تفسير الآية : (( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ... )) . حفظ
ثم قال الله عز وجل: (( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين )) (( لا يخذ )) لا ناهية، ودليل كونها ناهية: أن الفعل بعدها مجزوم، أليس كذلك؟ بلى، ولكن لماذا كسر الفعل ؟ كسر لالتقاء الساكنين لأجل أن ينتقل اللسان من هذا المكسور إلى الساكن بسهولة، ولهذا صار أنسب ما يكون في التقاء الساكنين الكسر، أنسب ما يكون الكسر (( لا يتخذ )) لأن الكسر فيه انخفاض من أجل أن يترقع اللسان من المكسور إلى الساكن . يقول الله عز وجل: (( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء )) أي لا يجعلوهم أولياء فيتخذوهم، وكلمة اتخذ تدل على اصطناع الشيء والركون إليه والتجاء إليه مثل قولك: اتخذت هذا صاحبا أي جعلته واصطنعت واخترت، فالمعنى: لا يختار المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين . وقوله: (( المؤمنون الكافرين )) كيف صار الكافرين مع أنها بعد اسم مرفوع ؟ ما هي نعت؟ لا تصح أن تكون نعتا ؟ لا ما تصح يختلف المعنى اختلافا عظيما، (( الكافرين )) مفعول اتخذ الأول، و (( أولياء )) مفعول ثاني نعم . وقوله: (( المؤمنون الكافرين أولياء )) (( أولياء )) هل يتخذونهم أولياء من أعلى؟ أو أولياء من أسفل؟ أوكلاهما؟ كلاهما، يشمل هذا وهذا، أي لا ينصروهم ولا ينتصروا بهم، فلا يتولون الكفار ولا يجعلون الولاية للكفار عليهم، النهي من الأمرين، اللهم إلا كما سيأتي إن شاء الله تعالى فيما استثني، لكن إذا كان الأمر فيه سعة والمؤمنون في قوة فإنهم لا يجوز لهم أن يتخذوا من الكافر من ينصرهم، لأن الكفار مهما كانوا (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدروهم أكبر )) فليس لنا حق أن نستعين بالكفار إلا إذا دعت الحاجة فلنا أن ننتصر بهم بأخذ السلاح وما أشبه ذلك بل هو بالعهد معهم أيضا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية دروعا فقال له أغصبا يا محمد ؟ قال بل عارية مؤداة فدل هذا على جواز الاستعانة بالمشرك بالسلاح، ونحن مثلا إذا أخذنا السلاح ما لنا وله؟ نحن الذين نستعمل السلاح ونتدرب عليه، كذلك حالف النبي صلى الله عليه وسلم خزاعة كما في صلح الحديبية حالفهم، لكن كان الناس في ذلك الوقت ليسوا على قوة فيجوز أيضا أن يحالف المسلمون الكفار إذا دعت الحاجة إلى ذلك، لأنه قد يكون هذا من مصلحة المسلمين فإن المسلمين إذا كانوا ضعفاء تسلط عليهم كفار آخرون فإذا حال كفار أقوياء انتصروا بهم فصار في ذلك مصلحة، وأصل النهي عن ولاية الكفار هو من أجل أن لا يذل الإسلام بين أيديهم فإذا كان في مثل هذه الأمور مصلحة للمسلمين وقوة صار ذلك جائزا، هذا بالنسبة للانتصار بهم