تتمة تفسير الآية : ((.... بيدك الخير إنك على كل شيء قدير )). حفظ
(( وتذل من تشاء بيدك الخير )) الخير بيد الله عزوجل، والخير كل ما فيه مصلحة ومنفعة للعبد فهو خير سواء كان ذلك في أمور الدنيا أو في أمور الآخرة، فالرزق والصحة والعلم هذه أيش؟ هذه الخير والعمل الصالح أيضا خير، فكل ما ينتفع الإنسان في دينه ودنياه فهو خير، وهذا كله بيد الله كما قال تعالى: (( وما بكم من نعمة فمن الله )) وهنا ذكر أن الخير بيده ولم يذكر الشر مع أن الخير من الله والشر من الله، فقال بعض المفسرين: إن هذا من باب حذف المقابل المعلوم كقوله: (( وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر )) وزعموا أن تقدير الآية: بيده الخير والشر، ولكن هذا وهم باطل هذا وهم باطل وليس المقام مقام حذف وقصر أو اختصار، المقام مقام الثناء والثناء ينبغي فيه البسط ينبغي فيه البسط والتوسع في الكلام فالحذف غير مناسب لفظا وهو باطل معنى، لأن الله لا يضاف إليه شر ولا يجوز أن نقول بيده شر، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( والشر ليس إليك ) فلا ينسب إلى الله الشر قولا ولا فعلا فالله يقول الحق وهو يهدي السبيل ويفعل الخير ولا يفعل الشر، وإذا وجد شر في المفعولات فهو شر من وجه خير من وجه آخر، لكن إيجاز الله لهذه الأشياء الشريرة ليس شرا بل هو خير، خير محض، ففعل الله ليس فيه شر إطلاقا، والشر إنما هو في أيش؟ في المفعولات لا في الأفعال، أما الخير فهو في المفعولات والأفعال، ولهذا ينسب إلى الله لأنه قال: (( بيدك الخير )) لكن الشر ليس إلى الله، ولنضرب لهذا مثلا بالسباع والهوام فالسباع فيها شر والهوام اللاصعة واللادغة فيها شر بلاشك ، الشياطين كلها شر، لكن إيجاد الله لهذه الأشياء خير، خير ولا بد منه الحكمة توجبه، لأنه لا يمكن أن تعرف تمام خلق الله إلا بخلق أشياء المضادة، ثم في خلق هذه الأشياء من إصلاح العبد ورجوعه إلى ربه واستعاذته به من هذه الأمور الشريرة خير كثير، ثم إن الخير لا يعرف إلا بضده لا يمكن يعرف الخير إلا عرف ضده حتى يعرف قدر الخير، ثم إن الخليقة لابد لها من امتحان، لابد لها من امتحان، فلو كانت في خير دائما لزال هذا الامتحان لأنها دائما في خير، فإذا وجد شر فحينئذ يعرف أو حينئذ يتبين الامتحان، لو كان الإنسان دائما في الصحة ودائما في غنى ودائما في العقل ودائما في السعة ما حصل في هذا امتحان ولا عرف قدر النعمة ولا شكر عليها، لكن إذا أصيب بمرض عرف قدر الصحة، بفقر عرف قدر الغناء، بخوف عرف قدر الأمن وهكذا، فوجود هذه الأشياء فيه فوائد عظيمة فيكون إيجادها خيرا وليس بشر، لكن هي نفسها فيها شر، كذلك وجود الأشياء المدمرة كالزلازل والعواسف والفيضانات وما أشبهها هي شر في نفسها لكن فيها خير عظيم فيكون إيجادها خيرا وليس بشر، إذا فيجب أن نبقي الآية على ظاهرها بدون تقدير وهو قوله: (( بيدك الخير )) ولا شر ينسب إلى الله، أما المفعولات فلاشك فيها خيرا وشرا . (( إنك على كل شيء قدير )) إنك على كل شيء قدير ومن قدرتك تغيير هذه الأشياء العظيمة: إيتاء الملك، نزعه، الإعزاز، والإذلال كل هذه أمور عظيمة لا يقوم بها إلا قادر سبحانه وتعالى، وقوله: (( إنك على كل شيء قدير )) الآية عامة فهو قدير على كل شيء على ما شاءه وما لم يشأه، قدير على ما شاءه وعلى ما لم يشأه، فما لا يشاءه قدير على إيجاده وما شاءه قدير على إيجاده إذا كان مقيدا بوقت على إعدامهم إن كان موجودا، المهم أن الله قدير على كل شيء، على إيجاد المعدوم وعلى إعدام الموجود سواء أراده أم لم يرده، وبهذا نعرف أن تقييد بعض الناس القدرة بالمشيئة خطأ، الذين يقولون: إنه على ما يشاء قدير هذا خطأ، لأن الله قادر على ما يشاء وما لا يشاء، ولكن ما شاءه لا يمكن أن يعجز عنه، وبهذا التقدير الأخير ـ أن ما شاءه لا يمكن أن يعجز عنه ـ يتبين الجواب عن قوله تعالى: (( وهو على جمعهم إذا يشاء على قدير )) وذلك أن المشيئة هنا ليست عائدة على القدرة ولكنها عائدة على الجمع يعني إذا أراد جمعهم وشاء جمعهم فهو قدير عليه لا يعجز عنه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. (( تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب، لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير، قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات وما في الأرض والله على كل شيء قدير )) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال الله تعالى: (( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ))