تفسير قوله تعالى : (( كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم )) وإعراب الآية، وتقسيم كتابة الله إلى كتابة كونية وكتابة شرعية والفرق بينهما. وبيان أن الكرهية عائدة إلى القتال لا إلى ما فرضه الله. حفظ
ثم قال الله تعالى: (( كتب عليكم القتال )) قال: (( فإن الله به عليم )) الجار والمجرور في: (( به )) متعلق بماذا ؟ بعليم ، نعم (( كتب عليكم القتال وهو كره لكم )) (( كتب )) أي فرض ، والكتب في الأصل بمعنى الفرض ، ومنه قوله تعالى: (( كتب عليكم الصيام )) وقوله تعالى: (( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا )) والكتب كتب الله عز وجل ينقسم إلى قسمين: كتاب شرعي ، وكتاب كوني ، الكتاب الكوني لابد أن يقع ولا يمكن أن يتخلف ، والكتاب الشرعي قد يفعله المكتوب عليه وقد لا يفعله، فـ (( كتب عليكم الصيام )) قد يصوم الناس وقد لا يصومون، ((كتب عليكم القتال )) قد يقاتلون نعم ؟ وقد لا يقاتلون، لكن (( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر )) هذا الكتابة الكونية القدرية هذه لابد أن تكون، ((كتب الله لأغلبن أنا ورسلي )) كتابة أيش؟ كونية لابد أن تكون، فالكتابة إذا نوعان: كتابة كونية ، وكتابة شرعية ، والفرق بينهما: أن الكتابة الكونية لابد من وقوع المكتوب فيها بخلاف الكتاب الشرعية. الفرق الثاني: أن الكتابة الكونية تتعلق بما يحبه الله وما لا يحبه نعم وأما الكتابة الشرعية فلا تكون إلا فيما يحبه الله ، لا يمكن أن يفرض الله على عباده ما لا يحبه بل كل ما فرضه فهو محبوب إليه . وقوله: (( كتب عليكم القتال )) أي قتال هو؟ قتال أعداء الله الكفار ، والقتال مصدر قاتل ، وهذه الصيغة الغالب أنها لا تأتي إلا بين اثنين، قاتل وشارك وما أشبهه ، وقوله: (( وهو كره لكم )) الضمير في قوله: (( وهو )) يعود على القتال وليس يعود على الكتابة فإن المسلمين لا يكرهون ما فرض الله عليهم ، لكنهم يكرهون القتال بحسب الطبيعة البشرية ، وفرق بين أن نقول إننا نكره ما فرض الله من القتال وبين أن نقول إننا نكره القتال ، فكراهة القتال أمر طبيعي ، فإن الإنسان يكره أن يقاتل أحدا من الناس فيقتله أو يصبح مقتولا ، لكن إذا كان هذا القتال مفروضا علينا صار محبوبا إلينا من وجه ومكروها لنا من وجه آخر ، فباعتبار أن الله فرضه علينا يكون محبوب إلينا ، وباعتبار أن النفس تنفر منه وتكرهه يكون مكروها إلينا ، ومن أجل أن النفس تنفر منه وتكرهه وهو ثقيل عليها صار فيه هذا الأجر العظيم ، صار الشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم (( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين )) انتبه ، إذا هل ينافي كراهة القتال ، هل كراهة القتال تنافي صدق العبادة ؟ لا ، لأن الإنسان يحب هذا القتال من حيث إن الله فرضه عليه ، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يأتون إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام يصرون أن يقاتل فيردهم أحيانا لصغرهم فيأسفون حتى إنه رد في أحد بعض الصحابة الصغار قال يا رسول الله كيف تردني وأنت أذنت لفلان وأنا الآن أستطيع أن أصارعه ، قال أبغى مصارعة خله يصارعني ، فصارعه فصرعه فإذن له كل هذا من محبتهم للقتال ، كذلك أيضا عمرو ابن الجموح رضي الله عنه كان أعرج فجاء يعني لزم بالقتال وكان أولاده يقولون له لا تخرج إن الله قد عذرك فجاء هو وإياهم إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وأخبروه فقال له النبي عليه الصلاة والسلام فقال ( يا رسول الله إني أريد أو إني أحب أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة ) ـ الله اكبر ـ لما رآه النبي عليه الصلاة والسلام متعلقا بالقتال أذن له وقال لأولاده قولا يعني أنه إذا كان يحب أن يخرج فلا تمنعوه، فالحاصل أن الصحابة رضي الله عنهم ما كرهوا القتال بعد أن فرضه الله بل أحبوه لأن الله فرضه ، وكم من أشياء يكرهها الإنسان لو لا أن الله تعالى أمر به فيحبها لأن الله أمر بها ، الآن الحج فيه مشقة من حيث كونه مشقة قد يكرهه الإنسان لكن إذا علم أن فيه رضى الله أحبه ، بذل المال بالزكاة مثلا الإنسان مجبور على حب المال (( وتحبون المال حبا جما )) لكن إذا علم أن في ذلك رضى الله هان عليه وهذا هو وجه الامتحان للعبادات التي يكلف بها العبد، وقوله: (( وهو كره لكم )) (( كره )) مصدر بمعنى اسم المفعول أي مكروه لكم ، والمصدر بمعنى اسم المفعول يأتي كثيرا مثل قوله تعالى: (( وإن كن أولاة حمل فأنفقوا عليهن )) يعني حمل بمعنى محمول الذي في البطن ، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أي مردود، هنا (( كره )) بمعنى مكروه والجملة هذه (( وهو كره لكم )) الجملة محلها من الإعراب ؟ محل النصب على الحال ، والحال أن القتال كره لكم، ولكن شف التسلية من الله عز وجل: