تتمة تفسير الآية : ((الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار )) . حفظ
(( الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا )) الفاء هنا للسببية أي فسبب إيماننا فاغفر لنا، لأن الإيمان لاشك أنه وسيلة للمغفرة، وكلما قوي الإيمان قويت أسباب المغفرة حتى إنه أخلص الإنسان إيمانه صارت حسناته تذهب سيئاته ، ولهذا قال: (( فاغفر لنا )) أي بسبب الإيمان اغفر لنا، وهذا من باب التوسل بالطاعة لقبول الدعاء . وقوله: (( فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا )) نعم (( فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار )) نعم (( اغفر )) فعل دعاء وليس فعل أمر، لماذا؟ الأخ؟ (( اغفر لنا )) ما نقول هذا فعل أمر لأن الله ما يؤمر، العبد لا يأمر الله لكنه يدعوه، إذا كل فعل بصيغة الأمر وجه إلى الله فهو دعاء يسمى فعل دعاء ولا يسمى فعل أمر. والمغفرة مأخوذة من الغفر وهو الستر مع الوقاية ومنه المغفر الذي يلبسه المقاتل في رأسه ليستر الرأس ويقيه السهام، فليست المغفرة مجرد الستر بل هي ستر ووقاية، ولهذا نقول: مغفرة الذنوب سترها عن الناس والعفو عن عقوباتها، ويد ل لهذا: (أن الله سبحانه وتعالى يخلوا يوم القيمة بعبده المؤمن ويقرره بذنوبه يقول: عملت كذا وعملت كذا وعملت كذا حتى يقر فيقول الله عز وجل:( قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ) يعني لا أجازيك عليه ، والحمد لله رب العالمين أن الله عزوجل يستر الذنوب على عباده والله لو لا هذا لا فتضح كثير من الناس، يقال: إن بني إسرائيل كان واحد منهم إذا أذنب ذنبا أصبح وذنبه مكتوب على بابه ـ والعياذ بالله ـ فضيحة، أما هذه الأمة فستر عليها ولله الحمد ـ ولكن فتح عليها أبواب التوبة على كما يقولون (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا )) فالله عز وجل يمهل الإنسان يمهل له ويحلم عليه وإذا وفق اتعظ من نفسه بنفسه، هو نفسه يفكر ماذا عملت، ويش أنا فعلت فيستحيي من الله عزوجل ويخشى أن يفضحه الله لأن الإنسان إذا تجرأ على ربه في السر فربما يفضحه بالعلانية إذا لم يتب ، إذا لم يتب إلى الله عز وجل ، فإن تاب تاب الله عليه وأبدل سيئاته حسنات . (( فاغفر لنا ذنوبنا )) الذنوب هي المعاصي ، وهي إما قبائح وإما دون ذلك وكلها تحتاج إلى مغفرة كلها يستغفر الإنسان منها ولا تظن أن الصغائر إذا كفرت بالحسنات لا تظن أنها كما لو كفرت بالتوبة ، لأن بينهما فرقا عظيما ، إذا كفرت بالتوبة أبدلت السيئات بالحسنات، إذا كفرت بالطاعات فإنها تمحى فقط لكنها ما تبدل بالحسنات لا، الله يقول: (( إن الحسنات يذهبن السيئات )) ويقول: (( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات )) وفرق بين أمرين، فرق بين أن تذهب السيئة بالحسنة وبين أن تبدل السيئة حسنة، أليس كذلك؟ إذا لا تعتمد على تكفير الحسنات السيئات فتقول: إن سيئاتي مكفرة بحسناتي لا، ثم إننا في الحقيقة حسناتنا نرجو أن تبرئ ذممنا يعني لا تقوى على أن تكفر، لا تظن أن أي صلاة تكفر لا، قد تكون صلاة لا تبرئ بها الذمة إلا كما يقولون: بالدف نعم ؟ لأنها صلاة يفعلها الإنسان عادة ثم إذا دخل فيها بدأ يضارب بماله إن كان تاجرا، وبدأ يقلب دفاتره إن كان طالبا نعم ؟ وبدأ ينظر إلى قدومه ومنشاره إذا كان نجارا وهكذا، ولا تكثر الوساوس إلا إذا دخل في الصلاة وإذا سلم طارت الوساوس هذه وصار قلبه حاضرا للذكر الذي بعد الصلاة، أما الصلاة نفسها فهو يتجول في كل مكان ، وإذا سد بابا وإذا بالشيطان يفتح بابا بعيدا ما كان يطلع على باله أبدا، فإذا حاول سده وإذا بابا آخر مفتوح وهكذا من أجل أن يحول الشيطان بين الإنسان وبين ربه، لأن الشيطان يعلم أن هذه الصلة التي بين الله وبين العبد وهي صلته بالله في الصلاة لها شأن عظيم ودور كبير في إصلاح العبد قال الله عز وجل: (( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )) أتريدون أعظم من هذا؟ أن يكون في نفسك رادع ينهاك عن الفحشاء والمنكر هذا هو الذي يغيض الشيطان فيريد الشيطان أن يحول بينك وبين هذا بإلقاء الوساوس في صلاتك حتى تخرج من صلاتك بقلب يابس جاف كما دخلت كذلك في صلاتك، ولهذا أسأل الله أن يعينني وإياكم على إصلاح هذه العبادة العظيمة ، لأنها إذا صلحت صلحت العبادات كلها كل العبادات، ولكن إذا كانت جافة فمن أين تسقى شجرات العمل، لا تسقى إلا بماء نعم .