تفسير الآية : (( وآتوا النساء صدقاتهن نحلةً فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا )) . حفظ
ثم قال الله عز وجل: (( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة )) (( آتوا )) أي أعطوا ، والفرق بين " أتوا " و " آتوا " أن " آتوا " بمعنى أعطوا ، و" أتوا " بمعنى جاءوا ، إذا (( آتوا )) بمعنى أعطوا ، " وأتوا " بمعنى ، (( آتوا النساء صدقاتهن )) الخطاب في قوله: (( آتوا )) هل هو للأزواج أو للأولياء ؟ في الآية قولان ، القول الأول: أنه للأولياء ، فيكون المعنى أن الله أمر أولياء أن يعطوا النساء صدقاتهن بدون أن يأخذوا منهن شيئا ، لأن العرب في الجاهلية إذا زوج الرجل ابنته أخذ المهر ولم يعطها إلا ما تلبسه ليلة الزفاف والباقي يأخذه يسلبه إياها فأمرهم الله أن يعطوا النساء صدقاتهن نحلة ، والقول الثاني: أن الحطب للأزواج أمرهم الله عزوجل أن يعطوا النساء صدقاتهن عن طيب نفس بدون مماطلة وبدون تكره ، وإذا كانت الآية تحتمل المعنيين بدون تناقض فما الواجب ؟ حملها على الوجهين ، فنقول: الخطاب للأزواج وللأولياء ، (( وآتوا النساء صدقاتهن )) (( النساء )) يعني متزوجات بدليل قوله: (( صدقاتهن )) وصدقات جمع صدقة وهي المهر وسمي بهذا الاسم لأن بذله دليل على صدق الطالب للمرأة ، وقوله: (( نحلة )) أي عطية طيبة بها نفوسكم ، يقال: نحله ، أي أعطاه هدية طيبة بها نفسه ، وعلى هذا فزعم بعضهم أنها مفعول مطلق لقوله: (( آتوا النساء )) فهي مثل قول القائل: وقفت قياما ، أو جلست قعودا ، لأن آتى بمعنى نحل وآتوا بمعنى انحلوا ، والنحلة هي العطية عن طيب نفس .(( فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه )) (( إن طبن )) يعني النساء ، وقوله: (( نفسا )) مصدر محول عن الفاعل ، والمصدر المحول تارة يحول عن الفاعل كما في هذه الآية ، وتارة يحول عن المفعول به كما في قوله تعالى: (( وفجرنا الأرض عيونا )) يعني عيون الأرض ، (( فإن طبن لكم عن شيء منه )) " من " قيل: إنها تبعيضية ، وقيل: إنها بيانية ، فعلى الأول يكون المعنى: إن طبن لكم عن بعضه ، وعلى الثاني يكون المعنى: إن طبن لكم عن كله أو بعضه ، لأن " من " بيان لمحل الحكم بقطع النظر عن كونه كله أو بعضه (( إن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه )) عبر بالأكل لأنه أخص وجوه الانتفاع إذ أن الأكل يغذي البدن وينموا به البدن بخلاف اللباس وبخلاف المساكن وبخلاف المراكب فإن منفعتها خارجية ، فاللباس كسوة خارجية ، ولكن الأكل كسوة داخلية ، صح ؟ الأكل كسوة داخلية ؟ منفعة نعم صحيح منفعة لكن هي كسوة أيضا ، قال الله تعالى: (( إنك لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى )) التناسب بين الظمأ والضحى الذي هو حرارة الشمس واضح ، وبين الجوع والعري واضح ، لأن الشبع كسوة الباطن ، المعدة فاضي ما فيها شيء عاري فإذا أدخلت الطعام فيها غطاها وكساها ، فهو كسوة باطنية ، على كل حال إذا (( فكلوه هنيئا )) أقول عبر بالأكل لأنه أخص وجوه الانتفاع لأن منفعته للبدن مباشرة ينموا به البدن بخلاف اللباس وبخلاف المسكن وبخلاف المركوب فإنها منفعة خارجية ، (( فكلوه هنيئا )) أي حين الأكل ، (( مريئا )) أي بعد الأكل ، فالمريء محمود العاقبة ، والهنيء سهل المساق ، وأضرب لكم مثلا يبين: إذا أعطى شخصا من غير أهل جدة سمكة وأراد يأكلها يمكن إذا أكلها ... عشر مرات قبل أن تصل إلى معدته ، لأن فيها شوكة وزعانف وما أشبه ذلك مما يغصصه بها ، هل هذا الأكل هنيء أو غير هنيء ؟ غير هنيء ، لكن الجداوي تسمع صريخ عظامها بين أسنانه ولا يبالي ، وهذا الشيء شاهدته أنا ، شاهدته أنا بنفسي ، يأخذ ال ... ويجعل بين أسنانه يقرضه كما نقرض التمر اليبيس ، هذا يكون هنيئا له أو لا ؟ هذا يكون هنيئا له لأنه يصيغه بسهولة ، لكن لمن لم يعتده ليس هنيئا ، (( مريئا )) قلنا محمود العاقبة ، ربما يأكل الإنسان أكلا لينا لذيذا في الفم لكن إذا وصل إلى بطنه جعل يتلوى منه ، ماذا يكون ؟ مريء أو غير مريء؟ غير مريء ، هذا غير مريء .
