تتمة تفسير الآية : (( و لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئاً ... )) . حفظ
الشيخ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: (( ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر )) تكلمنا على هذه الجملة من الآية، وقلنا إن قوله تعالى: (( في الكفر )) خلاف ما يتوقعه السامع، إذ أن المسارعة تتعدى بإلى كما في قوله تعالى: (( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم )) وهنا جاءت في في مكان إلى، واختلف العلماء في مثل هذا التركيب، هل التجوز بحرف الجر أو بالفعل الذي تعدى بحرف الجر ؟، على قولين، أحدهما: أن التجوز بحرف الجر، يعني أننا نقدر حرفا مناسبا للفعل، فنقول في بمعنى إلى، والثاني: أن التجوز في الفعل بمعنى أن نضمن الفعل معنى يتعدى بفي، وقلنا إن الثاني أولى وأدق وأعمق، فيضمن: (( يسارعون فيه )) أيش ؟ يدخلون فيه بسرعة، فإذا فسرنا يدخلون فيه بسرعة تضمن المسارعة والدخول في الشيء،
وقوله: (( في الكفر )) أصل الكفر الستر، ومنه الكفراء وهو وعاء الطلع طلع النخل، وهو معروف لدى الجميع، ولكنه في الاصطلاح هو ما جحد ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أو جحد بعضه، أو ترك ما يستلزم الكفر بتركه، هذا تعريف الكفر: جحد ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أو جحد بعضه ولو حرفا واحدا من كتاب الله، أو ترك العمل الذي يستلزم تركه الكفر، يعني مثل الصلاة فتركها كفر وإن لم يجحد وجوبها .
(( إنهم لن يضروا الله شيئا )) الجملة هنا محلها مما قبلها تعليل، محلها تعليل، أي مهما سارعوا في الكفر فإنهم لن يضروا الله شيئا، وقوله: (( لن يضروا الله )) أي لن يلحقوا الضرر به جل وعلا وتقدس أن ينال بضرر، وفي الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن الله تعالى قال: ( يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ) .
وقوله: (( شيئا )) (( لن يضروا الله شيئا )) هذا نكرة في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم، يعني لن يضروا الله أي شيء لا في ذاته، ولا في ملكه، ولا في أسمائه وصفاته، ولا في غير ذلك، لن يضروا الله شيئا أبدا، وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي الذي أشرنا إليه آنفا: ( يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئا ) .
ثم قال الله تعالى: (( يريد الله أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة )) أي يريد الله سبحانه وتعالى بكفرهم ألا يجعل لهم حظا أي نصيبا في الآخرة، والإرادة هنا إرادة كونية، أي يشاء الله أن لا يجعل له حظا في الآخرة، أي لا يصير لهم نصيبا في الآخرة لا قليلا ولا كثيرا.