تتمة تفسير الآية : (( إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ... )) . حفظ
طيب هذا قول، في قول آخر يقول: (( إن الدين عند الله الإسلام )) هو في كل زمان بحسبه، فالدين عند الله في زمن موسى هو ما جاء به موسى، وفي زمن عيسى ما جاء به عيسى، وفي زمن ابراهيم ما جاء به ابراهيم فالإسلام هو الدين عند الله، بعد بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام ليس هناك إسلام إلا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن شريعته نسخت جميع الشرائع، وعلى هذا فمن استكبر عن دين الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فليس بمسلم، فالمهم الآن نقول: (( الدين عند الله الإسلام )) وهو الاستسلام لله ظاهرا وباطنا في كل زمان بحسبه، فالإسلام في زمن موسى الشريعة له دين، وفي زمن عيسى الشريعة النصرانية، وفي زمن ابراهيم الشريعة الابراهيمية وهكذا، في زمن صالح الشريعة الصالحية وعلى هذا فقس، لكن الآن وبعد أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم ونسخ دينه جميع الأديان فالإسلام ما تضمنته شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام، ويدل لذلك على أن المراد بالإسلام هنا يعني يؤيد هذا القول قوله: (( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم )) يعني فكان الدين عند أهل الكتاب هو الإسلام، والإسلام يقتضي توحيد الأمة المسلمة ولكن هل بقيت للأمم السابقة على ما يقتضيه إسلامها ؟ الجواب: لا بل اختلفوا اختلافا عظيما فكانوا في شقاق بعيد، وهل هذا الاختلاف يعذرون به ؟ والجواب: لا، لهذا قال: (( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب )) أي أعطوه، والإيتاء هنا إيتاء شرعي وقد يكون الإيتاء كونيا، فإيتاء الله عزوجل المال والصحة والعافية هذا إيتاء كوني يستوي فيه الكافر والمؤمن والفاجر والبر، وإيتاء الله تعالى العلم هذا إيتاء شرعي يعني ينتفع به الإنسان في شريعة الله عز وجل . ثم يقول: (( إلا من بعد ما جاءهم العلم )) وقامت عليهم الحجة وبينت لهم المحجة ولكنهم اختلفوا وتنازعوا وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ) قاله النبي صلى الله عليه وسلم تحقيرا للأمة عن الاختلاف وليس تقريرا لها بل هو تحذير أن يصيبنا ما أصاب هؤلاء المختلفين، ولهذا لما اختلفنا الآن تفرقنا وتمزقنا وكان كل حزب منا فرحا بما لديه وانتشرت البدع والأهواء لا في الأمراء ولا في العلماء فالأمراء لم يجتمع حتى يكونوا خلافها والعلماء لم يجتمعوا حتى يكونوا إماما بل اختلفوا وصار بعضهم يضلل بعضا وربما يكفر بعضهم بعضا، طيب إذا (( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم )) ولماذا اختلفوا ؟ هل هم اختلفوا يريدون الحق؟ لا بل (( بغيا بينهم )) بغي وعدوان كل واحد منهم يريد أن تكون كلمته هي العليا سواء كنت موافقة لكلمة الله أم مخالفة وهذا مع الأسف هو الحاصل في زمننا وفيما قبل زمنا من بعض العلماء يريد أن تكون كلمته هي العليا ثم يأخذ في سب من خالفه ـوالعياذ بالله ـ وإن كان يعلم مع قرارة نفسه أن الحق معه لكن لما سبق إلى الحق وأبرزه للناس حسده على ذلك ثم صار يبغي عليه والحقيقة أن ما بغيه على نفسه أن ما بغيه على نفسه ثم إن البغي على العلماء لإظهار الحق إذا أظهروه وبينوه ليس بغيا على العلماء بأشخاصهم وأعيانهم بل هو بغي على شريعة الله لاسيما إذا علم الباغي أن الحق مع المبغي عليه كما يوجد من بعض الناس إذا وجد أهل الحديث مثلا وهم مقلدا متعصبا صاروا يذمونهم ذما عظيما وربما يخرجونهم إلى الضلالة وإلى البدعة وإلى الكفر ـ والعياذ بالله ـ بغيا وهذا من أخطر ما يكون على الأمة الإسلامية، والواجب على الإنسان الذي يتقي ربه أن يفرح إذا أظهر الله الحق سواء على يديه أو على يد غيره، لكن لاشك إنه فرحه إذا أظهره الله على يديه سيكون أقوى وأشد من فرحه إذا أظهره الله على يد غيره لكن إذا أظهر الله الحق على يد غيره فلا يجوز أن يبغي عليه وأن يسعى في سبه وشتمه لأنه إذا فعل ذلك أشبه من ؟ اليهود والنصارى ولهذا قال: (( بغيا بينهم )) .