الخامسة وجوب التوبة، لقوله: ((فتوبوا)).
والفائدة السابعة: أن التوبة على الفور.
الطالب : السادسة .
الشيخ : السادسة؟ نعم أن التوبة علي الفور، من أين تؤخذ؟ من قوله: ((فتوبوا)) لأن الفاء للترتيب والتعقيب.
وفيه دليل أيضا على إثبات الأسباب، لقوله: ((باتخاذكم )) فإن الباء هنا للسببية.
وفيه دليل على أنه ينبغي للداعية كشف الأمور وبيانها، لأنه ما قال: ((ظلمتم أنفسكم)) وأجمل بل بين في قوله: ((باتخاذكم العجل)) وهو ما يسمى عندنا بالعرف : وضع النقط على الحروف، لأنه قال: ((ظلمتم أنفسكم)) صحيح ظلم لكن إذا نص وبين وكشف المبهم فهو أولى وأحسن.
السائل : إذا كان ينفر البيان؟
الشيخ : إذا كان ينفر فإنه قد يعرض للمفاضل ما يجعل المفضول أفضل منه .
وفيه أيضا دليل على سفاهة بني إسرائيل، من أي وجه؟ من اتخاذهم العجل إلها، العجل هم الذين صنعوه بأنفسهم ويعرفون أن العجل المخلوق الذي أفضل منه ما يصح إلها، وهم جعلوا هذا الجسد جعلوه إلها ، عجلا جسدا ما فيه روح ومع ذلك اتخذوه إلها فهذا دليل على سفاهتهم، سفاهة عقولهم.
وفيه دليل على ما وضع الله تعالى على بني إسرائيل من الأغلال والآصار حيث كانت توبتهم بأن يقتل بعضهم بعضا، لقوله: ((فاقتلوا أنفسكم)) لو وقعت هذه في أمة محمد فما هو الطريق للتخلص منها؟ أن يتوبوا إلى الله ويرجعوا من هذا الذنب ويقبلوا على توحيده وعبادته ويتخلصوا منه نهائيا ولا يشرع لهم أن يقتلوا أنفسهم في هذه الأمة .
وفيه أيضا دليل على أن القتل قد يكون خيرا للإنسان إذا أدى إلى ما هو أفضل منه، لقوله: ((ذلكم خير لكم عند بارئكم)) وتعلمون أن القصاص إضافة قتل نفس أخرى إلى المقتول، ولكن عاقبته حميدة، ولهذا صار جائزا وسائغا و قال الله فيه: (( ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون)) .
وفيه أيضا دليل على أن الله سبحانه وتعالى يتوب على التائبين مهما عظم ذنبهم، لقوله: ((فتاب عليكم)) ففيها إثبات اسمين من أسماء الله وهما: التواب والرحيم. وإثبات ما تضمناه من صفة وهي: التوبة والرحمة، وإثبات ما تضمناه من صفة باقترانهما لا كل على انفراد، باقترانهما، لأنه لما اقترنا تولدت أو نتج من اجتماعهما صفة ثالثة وهي: دفع المضار وجلب المنافع، من أين؟ لأن التواب به دفع المضار والرحيم به جلب المنافع.
وفيه دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يتعرض لما يقتضيه هذان الاسمان من أسماء الله، فيتعرض لتوبة الله ورحمته فيتوب إلى ربه سبحانه وتعالى ويرجوه الرحمة وهذا هو أحد المعاني التي قال عنها رسول صلي الله عليه وسلم: ( من أحصاها دخل الجنة) فإن من إحصائها أن يتعبد الإنسان لله بمقتضاه .