تتمة تفسير قوله تعالى : (( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوفٌ بالعباد )) وإثبات صفة الرأفة لله وأنها أخص من صفة الرحمة. وذكر الأوجه القرآئية في قوله (( والله رؤوف )) حفظ
المهم قوله تعالى: (( ومن الناس من يشري نفسه )) هذا هو القسيم الثاني ، أول القسيم بقوله: (( ومن الناس من يعجبك )) فعلى هذا تكون من للتبعيض من الناس ، ومن مبتداء والجار والمجرور قبله خبره ، وقال بعض أهل النحو إن من التبعيضية اسم لأنها بمعنى بعض ، وعليك هي مبتداء وتكون (( من يشري )) خبره ، وقوله: (( من يشري نفسه )) أي يبيعها لأن شرى بمعنى باع ، كقوله تعالى: (( وشروه بثمن بخص دراهم معدودة )) شروه يعني باعوه بثمن بخس ، أما اشترى فهي التي بمعنى باع، إذا جاءت التاء فهي للمشتري للآخذ ، وإذا حذفت التاء فهي للبايع المعطي نعم . (( من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله )) يعني ذاته ، يعني يبيع نفسه ابتغاء مفعول من أجلها أي طلبا (( مرضات الله )) أي رضوانه، أي يبيع نفسه في طلب رضا الله عز وجل فيكون قد باع نفسه مخلصا لله عز وجل في هذا البيع . ثم قال: (( والله رءوف بالعباد )) كلمة من الناس هل تعني شخصا معينا أو هي عامة ؟ قال بعض المفسرين: إنها تعني شخصا معينا وهو صهيب الرومي لما أراد أن يهاجر من مكة منع كفار مكة ، وقالوا ما يمكن تهاجر أبدا إلا أن تدع لنا جميع ما تمتلك فنحن لا نعترض عليك ، فوافق على ذلك وأنقض نفسه بالهجرة ابتغاء مرضات الله، وقال بعض العلماء بل هي عامة وهم أكثر المفسرين ، عامة لكل المؤمنين المجاهدين في سبيل الله ، قالوا ودليل ذلك قوله تعالى: (( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون )) وهذا القول أصح أنها للعموم حتى لو صح أن سبب نزولها قصة صهيب فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . قال الله : (( والله رءوف بالعباد )) معناه يعني أن هؤلاء الذي ضعوا أنفسهم ابتغاء مرضات الله فإن الله تعالى يشملهم برأفته بقوله: (( والله رءوف بالعباد )) قال العلماء الرأفة أرق الرحمة ، يعني أعلى درجات الرحمة بالرقة ، إذا فهي رحمة في غاية ما يكون من الرقة فتكون رأفة ، فمن أسماء الله تعالى رءوف ومن صفاته الرأفة ، لأن كل اسم من أسماء الله تعالى فهو دال على صفة أو صفتين أو أكثر كما مر، وقوله: (( بالعباد )) أل هنا للعموم فهي نائبة مناب كل أي بكل العباد والمراد بالعباد هنا من كانوا عبيدا له بالمعنى القدري لا بالمعنى الشرعي ، فرأفة الله ورحمته شاملة لكل أحد ، لكن من كان مؤمنا حصلت له الرأفة الخاصة والعامة ، ومن كان غير مؤمن فله الرأفة العامة ، واعلم أن العبودية لها معنيان: خاص ، وعام ، والخاص له أخص وهو خاص الخاص ، فمن العام قوله تعالى: (( إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا )) ومنه قوله تعالى: (( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين )) هذا القول بأن استثنى هنا متصل، وأما إذا قلنا إنه منقطع فإن قوله: (( إن عبادي )) من القسم الخاص ، وأما الخاص فمثل قوله تعالى: (( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا )) من المراد بهم كل العباد؟ لا، الذين عباد الرحمن المتصفون بهذه الصفات فيخرج من لم يتصف بها ، والذي أخص مثل قوله تعالى: (( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده )) هذه عبودية أخص عبودية الرسالة . يقول الله عز وجل: (( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة )) (( أدخلوا في السلم كافة )) ، قوله : (( رءوف )) عندي فيها قراءة ثانية وهي: رءف بدون واو ((والله رءوف بالعباد)) نعم .