فوائد الآية : (( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث )) . حفظ
في هذه الآية عدة فوائد، أولا: حكمة الله عزوجل في ابتلاء الناس بتزيين حب الشهوات لهم في هذه الأمور السبعة، ووجه الحكمة: أنه لو لا هذه الشهوات التي تنازع الإنسان في اتجاهه إلى ربه لم يكن للاختبار في الدين فائدة، انتبه يعني لو كان الإنسان لم يغرس في قلبه أو في فطرته هذا الحب لم يكن في الابتلاء في الدين فائدة، السبب: لأن الانقياد إلى الدين إذا لم يكن له منازع يكون سهلا ميسرا، ولهذا من أول من يجيب إلى الرسل؟ الفقراء الذين حرموا من الدنيا، لأنه ليس عندهم شيء ينازعهم لا المال ولا رئاسة ولا غير ذلك، فهذا من حكمة الله أن زين في قلوب الناس حب الشهوات . ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا يذم من أحب هذه الأمور على غير هذا الوجه، وهي محبته شهوة، وذلك لأنه إذا زين له محبة هذه الأمور لا لأجل الشهوة لم يكن ذلك سببا لسده عن دين الله لأن أكثر ما يفتن الإنسان الشهوة إذا لم يكن هناك شبهة، فإن كان هناك شبهة واجتمع عليه شبهة وشهوة حصلت له الفتنتان . ويدل لذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (حبب إلي من دنياكم النساء والطيب) ويدل لذلك أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم رغب في والنكاح حث عليه، وأمر به الشباب، ومما يدل لذلك أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على تزوج المرأة الولود، والولود كثيرة الولادة، وإذا كانت ولودا كثر نسلها ومن نسلها البنون، فالمهم أن محبة هذه الأشياء لا من أجل الشهوة أمر لا يذم عليه الإنسان . ومن فوائد الآية الكريمة: قوة التعبير للقرآن، وأنه أعلى أنواع الكلام في الكمال ، ولهذا قال: (( حب الشهوات )) ولم يقل حب النساء، أو حب البنين، أو حب القناطير المقنطرة بل قال حب الشهوات من هذه الأشياء ، فسلط الحب على أيش؟ على الشهوات لا على هذه الأشياء لأن هذه الأشياء حبها قد يكون محمودا كما عرفت . ومن فوائد الآية الكريمة: تقديم الأشد فالأشد، ولهذا قدم النساء، ففتنة شهوة النساء أعظم فتنة، أعظم فتنة ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) ولهذا بدأ بها فقال: (( من النساء )) . ومن فوائد الآية الكريمة: أن البنين قد يكونون فتنة، ويشهد لذلك قوله تعالى: (( إنما أموالكم وأولادكم فتنة )) والأولاد أعم من البنين . ومن فوائد الآية الكريمة أيضا: أن الذهب والفضة من أشد الأموال خطرا على الإنسان، ولهذا قدمهما على بقية الأموال، فقال: (( والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث )) لأنها أعظم من المال فتنة لاسيما الموصوفة بهذه الصفات أنها قناطير المقنطرة . ومن فوائد الآية الكريمة: أنه كلما كثر المال ازدادت الفتنة في شهوته، من أين نأخذه؟ لقوله: (( القناطير المقنطرة من الذهب والفضة )) ولهذا نجد بعض الفقراء يجود بكل ماله والغني لا يجود بكل ماله، بل بعض الأغنياء ـ نسأل الله العافية ـ يبتلون كلما كثر مالهم اشتد بخلهم ومنعهم . ومن فوائد الآية الكريمة: أن الخيل أعظم المركوبات فخرا ، ولهذا قال: (( الخيل المسومة )) ولاسيما إذا كانت مسومة أي معتنى بها أو مسومة مطلقة في المرعى معنى بها في رعيها فإنا تكون أعظم المركوبات فتنة . ومن فوائد الآية أيضا: أن فتنة الأنعام الإبل والبقر والغنم دون فتنة الخيل بناء على الترتيب وأن الترتيب في هذه الآية من الأعلى إلى الأدنى . ومن فوائد الآية الكريمة: أن من الناس من يفتن في الحرث، في الزراعة فيفتن بها ويزدرع على الوجه المشروع وغير المشروع وهو كذلك ولاسيما في زمننا هذا حيث الزراعة فصار الناس ـ والعياذ بالله ـ يذهبون فيها كل مساء ويرتكبون فيها المحرمات من الكذب على الدولة والخيانة نعم ؟ ومع ذلك لا يرون في هذا بأسا تجد الإنسان مثلا يبيع محصوره على شخص من الناس بدراهم نقدا ثم يعطيه اسمه من أجل أن يأخذ المشتري من الحكومة أو دولة ثمنا أكثر، يشتريه من المزارع مثلا بريال ونصف بكيلو ويبيعها على الدولة بريالين ويكذب فيأخذ اسم المزارع فيكون المزارع خائنا والآخر كاذبا وينتج من ذلك أكل المال بالباطل، وإذا سألوا هذا حرام قال: نحن محتاجين فلوس يقول يحتاج، إذا تحتاج فلوس تكذب وتتحيل ؟ اصبر وإلا بع عليه هذا ولا تعطيه اسمك، بع عليه المحصور ولا تعطيه اسمك إذا كانت الدولة تسمح لبيعه، لكن ابتلي الناس بهذا الشيء، (( والحرث )) . ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذه الأشياء كلها لا تعدوا أن تكون متاع الحياة الدنيا، لقوله: (( ذلك متاع الحياة الدنيا )) . ومن فوائدها: التزهيد في التعلق بهذه الأشياء، لقوله: (( ذلك متاع الحياة الدنيا )) وكل ما كان للدنيا فلا ينبغي للإنسان أن يتبعه نفسه، لأنه زائل، لا تتبع نفسك شيئا من الدنيا إلا شيئا تستعين به على طاعة الله حتى ينفعك وأنت سوف تنال منه ما يناله من أتبع نفسه ما متاع الحياة الدنيا للدنيا، يعني مثلا أن الرجل الذي يأكل العشاء من الناس من يأكله لأجل أن يحفظ بدنه أو أن يحفظ جسمه، يأكله امتثالا لأمر الله، يأكله استعانة به على طاعة الله، يأكله تمتعا بنعم الله فيؤجر على ذلك، ومن الناس من يأكله لمجرد الشهوة ليملأ بطنه فيحرم هذا الأجر، يحرم هذا الأجر لأنه نوى به مجرد الشهوة فقط . ومن فوائد الآية: تنقيص هذه الحياة، لقوله: (( الحياة الدنيا )) فو الله إنها ناقصة، إن دارا لا يدري الإنسان مدة الإقامة فيها، وإن دارا لا يكون صفها إلا منقصا بكدر، وإن دارا فيها شحناء والعداوة والبغضاء بين الناس، وغير ذلك من المناقصات إنها لدنيا، الإنسان منا في هذه الدنيا لا يضمن أن يبقى ولا واحدة أليس كذلك؟ إذا كيف نقول هذه حياة ؟ كيف نقول إن هذه حياة؟ إنها لحياة الدنيا والإنسان في الحقيقة من حكمة الله عزوجل أنه فتن بما فيها من هذه الأشياء التي ذكر الله عزوجل، ولكن العاقل ينظر إلى المآل وال . ومن فوائد الآية الكريمة: أن ما عند الله خير من هذه الدنيا، لقوله: (( والله عنده حسن المآب )) . ومنها: ما أشار إليه بعضهم في أن من تعلق بهذه الأشياء تعلق شهوة فإن عاقبته لا تكون حميدة، لأن الله لما ذكر التعلق على وجه الشهوة بهذه الأشياء قال: (( والله عنده حسن المآب )) فكأنه يقول: ولا حسن مآب لهذا المتعلق بهذه الأشياء، أي أن عاقبته ليست حميدة، هكذا ذكر بعضهم، ولكن في نفسي منها شيء والذي يظهر لي أن الآية ختمت بهذا (( والله عنده حسن المآب )) من أجل ترغيب الإنسان بما عند الله عزوجل وأن لا يتعلق بهذا المتاع الحياة الدنيا.