تتمة فوائد الآية : (( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ... )) . حفظ
تتمة فوائد الآية الكريمة: (( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آبآؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما )) . ومن فوائدها: أن الميراث لا يكون إلا بعد الدين والوصية ، لقوله: (( من بعد وصية يوصي بها أو دين )) ولكن الدين قد يستغرق جميع التركة فلا يبقى للورثة شيء ، وأما الوصية فلا تستغرق جميع التركة ، لأن أقصى ما يمكن الثلث ، وما زاد على الثلث فهو للورثة ، وعلى هذا فيفرق بين الدين والوصية وهو أن الدين قد يستغرق المال فلا يبقى للورثة شيء ، والوصية لا يمكن أن تستغرق المال ، لأن ما زاد على الثلث موقوف على إجازة الورثة ، وعلى هذا فلو مات شخص وخلف مائة ألف وعليه دين يبلغ مائة ألف ؟ فليس للورثة شيء ، ولو مات ميت وقد أوصى بمائة ألف ولما مات وجدنا خلفه مائة ألف لم يبق للورثة شيء ؟ نقول: نرد مائة إلى الثلث ما لم تجز الورثة . ومن فوائدها: أن المفضول قد يقدم على الفاضل لاعتبارات أخرى ، من أين نأخذها ؟ من قوله تعالى: (( من بعد وصية يوصي بها أو دين )) الدين أوجب من الوصية وأقدم لكن قدمت الوصية لاعتبارات أخرى ، كتقديم هارون على موسى في بعض المواضع ، في سورة طه قدم هارون على موسى (( رب هارون وموسى )) لاعتبارات وهي مراعاة الفواصل وإلا لاشك أن موسى هو أفضل من هارون ومقدم عليه في جميع مواضع القرآن ، إذا نأخذ منه أن المفضول قد يقدم على الفاضل لاعتبارات أخرى . ومن فوائدها: قصور علم الإنسان ، من أين تؤخذ ؟ من قوله تعالى: (( آبائكم وأبنائكم لا تدرون أيهم أقرب إليكم نفعا )) نعم أقرب الناس إلى الإنسان آباءهم وأبنائهم فإذا كان لا يدري أيهم أقرب نفعا فما بالك بالبعيد ؟ وهذا لاشك يعود إلى قصور علم الإنسان ، وقد قال تعالى: (( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )) الروح التي هي بين جنبيك لا تعرفها ، لأنك لم تؤت من العلم إلا القليل . ومن فوائدها: وجوب إعطاء الورثة نصبهم من الإرث وأنه فرض ، من أين يؤخذ ؟ من قوله: (( فريضة من الله )) وعلى هذا فيكون تعلم الحساب الفرضي فريضة ، انتبهوا يا جماعة ! فريضة على كل حال أو كفاية ؟ نعم ، أو نفسر نقول: إن كان يتوقف عليه إعطاء كل ذي نصيب نصيبه فهو فرض وإن كان لا يتوقف فليس بفرض ، ماذا تقولون ؟ الأول ؟ تعلم الحساب في الفرائض هل هو مقصود أو وسيلة ؟ إذا كان وسيلة ننظر إذا احتجنا إليه أخذنا به وإن لم نحتج فلا ، لكن في الغالب أننا نحتاج إليه ، لو جاء إنسان وقال اقسم زوج وأم وأخ من أم ، نقول: للزوج نصف وللأم الثلث وللأخ لأم الثلث ، ولا يلزم أن نقول المسألة من ستة للزوج نصف ثلاثة وللأم الثلث اثنان وللأخ للأم سدس واحد ، هذا ليس بلازم ، لكن أحيانا يتوقف القسم والعطاء كل ذي نصيب نصيبه على معرفة الحساب ، فإذا توقف على معرفة الحساب صارت فمعرفة الحساب فريضة كالأصل . ومن فوائدها: أن أمر الفرائض إلى الله ، لقوله: (( فريضة من الله )) وأقول ذلك وإن كان الأمر معلوما لكن من أجل الأدب ، من أجل الأدب في الفتيا ، كان الإمام أحمد رحمه الله مع علمه الغزير لا يطلق على شيء أنه فريضة أو أنه حرام إلا إذا ورد به النص وإلا تجده يقول: لا أفعل ، أكره هذا ، لا يعجبني ، وما أشبه ذلك ، كل هذا من باب الورع ، أما نحن قشور الحبحب فتجد واحد منا يقول: هذا يحرمه الشرع ، الشرع كله ، هذا حرام في الشرع ، سبحان الله ، هذا الرجل لو تبحث معه في أدنى مسألة ما يعرفها ويقول هذا حرام في الشرع وهو من المسائل الاجتهادية وقد يكون الصواب أنه ليس بحرام ، ثم يضاف إلى الشرع كله من شخص ليس أهل الاجتهاد ، هذا مشكل ، لكن لو سألك سائل: ما تقول في الميتة تقدر تقول حرام ؟ تقول حرام ، أقدر أقول هذا ، لأنه هكذا في القرآن ، إذا يجب على الإنسان أن يتحرز ، كثيرا ما يلجئونا بعض الناس تكون المسألة عندنا ما هي واضحة بالتحريم ثم نقول لا تفعل ، ثم يقول حرام ؟ يسر ولكننا نصر على أن نقول لا تفعل هكذا ، ويكفينا هذا يا إخوان يكفينا حجة عند الله عزوجل ، لا تفعل ، فإذا أصر هو حرام أو غير حرام ؟ نقول لا تفعل بس ، لأن بعض الناس يلجئك يعني معناه إن كان حراما ما نفعل وإن كان غير حرام أريد أن أفعله ولو فيه شبهة ، هذا معنى كلامه ، وهذا واضطراب ، فلا يلزم أن نقول حرام ، إذا لم يتبين لي لا يلزمني بل إن بعض الناس سبحان الله أقول له نهى الرسول عليه الصلاة والسلام ، يقول لكن هل النهي للتحريم ؟ سبحان الله ، نهى عنه الرسول اتركه ، أنت ملزم به إذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم خلاص انتهي عنه ، إن كان للتحريم فقد سلمت من إثمه وإن كان لكراهة فقد رجعت بفضله ، لأن ترك المكروه يعتبر من الزهد إذ أن الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة والورع ترك ما يضر ، أيهما أعلى ؟ الورع ، التقليد في الأعمى لا يفيد ؟ الزهد ؟ استمعوا للتعريف ؟ الزهد ما لا ينفع في الآخرة ، والورع ترك ما يضر في الآخرة ، الزهد أعلى ، لأن بين ما لا ينفع و بين ما يضر مرتبة ، الذي ما فيه نفع ولا ضرر الزاهد يتركه ، الزاهد يترك من أمر الدنيا ما ليس فيه نفع ولا ضرر ، الورع لا يترك للحرام ، إذا طبقة التارك للمكروه أعلى من طبقة التاركين للحرام ، لأن ترك الحرام من باب الورع وترك المكروه من باب الزهد . ومن فوائدها: إثبات اسمين من أسماء الله ، هما: العليم ، والحكيم ، لقوله: (( إن الله كان عليما حكيما )) . ومن فوائدها اللغوية: أن " كان " قد تسلب دلالتها على الزمان ، لأنها لو دلت على الزمان (( إن الله كان عليما حكيما )) لو دلت على الزمان لكان الرب عزوجل الآن ليس عليما ولا حكيما ، كان ، لكنها أحيانا تسلب دلالتها على الزمان ويكون مدلولها مجرد الحدث أو مجرد الوصف إذا كانت صفة ، ولهذا قال بعض السلف وأظنه ابن عباس قال: (( إن الله كان غفورا رحيما )) ولم يزل غفورا رحيما ، خوفا من هذا الوهم أن " كان " لأيش ؟ للماضي ، ولهذا لو سئلت رجل فلان هل كان غنيا ؟ تقول كان غنيا ، المعنى ؟ وأما الآن ففقير ، تسأل عن طالب هل هو مجتهد ؟ فتقول: كان مجتهدا ، والآن ؟ غير مجتهد ، تسأل هل ينام في الدرس ؟ فتقول كان لا ينام في الدرس ، والآن ؟ الآن ينام ، فعلى كل حال " كان " في الأصل تدل على زمن مضى لكنها أحيانا تسلب دلالتها على الزمان فتكون لمجرد الوصف بخبرها . ومن فوائدها: أنها تستلزم التسليم التام لقضاء الله الكوني والشرعي ، من أين ؟ إذا آمنت بأن الله عليم حكيم فسأطمئن وأعلم أنه ما قضى قضاء شرعيا إلا والحكمة تقتضيه وما قضى قضاء كونيا إلا والحكم تقتضيه ، فيسلم الإنسان لربه عزوجل تسليما تاما وينشرح صدره لقضائه وقدره وينشرح صدره بشرعه وحكمه ولا يبقى عنده أي تردد ، ولهذا انظر للصحابة كيف كان قبولهم للشرع ، لما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للنساء: ( يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن فإني رأيتكن أكثر أهل النار ) ماذا فلعن ؟ بدأت واحدة تأخذ خاتمها ، تأخذ صوارها ، وتقول يلا يا بلال أعطنا ثوبك فجعلن يلقين ذلك في ثوب بلال ، حليهن التي تتجمل بها لزوجها تخلعه لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهن أن يتصدقن ، امتثال غريب ، و الرجل الذي نزع النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاتمه من أصبعه وهو ذهب والذهب حرام على الرجال وطرحه رمى به ، قيل للرجل: خذ ، قال لا آخذ خاتما طرحه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، مثال عجيب ، لما قال للصحابة بعد رجوعهم من الأحزاب لا يصلين أحد إلا في بني قريظة ، اليهود لأجل قتالهم لأنهم نقضوا العهد ، هل تأخروا ؟ أبدا ، شدوا رحالهم ومشوا ، ما قالوا والله نحن تعبانين ، دعنا أسبوع هذا يكون راحة ، مشوا ، وماذا فعلوا ؟ بعضهم أخذ بظاهر اللفظ قال ما أصلي العصر إلا في بني قريظة ولو في نصف الليل ، وصاروا حتى وصلوا في بني قريظة وصلوا ، والآخرون قالوا لا إنما قصد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نبادر ما قصد أن نؤخر الصلاة ، وقالوا عندنا نصان أحدهما متشابه والثاني محكم ، ما هو المتشابه ؟ ( لا يصلين أحد إلا في بني قريظة ) فهذا يحتمل أن المعنى تأخير الصلاة أو المعنى تأجيل الصير والمشي ، لكن وجوب الصلاة في وقتها (( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا )) محكم ، فيجب أن نرد المتشابه إلى المحكم ونصلي الصلوات في وقتها وإن لم نصل إلى بني قريظة .