تفسير الآية : (( ودت طآئفةٌ من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون )) . حفظ
قال الله تعالى: (( ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون )) (( ودت )) أي أحبت، والود خالص المحبة، ومن أسماء الله تعالى الودود بمعنى الواد والودود، فهو سبحانه وتعالى واد لأوليائه وأصفيائه وهو أيضا مودود من أوليائه وأصفيائه ، فالود إذا خالص المحبة يعني أحب هؤلاء أو هذه الطائفة بكل خالص المحبة . وقوله: (( طائفة من أهل الكتاب )) الطائفة بمعنى الجماعة، والمراد بأهل الكتاب هنا اليهود والنصارى، ولكن الأغلب هم اليهود لأنهم أكثر ممارسة للعرب من النصارى، فإن اليهود كانوا في المدينة قدموا من ال ومن الشام ينتظرون النبي الذي بشرت به التوراة، يعني قدموا من بلاد الشام لأنهم علموا أن مهاجر هذا النبي المدينة حسب ما في التوراة من البشارة به، فقالوا نذهب إلى هناك لنكون معه (( وكانوا من قبل يستفتحون على الذي كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به )) . (( من أهل الكتاب )) اليهود والنصارى، والغالب أنهم اليهود . (( لو يضلونكم )) لو هذه مصدرية بمعنى أن، والقاعدة في لو أنها إذا أتت بعد ما يفيد الود والمحبة تكون مصدرية ((ودوا لو تدهن فيدهنون )) أي ودوا أن تدهنوا، (( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم كفارا )) أي ودوا أن يردوكم، فهي هنا مصدرية، وقد علم أنها تأتي شرطية حرف امتناع لامتناع مثل لو جاء زيد لأكرمتك، فهنا امتناعي إياك لامتناع مجيء زيد . يقول عز وجل: (( لو يضلونكم )) يعني ودوا أن يضلوكم، والإضلال بمعنى الإتاحة عن الحق، يعني ودوا أن يخرجوكم من الهدى إلى الضلال، وما نوع هذا الضلال الذي أرادوه بالمسلمين؟ يمكن أن يفسر بالآية الثانية التي في البقرة: (( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم )) . يقول الله عز وجل: (( وما يضلون إلا أنفسهم )) يعني بمحاولتهم وودهم هذا لا يضلون إلا أنفسهم، وبماذا يضلون أنفسهم ؟ المعروف عند أكثر المفسرون المعنى وما يهلكون إلا أنفسهم وذلك لأنهم إذا تمنوا لكم الضلال أثموا على ذلك فصاروا هم كالضالين، وقيل: بل المعنى (( وما يضلون أنفسهم )) أنهم إذا اشتغلوا بمحاولة إضلالكم اشتغلوا عما فيه هداهم كما هو الواقع أن الإنسان إذا أراد أن يرد الحق وأن يضل غيره اشتغل بمحاولة إضلال غيره عن محاولة هداية نفسه، فيكون المعنى (( ما يضلون إلا أنفسهم )) لأنهم اشتغلوا بمحاولة إضلالهم إياكم عن طلب هدايتهم، لأن العادة أن الإنسان إذا اشتغل بمحاولة إضلال غيره تجده يطرق كل باب ويسلك كل طريق يحاول به إضلال الغير وينسى نفسه، ينسى نفسه وهذا واقع كثيرا حتى بين طلبة العلم أحيانا يريد الإنسان أن ينتصر لنفسه أو لقوله ولو كان خطأ فتجده يحاول أن يلتمس الأعذار والتحويلات والتصريفات وصرف النصوص عن ظاهرها من أجل أن توافق قوله وينسى أن يكون الواجب عليه إذا عورض أن يطلب الحق وأن يراجع نفسه لعل الصواب مع غيره كما يقع كثيرا عندما يختار الإنسان قولا أو يقول قولا ثم يراجع فيه يتبين له أن الصواب في خلاف ما كان يعتقد أولا ، إذا (( وما يضلون أنفسهم )) فيها رأيان، الرأي الأول: ما يضلون إلا أنفسهم بالإهلاك وكثرة العقاب حيث حالوا صد الناس عن دين الله، والثاني: ما يضلون إلا أنفسهم بانشغالهم بمحاولة إضلالكم عن طلب هداية أنفسهم، قال بعض المفسرين: هذا أولى، وذلك لأن الوعيد عليهم بما يكون في الآخرة غير مجدي في هذا المقام لأنهم أصلا لا يؤمنون بمن أنذر بهذا، لا يؤمنون بمن أنذر بهذا حتى يقال إنهم لا يهلكون إلا أنفسهم، ولكن الواقع أن هذا غير وارد يعني بمعنى أن الله يتكلم عن أمر الواقع، فالآية محتملة للمعنيين، المعنى الأول المشهور عند أكثر المفسرين أنهم يضلون أنفسهم بماذا؟ بهلاكهم بما يكتسبون من الذنوب والآثام، والمعنى الثاني: يضلون أنفسهم بإضاعتها وانشغالهم بما يكون سببا لإضلالكم، (( وما يضلون أنفسهم وما يشعرون )) يعني ما يشعرون أنهم أضاعوا الوقت في محاولة إضلالكم ونسوا أنفسهم، لأن الإنسان في غمرة الغلبة أو حب الغلبة وسكرة حب الظهور ينسى ولا يشعر بالوقت إذا ضاع عليه، فهؤلاء لا يشعرون لأن الوقت ضاع عليهم بانشغالهم بطلب أو بمحاولة إضلالكم، والشعور هو المعنى النفس الذي يشعر به الإنسان في نفسه توبيخا وتنديما أحيانا أو عكس ذلك تفريحا وتفاؤلا .