هل من ذلك ما يفعله بعض الناس ، يكون الطعام حارا يشوي يده ثم يشوي فمه ثم يبتلع بسرعة ثم يشوي بطنه ؟ هذا ليس محمود العاقبة ، لأنه يضره ، لكن بعض الناس سبحان الله ما يهمه هذا الشيء ، والذي ينبغي أن يأكل الإنسان أكلا محمود العاقبة يكون مريئا ، ولهذا قال بعض الناس كلمة أعجبتني ، قال:" كل ما يلذ لبطنك لا ما يلذ لفمك " صحيح ؟ أحيانا إنسان يأكل الطعام طعمه طيب و ... حلو ، لكن إذا وصل إلى البدن أوجع البطن إما لكون البطن مملوءا من قبل أو لسبب ما ، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله: " إن الطعام يكون حراما إذا خاف الإنسان منه لأذى أو التخمة " يكون حراما يحرم أن يأكله إذا خاف الأذى أو التخمة ، الأذى بأيش ؟ الأذى بالأكل يحمل بطنه وقد ملأه يتعب حتى إذا جلس يمكن لا يجلس إلا متربعا بشدة ملأ البطن ، هذا نقول يحرم عليك أن تأكل ، أو التخمة ، أتعرفون التخمة ؟ ما هي ؟ شبع ، لا ، التغير ، نحن نسميها غيرة أو غيرة كطيرة يعني الغير والتغير الحمد لله ـ يأتي بالمآكل قليل جدا ، لكن فيما سبق لما كانت المآكل ليست بذلك الطيبة يجد الإنسان التخمة ، يصير إذا تجشع يظهر منه رائحة خبيثة وربما يصاب بمرض ، على كل حال أنا است ... كثيرا ، شيخ الإسلام رحمه الله يقول: إن الإنسان إذا خاف من الأكل الأذى أو التخمة فإنه يحرم عليه ، وما قاله له وجه ، لكن مع الأسف أننا الآن نأكل كثيرا ثم إذا ملأنا البطون ذهبنا نطلب المهضم ، أليس كذلك ؟ بل إني بعض المواعد أجد فيها بصفوفها البيبسي وما أشبهها من أجل أنه لما يأكل يشرب هذا ، نقول لا تكلف نفسك ، كل أكلا معتادا ، وحدثني إنسان طبيب كان عندي في الأسبوع الماضي طبيب أمريكي أصلا يقول: أنا أسلمت على حادث واحد وعلى آية واحدة ، قلنا ما هي ؟ قال الحديث: ( حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفثه ) يقول هذا أصول الطب ، هذا أصول الطب ولو أن الناس نفذوه ما كاد يمرض أحد ، أما الآية فهي قوله تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا بوجوهكم وأرجلكم إلى الكعبين )) يقول هذه الأعضاء التي هي بارزة ظاهرة تتعرض الغبار وتتعرض للأوساخ ، تتعرض لكل شيء إذا غسلت في اليوم والليلة خمس مرات بقيت نظيفة ، إذا الإسلام دين النظافة ودين الحمية ، وهذه أصول الطب ، فقلنا له بعد فيه شيء آخر غير هذا ، إن الطهارة هذه تطهر الأذى المعنوي وهو الذنوب ، لأنه يغفر للإنسان في آخر من قطراته ، لكن هذه لا يعرفها الكفار ، الكفار ليس لهم إلا الظاهر ، فأقول