تفسير الآية : (( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ... )) . حفظ
ثم قال الله تعالى: (( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم )) الخطاب في قوله: (( قل )) للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد مر بنا قاعدة: أن الله تعالى إذا صدر الشيء بقل الموجه للرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يقتضي زيادة العناية به، لأنه أمر بأن يبلغ هذا الشيء لخصوصه، وإلا فجميع القرآن مأمور للنبي عليه الصلاة والسلام أن يقوله، (( قل يا أهل الكتاب )) أهل الكتاب يعني بهم اليهود والنصارى وعلى هذا فالمراد بالكتاب الجنس ليكون شاملا لأيش؟ ذكرت أن المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى، وقلت: على هذا يكون الكتاب الجنس ليكون شاملا؟ التوراة والإنجيل، فيا أهل الكتاب يعني يا أهل التوراة والإنجيل، وإنما خاطب هؤلاء بأهل الكتاب أو وصفهم بذلك لأنه لا يوجد كتب منزلة باقية آثارها إلا التوراة والإنجيل، ولهذا سموا أهل الكتاب وإلا فإنه ما من رسول إلا ومعه كتاب يدعوا به كما قال الله تعالى: (( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم )) معهم يعني مع الرسل (( الكتاب والميزان )) لكن الكتب التي بقيت وأثرت وإن كان فيها شيء من التغيير هي التي عند اليهود والنصارى . (( يا أهل الكتاب )) من المراد بهم ؟ اليهود والنصارى . هنا لو قال لنا قائل: (( أهل الكتاب )) فسرها بمرادها وبلفظها ؟ نقول نفسرها بلفظها أي يا أصحاب الكتاب، يا من حملتم الكتاب، هذا يسمى تفسير لفظا، أما التفسير المراد يعني مراده اليهود والنصارى، فالتفسير اللفظي هو الذي يفسر الكلمة بقطع النظر عن المراد بها، والتفسير المراد الذي هو مقصود الكلام هم من يراد بالكلام . (( تعالوا )) يعني أقبلوا، وتعال فعل أمر وليس اسم فعل خلافا لمن زعم من النحويين أنها اسم فعل، والدليل على أنها فعل: لحقوق الفاعل بها يعني اتصال الضمير بها واسم الفعل لا يتصل به الضمير، تقول تعالوا للجماعة، تعاليا لمن؟ للمثنى، تعاليين لجماعة الإناث، تعالي للواحدة، فإذا هي فعل يعني أقبلوا، بخلاف هلم، هلم هذه اسم فعل، الدليل ؟ لأنها لا تتغير ولا يلحقها الضمير (( والقائلين لإخوانهم هلم إلينا )) ولم يقل: هلموا إلينا، (( تعالوا )) أقبلوا إلينا، إلى كلمة وفسرها بقوله: (( ألا نعبد إلا الله ))، لكن وصف هذه الكلمة قبل أن يفسرها (( سواء)) سواء يعني عدل، لأن سواء هنا مصدر بمعنى اسم الفاعل أي مستوية ليس فيها حيل، مستوية بيننا وبينكم والمستوية بين الضد وضده يعني أنها عدل ليس فيها جنف من هؤلاء ولا من هؤلاء، سواء، إذا سواء مصدر أيش؟ بمعنى اسم الفاعل أي مستوية بيننا وبينكم أي يعني عدل لا فيها ميل لنا ولا ميل لكم، (( بيننا وبينكم )) المضير في بيننا يعود على المسلمين (( وبينكم )) الضمير على أهل الكتاب، ما هذه الكلمة ؟ (( ألا نعبد إلا الله )) هذه الكلمة سواء كل الرسل متفقون على هذه الكلمة من نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم، (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا )) أحمد ؟ (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا )) كملها ؟ شرطتها ؟ أجب بالصدق ؟ هل شرطت أو لا؟ طيب (( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون )) نعم، فإذا كانت الرسل عليه الصلاة والسلام متفقين على هذه الكلمة إذا فإذا دعوناكم إليها فهذا عدل ليس فيها حيز، (( سواء بيننا وبينكم )) هي (( ألا نعبد إلا الله )) وعلى هذا فيكون موضع قوله: (( ألا نعبد إلا الله )) الجر على أنها عطف بيان لأيش ؟ لكلمة، عطف بيان لكلمة، ويجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف أي هي ألا نعبد، هي ألا نعبد، طيب قوله: (( ألا نعبد )) نعبد أي نذل ونخضع لغيره الله عز وجل، لا نخضع ولا نذل الذل المطلق إلا لله وحده عز وجل، لأن العبادة يراد بها الذل والخضوع الكامل المطلق ويراد بها المتعبد به يعني تطلق على معنيين: تطلق على فعل العبد، وتطلق على مفعول العبد، انتبه ! العبادة تطلق على فعل العبد وعلى مفعول العبد، فإذا كانت على فعله فهي التذلل والخضوع، وإذا كانت على مفعوله فهي العبادات التي يقوم بها والتي فسرها شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه . وهنا (( ألا نعبد )) إما أن يقال بشمولها للمعنيين وإما المراد بها فعل العبد يعني ذل العبد وخضوعه، (( إلا الله )) وحده، واستفدنا الوحدانية هنا من أيش؟ من الحصر، لأن لا نافية وإلا مثبتة، وإذا جاء الكلام بهذه الصيغة نفي وإثبات صار دالا على الحصر. من يخالف في هذا ؟ يخالف النصارى ما يعبدون الله وحده، يعبدون من؟ عيسى وأمه، وكذلك اليهود قالوا عزير ابن الله . (( ولا نشرك به شيئا )) لا نشرك الإشراك معناه تسمية، وشيئا نكرة في سياق النفي فتعم كل شيء، وهذا تحقيق للتوحيد، انتبه ! تحقيق كيف كان تحقيقا ؟ لأن المراد بهذا النفي إثبات كمال الضد، فهنا المنفي الإشراك لإثبات كمال الضد وهو التوحيد أي أن نعبده عز وجل عبادة لا شرك فيها، وذلك أن العبادة قد يكون فيها شرك، قد يكون الإنسان عابدا لله لكن العبادة مخلوطة بالشرك، فإذا قلت: أعبد ربك ولا تشرك به، صارت عبادة خالية من الشرك، ولهذا نعتبر الجملة الثانية (( ولا نشرك به شيئا )) نعتبرها من حيث المعنى توكيدا للتوحيد في قوله: (( ألا نعبد إلا الله )) وقوله: (( شيئا )) يشمل أي شيء كان من بشر أو ملك أو جن أو جماد أي شيء، واستفدنا هذا العموم من أين؟ من أنها نكرة في سياق الشرط ، في سياق النفي والنكرة في سياق النفي للعموم . أضرب لكم مثلا يبين لكم هذا: إذا قلت لك: افعل شيئا، ففعلت شيئا من الأشياء وتركت أشياء هل هذا للعموم ؟ لا، افعل شيئا، شيئا ما هي للعموم، لأنها نكرة لكنها في سياق الإثبات، وإذا قلت: لا تفعل شيئا، صارت للعموم يعني أي شيء تفعله فأنت مخالف، ولهذا من قواعد الأصول عندهم أن النكرة في سياق الإثبات للإطلاق، والنكرة في سياق النفي للعموم ، كذا عبد الرحمن ابن داود ؟ النكرة في سياق الإثبات للإطلاق، والنكرة في سياق النفي للعموم، طيب النكرة في سياق الإثبات للإطلاق وفي سياق النفي للعموم . أنا ذكرت لك قبل قليل إذا قلت: افعل شيئا، ولندع افعل شيئا ونأتي بمثال أوضح لأن أخ عبد الرحمن يقول ما اتضت، أعتق رقبة، هذا لأيش ؟ للإطلاق ؟ يعني أي رقبة تكون أعتق يحصل المقصود، لا تعتق رقبة، هذا للعموم لو عتقت أي رقبة فأنت مخالف، وذاك لو أعتقت أي رقبة أجزأ فالفرق هو هذا، اشترني ثوبا فاشتريت ثوبا أي ثوب كان نظيف وسق جديد أحمر أسود أيا كان، لا تشتري ثوبا، هذا للعموم، أي ثوب تجيبها خطأ أنا قلت لك لا تشتري، فالنكرة في سياق النفي للعموم والنكرة في سياق الإثبات للإطلاق . قال: (( ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله )) والله هذا العدل، يعني لا تتخذونا نحن نحرم ونحلل ونفرض عليكم ما نحلل ونحرم، ولا تفرضوا علينا أنتم ما تحللون وتحرمون، لأن الذي يحلل ويحرم ويطاع قد اتخذ ربا كما جاء في الحديث في قوله تعالى: (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )) قال عدي بن حاتم: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم، قال: أليس يحلون ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه؟ قال: نعم، قال: فتلك عبادتهم) والأمر ظاهر طاعة الغير في التحليل والتحريم شرك في الطاعة والتشريع، فهو يقول: (( نعبد الله ولا نشرك به شيئا )) هذه باعتبار العبادة، (( لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله )) هذا باعتبار التشريع يعني ما نلزمكم بما نقول ولا تلزمونا بما تقولون، إذا من المرجع؟ ولهذا قال: (( من دون الله )) أما إذا كان بالله فأنتم تلزموننا ونحن نلزمكم، نحن لم نقل اجعلونا ربا نفرض عليكم ما نشاء أو نجعلكم ربا تفرضون علينا ما تشاءون من دون الله، لكن إذا كان هذا بإذن الله ووحيه وشرعه واجب عليكم، واضح يا جماعة ؟، إذا هذا تمام العدل في العبادة وفي التشريع، نحن لا نلزمكم ولا تلزمونا بشيء دون الله، (( ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله )) إذا هو تمام العدل والإنصاف في المحاجة والمناظرة أن تكون الكلمة سواء لا نجنف ولا يجنف علينا فإن تولوا أعرض ولم يأتوا لهذه الكلمة السواء فأعلنوها أنتم من أجل أن يبوءوا بالإٍثم، ولهذا قال: (( فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون )) يعني منقادون لله تمام الانقياد ولن نعبأ بكم، فصارت هذه الآية تدعوا اليهود والنصارى إلى أيش؟ إلى العبادة إلى التوحيد والإسلام وإلى العدل، إلى العدل، تفضلوا إيتوا احضروا تعالوا (( كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله )) هذا هو العدل، (( فإن تولوا )) فإنهم لا يريدون الخير، أعلنوها أنتم (( فقولوا اشهدوا )) شف التحدي (( اشهدوا بأنا مسلمون ))، وإذا أشهدناهم بأننا مسلمون فهو إعلان بأنهم غير مسلمين، بأنهم غير مسلمين إذ لو كانوا مسلمين لانقادوا لهذه الكلمة السواء بيننا وبينهم ومعلوم أنهم لو انقادوا لهذه الكلمة لزمهم أن يؤمنوا بالرسول عليه الصلاة والسلام محمد، لأن الذي جاء بالعبادة الصحيحة هو محمد عليه الصلاة والسلام .