تفسير قوله تعالى : (( وإذ قلنا ادخلوا هـذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً وادخلوا الباب سجداً )) حفظ
ثم قال تعالى: (( وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية)) يعني واذكروا يبني إسرائيل إذ قلنا: ((ادخلوا هذه القرية)) ((ادخلوا)) أمر كوني وإلا شرعي؟ شرعي، أي نعم كوني وشرعي، لأنهم أمروا بأن يدخلوها سجدا وأمروا بأن يدخلوا القرية في القتال وأبيحت لهم أيضا، دخلوها فعلا .
وقوله: ((هذه القرية)) اختلف المفسرون في تعيين هذه القرية، والصواب أن المراد بها بيت المقدس، الصواب أن المراد بها بيت المقدس،لأن موسى قال لهم: ((ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم )).
وقوله: ((هذه القرية)) القرية مأخوذة من القري وهو التجمع وسميت القرية قرية لتجمع الناس بها، ومفهوم القرية في اللغة العربية يا غانم غير مفهومها في العرف، لأن مفهوم القرية في العرف البلد الصغير والكبير يسمى مدينة، ولكنه في اللغة العربية وهي لغة القرآن لا فرق، فالله تعالى سمى مكة أم القرى، القرى مع أن غير مكة فيه مدن عظيمة، مدن عظيمة جدا فسماها أم القرى وكذلك قال الله تعالى: (( وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك )) والمراد بالتي بالقرية التي أخرجتك؟ مكة ، يقول: ((وكأين من قرية هي أشد قوة)) هذه معناها أنها كبيرة وعظيمة ومع ذلك سماها الله تعالى قرية، هذه القرية.
(( فكلوا منها حيث شئتم رغدا )) ((فكلوا منها حيث شئتم رغدا)) قوله: ((فكلوا منها))، ادخلوا فكلوا منها، الأمر هنا في قوله: ((ادخلوا)) هذا أمر كوني يصير ((فكلوا)) الأمر للإباحة يعني فأبحنا لكم أن تأكلوا منها ((حيث شئتم رغدا)) قوله : ((حيث شئتم)) يعني في أي مكان كنتم من البلد في وسطها أو أطرافها تأكلون ما تشاءون.
وقوله: ((رغدا)) أي طمأنينة وهنيئا لا أحد يعارضكم في ذلك ولا يمانعكم، ولا يقال إن هذا مثلا يخالف قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ) نقول لهذا أنهم ما هي غنائم هذه ،ولكنه أبيح لهم أن يأكلوا من هذه الأرض سواء كان بطريق الشراء أو بطريق المعاملة المزارعة أو ما أشبه ذلك.
(( وادخلوا الباب سجدا)) ((أدخلوا الباب)) أي باب؟ باب القرية ، ((ادخلوا الباب)) يعني باب القرية، لأن القرى يجعل لها أبواب تحميها من الداخل والخارج وقوله: ((الباب)) هذه أل للعهد، أي عهد هو؟
الطالب : ذهني.
الشيخ : ذهني، لأنه ما سبق ذكره وليس حضوريا، لأنه ليس بحاضر فيكون ذهنيا ويكون مفهوما من قوله: (( القرية)) لأنه قرية لها باب.
وقوله: ((سجدا)) منصوب على أنه حال من؟ من الواو في ((ادخلوا)) .
ما المراد بهذه السجود؟ قيل: المراد به الخضوع كقوله تعالى: ((ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب)) إلى آخره ، فالمراد به الخضوع.
وقيل: المراد به الركوع كقوله تعالى: ((ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا )).
وقيل: المراد به السجود حقيقة، لأنه ظاهر اللفظ، وعلى هذا القول لا يسلم بأن معنى الآية : (( ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض)) معناها مطلق الخضوع بل هو سجود ولكل أحد سجود يناسبه، وكذلك لا يسلم بأن قوله: ((خروا له سجدا)) أي ركعوا له بل إنما هم سجدوا حقيقة لأن قوله: ((خروا)) يدل على ذلك، وعليه إذا قلنا بأن المراد بقوله: ((سجدا)) أي سجود حقيقة على الأرض يكون فيه إشكال، لأن دخولهم في هذه الحال متعذر إذ أن الإنسان إذا كان ساجدا ما يستطيع يدخل، هو ثابت في مكان اليس كذلك؟ ((ادخلوا الباب سجدا)) كيف يدخلون سجدا؟ فيقال الجواب على ذلك بسيط: هذه الحال ليست حال المقارنة بل هي حال في المستقبل، لأن الحال تارة تكون مقارنة للفعل وتارة تكون متأخرة عنه، فالمراد: إذا دخلتم الباب فاسجدوا لله تعالى شكرا على هذه النعمة، ولهذا لما فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة صلى ثماني ركعات ضحى، من العلماء من قال: إنها سنة الضحى ومنهم من قال: إنها سنة الفتح وجعل هذا الفتح له سنة وإن الإنسان إذا دخل يصلي، وهذا أقرب بأننا إذا قلنا بأن المراد بالسجود حقيقته لم نخرج عن ظاهر اللفظ، والواجب علينا في التفسير القرآن وفي شرح الحديث أن نأخذ بأيش؟ بظاهر اللفظ ما لم يمنع منه مانع، إن منع منه مانع وإلا فالواجب الأخذ بظاهره إذا ((ادخلوا الباب سجدا)) يعني فإذا دخلتموه فاسجدوا حالا... .