تفسير قوله تعالى : (( كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين )) حفظ
(( قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا )) هذا الأمر للإباحة وإلا للوجوب ؟ للإباحة، واعلم أن المباح في الأصل قد يكون واجبا أحيانا، وقد يكون محرما أحيانا، وقد يكون مستحبا، وقد يكون مكروها، لأن المباح قد تتعلق به الأحكام الخمسة (( أحل الله البيع )) لكن قد يكون البيع واجبا، وقد يكون حراما، أليس كذلك؟ قد يكون مستحبا وقد يكون مكروها، فهنا إذا حملناها علي الإباحة (( كلوا واشربوا)) تضمنت الوجوب فيما إذا خشي الإنسان على نفسه التلف فإنه يجب عليه أن يأكل ويشرب، أما إذا قلنا أن هذا الأمر الذي للوجوب خرج عنا ما سواه من الإباحة وغيره.
وقوله: (( من رزق الله )) أي من عطائه حيث أخرج لكم من الثمار ورزقكم من المياه فلم يجعل عليكم شيئا ينقصكم (( ولا تعثوا في الأرض مفسدين )) لأن حقيقة الأمر أن الذي يمن الله عليه بالرزق أكلا وشربا أن يجب عليه مقابل ذلك الشكر الذي هو الصلاح والإصلاح، ولهذا قال: (( لا تعثوا في الأرض )) ومعنى ((لا تعثوا)) أي لا تسيروا مفسدين، فالعتو أو العتي معناها الإفساد ، الإسراع في الإفساد، ومن ثم نقول: إن قوله : ((مفسدين)) حال من الواو في قوله: (( لا تعثوا )) مؤكدة لعاملها مؤكدة لعاملها، كيف مؤكدة لعاملها ؟ لأن العتو أو العتي معناه الفساد فتكون هذه الحال مؤكدة يعني: لا تفسدوا مفسدين.
وقوله: ((ولا تعثوا في الأرض مفسدين)) بماذا يكون إفساد الأرض ؟ بالمعاصي، يكون إفساد الأرض بالمعاصي لقوله تعالى: ((ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)) فدل هذا على أن الفساد في الأرض يكون بالمعاصي، وأن مسئولية الفساد في الأرض من حروب والفتن وزلازل وقحط وجدب ومرض مسئوليتها على من؟ على أهل المعاصي، هم السبب وهم الشؤم على بني آدم، لأن الله يقول: (( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون)) فما وجدت مصيبة إلا بمعصية (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)) وهذا الذي حصل لهم من رزق الله تعالى أكلا وشربا كان عليهم أن يشكروا الله عليه وأن يستمروا على طاعته وأن يبعدوا عن الفساد وأن يشرعوا في الإصلاح لكن ما الذي حصل؟