تفسير قوله تعالى : (( فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء )) وتعريف المغفرة لغة وشرعا حفظ
قال: ((فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء)) ((يغفر)) المغفرة مأخوذة من المغفر وهو ما يضعه الإنسان في القتال على رأسه يتقي به السهام، وهذا أعني المغفرة يجمع بين الستر والوقاية، ولهذا نقول: إن مغفرة الله للذنب تتضمن شيئين، أحدهما: الستر، والثاني: العفو والوقاية من أثر الذنب، أما الستر فمعناه أن الله يخفي عن العباد ذنب هذا المذنب ولا يطلع عليه أحد، وأما العفو والتجاوز فمعناه أن الله لا يعاقب هذا المذنب، لا يعاقبه لأنه غفر له، إذا المغفرة هي ستر الذنب ويش بعد؟ والتجاوز عنه والعفو وعدم المعاقبة عليه وليست مجرد الستر لأنها مأخوذة من المغفر، وقوله: ((لمن يشاء ويعذب من يشاء)) ((من يشاء)) هذه من صيغ العموم يعني من شاء الله أن يغفر له غفر ومن شاء أن لا يغفر لم يغفر، ولكن سبق لنا مرارا وتكرارا أن كل فعل من أفعال الله معلق بالمشيئة فإنه تابع لحكمة إن اقتضته حصل وإن لم تقتضه لم يحصل بدليل قوله تعالى: ((وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما)) وعليه فيغفر لمن يشاء ممن اقتضت حكمته أن يغفر له ، ويعذب من يشاء ممن اقتضت حكمته أن يعذبه، وقوله: ((يعذب)) العذاب هو التألم من شيء والتضجر منه، وقد يكون عقوبة وقد لا يكون عقوبة، قد يكون عقوبة يعاقب به الإنسان وتكون بقدر ذنبه بلا زيادة، وهي قابلة للنقص، وقد لا تكون عقوبة بل مجرد ألم ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام : (إن الميت يعذب بما نيح عليه، أو ببكاء أهله عليه) فإن هذا العذاب ليس عذاب عقوبة، لأن الله يقول:((ولا تزر وازرة وزر أخرى)) ولكنه عذاب تألم، تألم وتوجع، فهو نظير قوله صلى الله عليه وسلم: ( السفر قطعة من العذاب) وأحيانا تقول: عذبتني رائجة البصل، عذبتني رائحة الدخان، مع أنها ليست عقوبة ولا فيها ضرر، لكنها تؤذي، والمراد بقوله هنا: ((يعذب)) أي القسمين؟ العذاب الذي هو عقوبة لأنه على ذنب، ((ويعذب من يشاء)) أي بالعقوبة .