فوائد الآية : (( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ... )) . حفظ
في هذه الآية الكريمة: بيان أو أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدعوا أهل الكتاب إلى هذه الكلمة السواء، لقوله: (( قل يا أهل الكتاب )) . وهنا سؤال: هل الرسول قال ذلك ؟ نعم قالها حتى كان يكتب بها إلى الملوك، لما كتب إلى كسرى ما كتب وغيره يكتب: (( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم )) لكنه يقول: (( قل يا أهل الكتاب )) من كمال أدبه، إذا قال: (( قل يا أهل الكتاب )) فكأنه يقول إنما كتبت لكم هذه الآية بأمر من؟ بأمر الله، لكن لو قال: يا أهل الكتاب بدون قل لكان فيه احتمال أنه كتبها من عند نفسه، المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك ودعاهم إلى هذه الكلمة، لكنهم أبوا امتنعوا، لأنهم مصرون معاندون إلا من هدى الله، هدى الله من النصارى أقواما ومن اليهود أقواما ومن المشركين أقواما . من فوائد هذه الآية الكريمة: التنزل مع الخصم لإلزامه بالحق، كيف ذلك ؟ لأنه قال: (( سواء بيننا وبينكم )) مع أن الحق مع من؟ ما فيه شك مع الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن من أجل إلزاما الخصم وإقامة الحجة عليه أتنزل معه وقلت انزل كلمة عدل بيننا وبينكم . ومن فوائد الآية الكريمة: وجوب استعمال العدل في المناظرة حتى مع العدو، لأن الرسول أمر بأن يعلن هذا، وإذا كان هذا واجبا في مناظرة المسلمين مع الكفار فهو في مناظرة المسلمين بعضهم مع بعض أوجب و أوكد، ولهذا نقول: من الخطأ العظيم أن بعض الناس إذا رأى رأيا قال إنما سواه خطأ وخطأ غيره، هو قد يكون خطأ باعتبار اعتقاده ما ننكر عليه يعني إذا قال هذا القول خطأ باعتبار اعتقادي ما ننكر عليه، لأنه من المعلوم أنه إذا اختار ضده فهو عنده خطأ ولا ينكر عليه، لكن الإنكار أن يخطأ من قال به، أن يخطأ من قال به وهذا فرق دقيق، فرق بين أن أعتقد أن هذا القول خطأ ولا آخذ به وبين أن أخطأ من قال به، لأني إذا خطأته ادعيت العصمة لي والزلل له وهذا خطأ، هذا الخطأ، ولهذا يجب في المناظرة بين المسلمين كما يجب في المناظرة بين المسلمين والكفار أن تكون بالعدل، من المعلوم أن الميزان العدل في ذلك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كتاب الله وسنة رسوله، ولكن المشكل أنه ليس كل أحد يفهم الكتاب والسنة كما ينبغي يعني ومن الناس من يكون ظاهريا محضا لا ينظر إلى مقاصد الشريعة ومعانيها العظيمة التي يقصد بها إصلاح الخلق، فتجد مثلا يريد أن ينفذ شيئا من المسائل الذي لا تعتر ذات شأن كبير في الإسلام وإن فات بذلك مصلحة عظيمة كبيرة، منها مسائل الخلاف التي يظهر فيها النزاع والمباينة بين المسلمين، ولها أمثلة كثيرة ممكن تفهمونها، تجد مثلا بعض الناس يقول لابد أن ننفذ هذا الشيء وإن كانت السنة وإن كان يلزم على تنفيذه تفرق المسلمين وعداوتهم والبغضاء بينهم لا ينظر إلى أن الشرع في الحقيقة مبني على الإلفة، مبني على الإلفة وائتلاف القلوب، حرم البيع على بيع مسلم لأن ذلك يؤدي إلى العداوة والبغضاء، النجش، الخطبة على خطبة أخيه ، أشياء كثيرة إذا تأملتها وجدت أن هذا الشرع يرمي إلى أن يأتلف الناس وتتفق القلوب واتحاد الأهداف، وأن المسائل الجزئية إذا خيف منها الفتنة تترك، والحمد لله هل عليك لوم إذا تركت الأدنى للأعلى؟ ليس عليك لوم بل لك المدح، اللوم أن تفعل الأدنى لتفرط في الأعلى هذا اللوم، ولهذا نعلم علم اليقين أن الصحابة أفقه منا بكثير وأقوم منا في أعمالهم وأنهم أشد من حبا لشريعة الإسلام ومع ذلك يتوافق بعضهم مع بعض في أمور لا يرونها لكن من أجل المصلحة واتفاق القلوب، ولا يخفى عليكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتنع من هدم الكعبة وبنائه على قواعد إبراهيم مع أن هذا هو الذي يتمناه وهو الذي هم به خوفا من أيش؟ خوفا من الفتن، خوفا من الفتنة، لأن قريشا كانوا حديث عهد بالكفر، وكان عليه الصلاة والسلام يترك ما يحب لمصلحة الناس، كان يصوم في السفر ولما قيل إن الناس قد شق عليهم ماذا فعل؟ أفطر، أفطر بعد العصر ورفع الماء ـ وهو على بعيره ـ على فخذه وشربه والناس ينظرون، ما قال والله أنا صائم وما بقي إلا جزء بسيط أريد أكمل، والصحابة رضي الله عنهم في خلافة عثمان بقي رضي الله عنه سبع أو ثماني سنوات يقصر الصلاة في منى، كم بقي في الخلافة ؟ اثنتي عشرة سنة، بعد مضي أكثر خلافته رأى عليه الصلاة والسلام لسبب من الأسباب أن يتم الصلاة فأتم فبلغ ذلك من بلغ من الصحابة فأنكروا عليه قالوا كيف ؟ الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وأنت في أول خلافتك تقصر الصلاة والآن تتم؟ حتى إن ابن مسعود لما بلغه ذلك استرجع قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، كأنه أمر كبير ومع ذلك يصلون خلفه، يصلون أربعا مع اعتقادهم أنها خلاف السنة، لأيش؟ من أجل اتحاد الكلمة وعدم التفرق، ولما سئل ابن مسعود قيل: كيف تنكر فعل عثمان وتصلي خلفه أربعا؟ قال: الخلاف شر، هذا الفقه والله هذا الفقه، هذه الشريعة .