تفسير قوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافةً )) وذكر الأوجه القرآئية في قوله (( السلم )) و (( خطوات ))، وبيان فائدة الخطاب بوصف الإيمان. حفظ
يقول الله عز وجل: (( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين )) السلم فيه قراءتان: السلم والسلم نعم ؟ وخطوات فيها قراءتان: خطوات بضم الطاء ، وخطوات بسكون الطاء نعم ، قال: (( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة )) (( يا أيها الذين آمنوا )) الخطاب للمؤمنين ، وقد تقدم أن الله تعالى إذا ابتدأ الحكم بالنداء فهو دليل على العناية به ، لأن المقصود بالنداء تنبيه خاص ، ولا يقتضي التنبيه إلا ما كان مهما، لأنك الآن لو أقول انتبه يكون أقل مما لو قلت يا فلان انتبه ، لأن الخطاب له للتنبه ، فالنداء الحكم المصدر بالنداء يدل تصديره بذلك على أنه عام ولهذا صدرت نداء الموجب للتنبه ، ثم إذا كان الخطاب للذين آمنوا فإن في ذلك ثلاث فوائد كما سبق ، فائدة أولى يا مصطفى؟ الطالب : أن هذا المشار إليه ، الشيخ : أن امتثال هذا الأمر من مقتضيات الإيمان ، الفائدة الثانية: الطالب : ما ينهاهم عنه هو شر، الشيخ : لا ، الطالب : الحث والإغراء ، الشيخ : نعم صح الحث والإغراء ، إذا قال لك يا مؤمن يحثهم لأن مقتضى إيمانهم يفعل ، مثل ما لو قلت: يا أيها الكريمة زد على الفقير، هذا مقصوده الإغراء بكرمه حتى يتذكر صفته وهي الكرم ، هذا ليتذكر صفته وهي الإيمان ، الفائدة الثالثة : أن هذا الفعل إن كان أمرا من كمال الإيمان وتركه من نقص الإيمان ، وفعلهم نهيا نقص الإيمان واجتنابه لله يزيد في الإيمان . هنا نشوف الذي معنا أمر ولا نهي؟ (( يا أيها الذين آمنوا )) ويش بعده ؟ أمر (( ادخلوا )) فيكون الدخول بالسلم من مقتضيات الإيمان ، ويكون الدخول بالسلم مكملا للإيمان ، ويكون عدم الدخول بالسلم منقصا في الإيمان ، كل هذا استفدنا من الخطاب بيا أيها الذين آمنوا. قال: (( ادخلوا في السلم )) السلم والسلم بمعنى الإسلام وهو الاستسلام لله تعالى ظاهرا وباطنا . فإن قال قائل: كيف يقول: (( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم )) ونحن عرفنا من قبل أن الإيمان أكمل من الإسلام لقوله تعالى: (( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم )) فكيف يقول: (( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم )) ؟ قلنا إن هذا الأمر مقيد بما بعد قوله: (( في السلم )) وهو قوله: (( كافة )) فهنا يتوجه الأمر ، أو إلى هنا الذي (( كافة )) يتوجه الأمر ، يعني نفذوا أحكام الإسلام جميعا لا تفرطوا في شيء منها ، لأن هذا مقتضى كمال الإيمان ، يكون هنا الأمر منصب على مجرد الدخول في السلم وإلا منصب على قوله (( كافة )) ؟ على قوله (( كافة )) ، وقوله: (( كافة )) اسم فاعل يطلق على من يكف غيره ، فتكون التاء فيه للمبالغة مثل راوية ، ساقية ، علامة وما أشبهها ، فالتاء هنا في هذه الأمثلة الثلاثة للمبالغة ، فيكون (( كافة )) بمعنى كافا ، وتكون كافة بمعنى كافا والتاء للمبالغة، قالوا ومنه قوله تعالى: (( وما أرسلناك إلا كافة للناس )) معناها أي كافا لهم ، كافا لهم عما يضرهم، لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ، فمعنى كافة أي كافا عما يضرهم نعم ؟ والتاء هنا للمبالغة، ومثلي بذلك أيضا قوله تعالى: (( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة )) وقالوا إن قاتلوهم كافة أي كافين لهم عن الشرك كما يقاتلونكم كافين لكم عن الإسلام ، لقوله: (( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله )) (( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام )) فهم يقاتلوننا ليكفونا عن ديننا فنحن نقاتلهم لنكفهم عن الشرك والكفر ، وتطلق (( الكافة )) بمعنى الجماعة مثل العامة كما يقال كافة الناس أي عامتهم وجماعتهم ، ووجه ارتباطها بالمعنى الأصدية والكف أن الجماعة لها شوكة ومنعة تكف بجمعيتها من أرادها بسوء ، فلهذا سميت الجماعة كافة ، ويش الذي قلنا ؟ مثل كافة الناس أو عامة الناس أو جماعتهم نعم ؟ قال: وبعثت إلى الناس كافة ولا عامة ؟ عامة ، لكن (( وأرسلناك كافة للناس )) ؟ (( وأرسلناك )) على كل حال أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة ، كافة يعني جميعا ، هنا (( ادخلوا في السلم كافة )) هل المراد ادخلوا في السلم جميعا وتكون كافة حالا من السلم ؟ أو ادخلوا أنتم جميعا في السلم ؟ وتكون ((كافة) حالا من الواو في قوله: (( ادخلوا )) أيهما أقرب؟ الأقرب المعنى الأول ، لأننا لو قلنا بالمعنى الثاني ادخلوا جميعا في السلم صار معنى ذلك أن بعض المؤمنين لم يدخلوا في الإسلام وحينئذ فلا يصح أن يتوجه إلى النداء بوصف الإيمان ، والمعنى الثاني هو الصواب أن (( كافة )) حال من؟ من السلم ، يعني ادخلوا في الإسلام كله جميعا لا تدعوا شيئا من شعائره، وهذا هو المعنى الصحيح للآية ، وهو الذي ينطبق على مقتضى الإيمان ، لأن مقتضى الإيمان أن يكون الإنسان بجميع الشرائع ما يأخذ بشريعة ويدع شريعة . نعم ؟