تفسير الآية : (( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هن أم الكتاب وأخر متشابهات... )) . حفظ
ثم قال الله عز وجل: (( هو الذي أنزل عليك الكتاب )) هو الضمير يعود على (( الله )) وتأمل هنا ترابط الآيات بعضها من بعض لما ذكر الله عزوجل أنه هو المصور وأنه ابتداء الخلق ذكر بعده إنزال الكتاب الذي به الهداية مثل: (( الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان )) فأحيانا يبين الله النعمة الدينية قبل، وأحيانا يبين الله النعمة الدنيوية قبل، فالتصوير هنا بدأ الله به ثم ذكر إنزال القرآن، لكن (( الرحمن علم القرآن )) ذكر تعليم القرآن قبل خلق الإنسان . ثم قال: (( هو الذي أنزل عليك الكتاب )) والمراد به القرآن وسبق معنى كونه كتابا: أنه مكتوب في لوح المحفوظ، وفي الصحف التي بأيدي الملائكة، وفي الصحف التي بأيدينا . ثم قسم الله هذا الكتاب فقال: (( منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر )) يعني ومنه أخر (( متشابهات )) وهنا يتعين أن نقول: ومنه أخر ليتم التقسيم، قوله: ((آيات محكمات)) الآيات جمع آية وهي العلامة وكل آية في القرآن فهي آية على منزلها لما فيها من الإعجاز والتحدي، وقوله: (( محكمات )) أي متقنات في الدلالة والحكم والخبر، يعني أخبارها وأحكامها متقنة معلومة ما فيها إشكال ، (( وأخر متشابهات )) يعني أن أحكامها غير معلومة أو أخبارها غير معلومة فصار المحكم المتقن في الدلالة سواء كان خبرا أو حكما، المتشابه الذي دلالته غير واضح سواء كان خبرا أو حكما . ثم قال: (( هن أم الكتاب )) قدم وصف هذه المحكمات وبيان هذه ليتبادر إلى الذهن أول ما يتبادر أنه يرد المتشابهات إلى المحكمات لأنها أم، وأم الشيء مرجعه وأصله، قال الله تعالى: ((يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)) أي المرجع وهو اللوح المحفوظ الذي ترجع الكتابات كلها إليه، ومنه سميت الفاتحة أم الكتاب لأن مرجع القرآن إليها ، فهذه المحكمات يجب أن ترد المتشابهات إليها، إلى هذه المحكمات . قال الله تعالى: (( وأخر متشابهات )) متشابهات في أيش؟ في الدلالة سواء كان حكما أو خبرا ، ولهذا نجد أن بعض الآيات لا تدل دلالة صريحة على الحكم الذي استدل بها عليه، وبعض الآيات خبرية أيضا لا تدل دلالة صريحة على الخبر الذي استدل بها عليه ، فماذا نعمل ؟ قال: (( فأما الذين في قلوبهم زيغ ... )) ينقسم الناس بالنسبة إلى هذه المتشابهات إلى قسمين: قسم يتبعون المتشابه ويعضونه أمام الناس، يعرضونه على الناس يقول: كيف كذا، كيف كذا ، وقسم آخر (( يقولون آمنا به كل من عند ربنا )) وإذا كان كل من عند ربنا فإنه لا يمكن أن يتناقض ولا يمكن أن يتخالط بل هو متحد متفق فيرد المتشابه منه إلى المحكم ويكون الجميع محكما . يقول الله عز وجل: (( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه )) الزيغ بمعنى الميل ، ومنه قولهم: زاغت الشمس إذا مالت عن كبد السماء . (( الذين في قلوبهم زيغ )) أي ميل عن الحق ولا يريدون الحق، يتبعون المتشابه فتجدهم ـ والعياذ بالله ـ يأخذون آية القرآن التي فيها اشتباه حتى يضربوا بعضها ببعض، وما أكثر هذا عند النصارى ، النصارى الآن يدخلون تشكيكات كثيرة على المسلمين في المتشابه ، مثلا يقولون: إن الله ثالث ثلاثة عندنا دليل ألستم تقرءون في القرآن: (( إنا نحن نزلنا )) ؟ (( وإذ أخذنا من النبيين )) صيغة الضمير صيغة جمع، إذا فالله تعالى أكثر من اثنين ثلاثة، وهكذا يؤتون بأشياء يموهون بها الناس لأن في قلوبهم زيغا، كذلك أيضا بعض الآيات ظاهرها التعارض مثل قوله تعالى: (( يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا )) هنا قال: (( لا يكتمون الله حديثا )) وفي آية أخرى يقول: (( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين )) فكتموا ولا لا؟ إلا كتموا قالوا : (( والله ربنا ما كنا مشركين )) كتموا، أنكروا أن يكونوا مشركين، كذلك أيضا يأتيك يقول: (( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه )) وقال في آية أخرى: (( ونحشر المجرمين يومئذ زرقا )) ثم يأتيك ويقول: (( ولا يؤذن لهم فيعتذرون )) في آية أخرى: يعتذرون ، يقولونك إنه لو ردوا إلى الدنيا لصلحوا واستقامت أحوالهم فيعتذرون، المهم أن الذين في قلوبهم زيغ يأتون بهذه الآيات المتشابهة ليصدوا عن سبيل الله، ويشككوا الناس في كلام الله عزوجل يعني: وأما الذين ليس في قلوبهم زيغ وهم الراسخون في العلم الذين عندهم من العلم ما يتمكنون به ما يجمع بين الآيات المتشابهة وأن يعرفوا معناها، فهؤلاء لا يكون عندهم التشابه ، (( يقولون آمنا به كل من عند ربنا )) فلا يرون في القرآن شيئا متعارضا منا قضا .