ذكر قصة هلاك فرعون. حفظ
وبماذا أخذ فرعون وقومه؟ أخذ بغرق فأهلك بما كان يفتخر به، كان يقول لقومه: (( أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي )) فأهلك بماذا ؟ بالماء الذي كان يجري جنسه من تحته، وكان مفخرة له أهلكه الله عزوجل بالماء والقصة معروفة فإن فرعون جمع جميع أهل المدائن من أجل الكيد لموسى فخرج موسى من مصر هو وقومه واتجهوا بأمر الله إلى جهة بحر القلزم وهو البحر الأحمر المعروف الذي يفرق بين قارة أفريقيا وآسيا من ناحية جدة فلما وصلوا إلى البحر قال أصحاب موسى: (( إنا لمدركون )) كيف ؟ لأن البحر أمامهم وفرعون وقومه وفرعون وقومه خلفهم فهم هالكون على كل حال، إن ذهبوا إلى البحر هلكوا بالبحر وإن بقوا هلكوا بفرعون وجنوده فقال موسى عليه الصلاة والسلام: (( كلا )) يعني لستم بمدركين، ثم علل ذلك بقوله: (( إن معي ربي سيهدين )) الله أكبر ـ شف الإيمان عند الشدائد كيف يكون؟ يرى أن البحر أمامه وفرعون وجنوده خلفه وأصحابه على ما عندهم من الإيمان قالوا: (( إنا لمدركون )) لكنه قال: (( كلا إن معي ربي سيهدين )) ـ الله أكبر ـ فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر فضرب البحر بعصاه فانفلق بعد كم يوم؟ في الحال بلحظة، الدليل أنه بلحظة؟ لأنه قال: (( فانفلق )) (( أن اضرب بعصاك البحر فانفلق )) شف حذف الله حتى الفعل الذي حصل به الانفلاق نعم ؟ لأن هذا البحر لما أمر الله موسى أن يضربه تهيأ، تهيأ للانفلاق بمجرد هذه الضربة التي وقعت عليه انفلق، وكم كان؟ كان اثني عشر طريقا يبسا، يبس في الحال وصاروا يمشون عليها على أقدامهم، وكانت المياه ككتل الجبال، وذكر بعض المفسرين من خبر بني إسرائيل أن الله جعل في هذه الكتل نوافذ يرى بعضهم بعضا كل هذه يرى بعضهم بعضا ليطمئن بعضهم على بعض، لما تكامل موسى وقومه خارجين وإذا بفرعون قد دخل هو وقومه فأمر الرب عزوجل البحر فانطبق عليه في الحال فغرقوا عن آخرهم ولما أدرك فرعون الغرق قال: (( آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )) لما رأى العذاب وعاين آمن أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ولكن لم ينفعه ذلك كما قال الله تعالى في أمثاله: (( فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا )) ولهذا قيل لفرعون: (( آلآن )) يعني آلآن تؤمن أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ؟ (( وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين )) يعني هذا الاستفهام للإنكار عليه ونفي انتفاعه بذلك الإيمان، ولكن قال الله تعالى: (( فاليوم ننجيك ببدنك )) لا لمصلحتك ولكن لتكون لمن خلفك آية، من الذي خلفه؟ بنو إسرائيل، لأن بني إسرائيل كان فرعون قد أرهبهم ولو لم يظهر لهم بدنه على سطح الماء لكانوا يشكون لعله ما دخل في قومه، لعله سلم، فأبقى الله جسده (( فاليوم ننجيك ببدنك )) فقط لا بروحك ، لماذا ؟ (( لتكون لمن خلفك آية )) حتى يعلموا أنك قد مت . طيب هل ترون أشد من هذا النكال ـ والعياذ بالله ـ بهذا الرجل الطاغية؟ أبدا، نكال بالغ جمع قومه وظهر مظهر العزة ليقضي على موسى وقومه فأخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر (( ولقد جاء آل فرعون النذر كذبوا بآيتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر )) عز وجل ، أخذ عزيز غالب لا يغلب، مقتدر لا يعجز سبحانه وتعالى، وأهلكوا بهذا الماء الذي كان فرعون يفتخر به . ولهذا قال الله: (( فأخذهم الله بذنوبهم )) والباء هنا سببية من وجه وللعوض من وجه آخر، كيف ذلك؟ السببية يعني أنه بسبب ذنوبهم لأن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون، ولم يأخذ الله أحدا إلا بذنب. وللعوض من جهة أخرى أنه لم يظلمهم بل جعل جزاءهم من جنس العلم (( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها )) ، (( والله شديد العقاب )) ختم الآية بهذا الوصف مناسب جدا، لأن هؤلاء الذين أخذوا بذنوبهم أذوا بماذا؟ بالعقاب الشديد الذي لا أشد منه، ولا أظن أن أحدا إلى يومنا هذا يستطيع أن يهلك عدوه كما أهلك الله فرعون، هل يستطيع أكبر دولة في العالم الآن أن تبرح الماء بهذه السرعة حتى يدخل العدو ثم تطبق الماء عليهم؟ أبدا، لا يمكن، ولكن شديد العقاب عزوجل الرب عزوجل الذي ينزل عقابه بأعدائه لحكمة كان قادرا على ذلك وبلحظة (( فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى )) . ثم قال الله عزوجل: الفوائد بعدها، كل آية وفوائدها؟ نعم .