تفسير الآية : (( شهد الله أنه لا إلـه إلا هو والملائكة وأولوا العلم قآئماً بالقسط لا إلـه إلا هو العزيز الحكيم )) . حفظ
ثم قال الله عز وجل: (( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم )) (( شهد الله )) الشهادة قد تكون بالقول وقد تكون بالفعل، وشهادة الله تعالى لنفسه بانفراده بالألوهية كشهادته لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه أنزل عليه الكتاب، فهنا قال: (( شهد الله أنه لا إله إلا هو )) وقال الله تعالى: (( لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون )) وهنا قال: (( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة )) فشهادته لنفسه بالوحدانية وشهادته لنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة هو والملائكة، والشهادة كما قلت قولية كما في هذه الآية، وكما في آية النساء: (( لكن الله يشهد بما أنزل إليك )) وفعلية وهي الشهادة ما يظهرها الله تعالى من آياته فإنما يظهره من آياته شهادة له بالوحدانية، كل الكائنات تشهد لله عزوجل بالوحدانية إما بلسان المقال وإما بلسان الحال، كذلك تأييده النبي صلى الله عليه وسلم بالنصر وجعلنا العاقبة له شهادة له بأنه رسول الله حقا، فشهادة الله لنفسه بالوحدانية أقول إنها تكون بالقول وتكون بالفعل، في الآية الكريمة شهادة بالقول ولا بالفعل ؟ بالقول (( شهد الله )) يعني أخبر عن نسفه بأنه يشهد أنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى ، (( لا إله إلا هو )) مرت علينا هذه كثيرة ويجب على كل مسلم أن يعرف معناها وأن يعرف مقتضاها أيضا معناها: أنه لا معبود حق إلا الله، هذا معناها، كلما عبد من دون الله فهو باطل وإن سمي إلها فإن ألوهيته مجرد تسمية لكن هو لا يستحق الألوهية وإن كان هؤلاء عبدوه واتخذوه إلها لكن هو نفسه أي المعبود نفسه ليس بإله قال الله تعالى: (( ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآبائكم ما أنزل الله بها من سلطان )) وليست مسميات وكيف تكون مسميات مطابقا للواقع وهي آلهة باطلة هذا لا يمكن، إذا لا إله أي لا معبود حق إلا الله، وأما المعبود الباطل فهو موجود كما سمى الله تعالى الأصنام آلهة في قوله تعالى: (( واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون )) وقال: (( فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله لما جاءهم أمر ربهم )) وقال: (( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم )) والآيات في هذا كثيرة، وقال: (( فلا تجعل مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين )) (( ولا تجعل مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه )) كل هذه المعبودات تسمى آلهة لكن هل هذا الاسم مطابق للواقع؟ لا، فمعنى لا إله إلا الله أي لا معبود حق إلا الله عزوجل، ويلزم من كونه المعبود أن يكون هو الرب كما يلزم من كونه الرب أن يعبد وحده، فتوحيده بالألوهية متضمن لتوحيده بالربوبية، ولهذا بنى الله توحيد الألوهية على توحيد الربوبية في قوله: (( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم )) . وقوله: (( أنه لا إله إلا هو والملائكة )) معطوف على اسم الجلالة على الله، يعني وشهدت الملائكة أنه لا إله إلا الله، والثالث: (( وأولوا العلم )) أصحاب العلم الذين رزقهم الله تعالى العلم يشهدون أيضا بأنه لا إله إلا الله، ولا أحد أشد يقينا وأقوى إيمانا من أهل العلم ولهذا هم كانوا أهل الخشية كما قال تعالى: (( إنما يخشى الله من عباده العلماء )) والمراد بأولوا العلم هنا ليس العلم الدنيوي أو علم طبائع الأشياء أو علم الأشياء أسرار الكون بل المراد بالعلم العلم بالله عزوجل أولوا العلم بالله الذين عرفوا الله عزوجل بآياته الكونية والشرعية هم الذين شهدوا له الوحدانية . (( قائما بالقسط )) قائما حال من الله يعني حال كونه قائما بالقسط أي بالعدل، بالعدل في أحكامه التكليفية والعدل في أحكامه القضائية والجزائية، فهو عدل في أحكامه التكليفية ليس في أحكام الله تعالى تكليفية جور، كلها عدل بل إنها مع كونها عدلا تتضمن الفضل والعفو والإحسان، ولهذا قال الله عز وجل: (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) وقال عز وجل: (( أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ولا نكلف نفسا إلا وسعها )) هذا أمر زائد على العدل لأنه متضمن للعفو والتسامح، وكذلك في الجزاء عدل في جزاءه لا يظلم أحدا أبدا بل هو ذو فضل في جزاءه فإنه يجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والسيئة بمثلها أو يعفوا إلا من كان كافرا ليس أهلا للعفو فلا يعفى عنه، إذا ((قائما بالقسط)) في أحكامه التكليفية وفي قضائه، كذلك هو قائم بالقسط للفصل بين عباده فإن الله سبحانه وتعالى يقضي للمظلوم من الظالم إما بإجابة دعوة المظلوم إن دعا على ظالمه في الدنيا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل وقد بعثه لليمن: ( إياك وكرائم أموالهم واتق دعوة الظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ) وإما بمجازاة بالأخذ منه من حسناته يوم القيمة كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ( من تعدون المفلس فيكم؟ قالوا: لا درهم عنده ولا متاع، أو قالوا ولا دينار قال: المفلس من يأتي يوم القيمة بحسنات أمثال الجبال فيأتي وقد ظلم هذا وضرب هذا وشتم هذا وأخذ مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته وهذا من حسناته فإن بقي من حسنة شيء وإلا أخذ من سيئاتهم فطرح عليه و طرح في النار ) فلابد من العدل بين العباد، ولهذا قال العلماء رحمهم الله: إن الحقوق التي بين العباد من الديوان الذي لا يترك الله منه شيء، فلابد أن يقتص للمظلوم من الظالم . فإن قال قائل: أليس الناس يصابون من نكبات من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ؟ الجواب: بلا، فإن قالوا: ألا يكون هذا ظلما ؟ الجواب: كلا ليس هذا ظلم لأن هذا بما كسبت أيدي الناس (( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون )) إذا فهذه المصائب فضل لأن المقصود بها تأديب الخلق وردعهم حتى يرجعوا إلى الله عزوجل فليس هذا من باب الظلم في شيء بل هو من باب الجزاء للعمل لغاية حميدة وهي رجوع الناس عن ظلمهم وقال الله تعالى: (( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى )) مر علينا فرق بين القسط والإقساط؟ وقلنا إن قسط بمنى؟ لا، قسط بمعنى: جار، وأقسط بمعنى: عدل، وهنا قال: (( قائما بالقسط )) لأن القسط نفسه هو العدل لن قسط الفعل بمعنى جار وأقسط بمعنى عدل يعني أحل القسط كما قال تعالى: (( ونضع الموازين القسط ليوم القيمة )) . (( لا إله إلا هو )) هذا حكم بعد الشهادة فشهد الله لنفسه بأن لا إله إلا هو وحكم لنفسه أيضا بأن لا إله إلا هو، فاجتمع في كلامه عزوجل الشهادة والحكم فكان شاهدا لنفسه حاكما لها بالألوهية فهذه الجملة (( لا إله إلا هو )) حكم وتصديق لأن المعروف المحاكمات والمعارفات أن تؤدوا الشهادة أولا ثم يحكم، فالله تعالى شهد أولا وأخبر بمن شهد معه وثانيا حكم فقال: (( لا إله إلا هو )) .