فوائد الآية : (( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت ... )) . حفظ
في هذه الآية عدة فوائد ، منها: أن التوبة تنقطع باحتضار المرء أي بحضور الموت ، لقوله: (( حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن )) . ومن فوائدها: أن المحتضر لا حكم لقوله ، هكذا ؟ أو نقول لا حكم لقوله الذي يستعتب به لأنه في هذه الحال ليس وقت استتاب أما لو قال قولا آخر فإنه يعتبر ؟ الجواب: الأول ، المحتضر لا عبرة بقوله ، لأنه غير كامل الشعور ، غير كامل الشعور فلا يعتبر بقوله .
ومن فوائدها: أنه يشترط لصحة التوبة أن تكون في الزمن الذي تقبل فيه التوبة ، وذلك قبل حضور الموت ، وحينئذ يحسن بنا أن نأتي على شروط التوبة وقد تتبعناها فوجدناها خمسة: الشرط الأول: الإخلاص لله عزوجل ، بأن لا يكون الحامل له على التوبة إلا محبة الله والقرب إليه والخوف من عذابه لا لينال شيئا من الدنيا أو يدفع عنه مذمة في الدنيا ، إنما يحمل على التوبة الإخلاص لله عز وجل . الثاني: الندم ، الندم على ما فعل من الذنب ، فإن تاب بلا ندم فتوبته إما فاسدة لعدم تمام شروطها أو ناقصة جدا ، وقد أورد بعض العلماء على هذا الشرط إشكالا وهو أن الندم انفعال والإنسان يفعل ولا ينفعل ، كيف يندم ؟ والجواب عن ذلك هل جدا: الندم أن يشعر بنفسه أنه أساء فيحزن وتمنى أن لم يكن فعل ذلك ، هذا هو الندم المراد به ، وهذا شيء ممكن ، هذا شيء ممكن ، ولهذا أرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن الانفعال قد يملكه الإنسان ، فقال: ( ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) مع أن الغضب انفعال ، إذا وجد الغضب ... الإنسان ما يستطيع ، لكن مع ذلك يمكن أن يملك نفسه ، فكذلك أيضا بعث الانفعال يمكن ، فتهدئة الانفعال ممكن وبعثه أيضا يمكن . الشرط الثالث: الإقلاع ، الإقلاع عن الذنب ، فإن لم يقلع فتوبته كاذبة ، وهو إلى الاستهزاء بالله أقرب منه إلى تعظيم الله ، كيف يقول إنه تائب من شرب الخمر وهو مدمن عليه ؟ كيف يقول إنه تائب من الربا وهو مصر عليه ؟ هذا استهزاء بالله عزوجل ، لو أنك أتيت ملكا من الملوك وقلت أنا تائب ، أنا تائب ما أسب ولا أقول شيء ، لكن من حين ما يجد الغفلة من الملك ولو بتكليم من إلى جنبه يقول ولو بالإشارة : هذا ملك لا خير فيه ، هل يكون هذا توبة ؟ أبدا ما هو بتوبة ، فكيف بملك الملوك عزوجل ؟ كيف تتوب إلى الله من ذنب أنت مصر عليه ؟ هذا لا يمكن . فإذا قال قائل: نرى بعض الناس يقول: وإذا كان الذنب حقا لآدمي فلابد من إيصاله إليه ؟ قلنا هذا الشرط لا يخرج عما قلنا وهو الإقلاع ، إقلاع عن الذب ، إذا كان ذنبك حقا لآدمي و على إضاعة هذا الحق فأنت لم تقلع عن الذنب ، فإن كان حق الآدمي إن كان مالا فأعطه إياه ، إن كان دما فأعطه إياه ، إن كان عرضا فاستحلله منه ، إذا كان مالا وقد مات الذين ظلمته فيه فماذا أصنع ؟ ابحث عن ورثته ، فإن لم تجد وتعذر عليك فتصدق به ، وحينئذ تتصدق به عن الورثة أو عن الميت ؟ تتصدق به عن الميت ، الميت مات ؟ إذا مات الميت ينتقل الحق إلى من في ماله ؟ إلى الورثة ، فأن تتصدق به عن الورثة مع الاستغفار من ظلم الميت ، ولذلك لو أنك أديت المال إلى الورثة لأنك لم تتب توبة تامة حتى تستغفر الله للميت ، لأنك حقيقة ح ... بينه وبين ماله ، طيب إذا كان الحق دما مثل أن يكون الرجل قد دهس شخصا وهرب خوفا من السلطة ثم ندم وتاب فماذا يصنع ؟ يذهب إلى أوليائه ويقول هذا الذي حصل ، وكذلك لو قتله عمدا وندم يذهب أوليائه ويقول قتلت صاحبكم عمدا ، إذا كان غيبة يعني عرضا يعني قد ظلم شخصا في عرضه فماذا يصنع ؟ قال بعض العلماء لابد أن يستحله ، لابد أن يستحله يذهب إليه ويقول إني اغتبتك فحللني ، وهذه المسألة اعترض عليها بعض العلماء وقال إنه إذا ذهب يقول إني اغتبتك فحللني ربما تأخذه العزة بالإثم ويقول لا ، ولكن يجب التفصيل وهو أنه إذا كان قد علم بأنك اغتبته وجب عليك أن تستحله ، أما إذا لم يعلم ولا تخشى أن يعلم فإنه يكفي أن تستغفر له على ما جاء في الحديث: ( كفارة من اغتبته أن تستغفر له ) فتستغفر له وتذكره بخير في المجالس التي كنت اغتبته فيها . الشرط الرابع: أن يعزم على ألا يعود في المستقبل إلى ما تاب منه ، فإن كان تاب ندم وأقلع لكن في قلبه أنه لو تمكن من فعل الشيء مرة ثانية فعل ، فهذا لم تصح توبته ، لأنه لم يعزم على ألا يعود بل لابد أن يعزم على ألا يعود ، فإن كان يحدث نفسه بأني لو حصل له هذا الذنب لعاد إليه فإنه لم يتب ، ويجب أن نعرف الفرق بين قولنا " العزم على ألا يعود " أو شرط ألا يعود ، هذا ليس بشرط ألا يعود ، الشرط أن يعزم ألا يعود ، والفرق بينهما ظاهر ، لأنك إذا قلت يشترط العزم على ألا يعود وعزم ألا يعود ثم سولت له نفسه بعد ذلك فعاد فإن توبة الأولى صحيحة ، لكن لو قلت يشترط ألا يعود فإنه إذا عاد بعد ذلك فتوبته غير صحيحة ، ولكن العلماء يقولون يشترط أن يعزم ألا يعود . الشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقت تقبل من التائب ، فإن كانت في وقت لا تقبل منه كما لو حضر الأجل أو طلعت الشمس من مغربها فإن التوبة لا تقبل ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا تنقطع التوبة حتى تنقطع الهجرة ولا تنقطع الهجرة حتى تطلع الشمس من مغربها ) فإذا تاب الإنسان عند طلوع الشمس من مغربها أو عند حضور الأجل لم تقبل منه ، وهذا فرعون لما أدركه الغرق أسلم بل آمن ، قال: (( آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل )) يعني الله عزوجل ، لكنه لم يصرح باسم الله وإنما قال: (( أمنت به بنو إسرائيل )) مبالغة في التذلل وإتباعه لبني إسرائيل بعد ما كان مستعليا عليهم ومتكبرا عليهم ، الآن صار تابعا لهم (( إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )) المسلمين لله ، فقيل له: (( آلآن )) تتوب ؟ (( وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين )) نسأل الله أن يمن علينا وعليكم بالتوبة قبل حضور الأجل ـ ، واختلف العلماء رحمهم الله هل يشترط لقبول التوبة أن ينزع عن جميع المعاصي أو لا يشترط ، فمنهم من قال يشترط أي ينزع عن جميع المعاصي وأن تاب من الزنا وهو يرابي فإن توبته من الزنا لا تقبل ، لأن التوبة الحقيقة هي التي تملأ قلب العبد خشية لله وعظيما لله ، والذي يتوب من ذنب وهو مصر على الآخر لا يتحقق في حقه ذلك ، ومنهم من فصل وقال: إن كان الذنب الذي أصر عليه من جنس الذنب الذي تاب منه فإنه لا تقبل توبته ، وإن كان من غير جنسه فإنها تقبل ، مثال ذلك: لو تاب من النظر إلى النساء النظر المحرم ولكنه يلمس النساء لمسا محرما ، فهنا الجنس واحد فلا تقبل توبته من النظر لأنه يمارس جنسه ، فالنفس إذا متعلقة بهذا الجنس ولم تقلع عنها ، أما إذا كان من غير جنسه فلا بأس ، ويزني ويشرب الخمر فتوبته من الربا صحيحة مقبولة ، ولو تاب من شرب الخمر وهو مصر على الزنا فتوبته منه مقبولة ، والصحيح أن التوبة من الذنب تقبل مع الإصرار على غيره لكنه لا يستحق ـ أعني التائب ـ وصف التوابين وصف المطلق ، وإنما هو تائب توبة مقيدة ، بأيش ؟ بهذا الذنب المعين ، فالوصف المطلق للتائبين لا يستحقه ، لكن وصفه بالتوبة من هذا الذنب وهو وصف مقيد يثبت له ، لأن هذا هو العدل ، والله عزوجل أمر بالعدل والقسط وهو سبحانه وتعالى أهل العدل والقسط ، وهذا القول هو الصحيح ، وابن القيم رحمه الله في " مدارج السالكين " لما تلكم على هذه المسألة قال " وبعد فإن هذه المسألة لها غور بعيد " يعني أنها ليست بأمر هين الذي تلقى أحكامه على اللسان ، لأن لها تعلقا بالقلوب والقلوب حساسة كالكرة على سطح الماء تهتز لا يمسكها شيء ، فالمسألة دقيقة لها غور عظيم ، وأصل التوبة تعظيم الله عزوجل وإجلاله والخشية منه والخوف منه ، فإذا تحقق للإنسان هذا هانت عليه التوبة ، وأما مع عدم ذلك فالتوبة عليه صعبة . ـ نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم ـ .
السائل : إذا كانت التوبة لا تنفع عند حضور الأجل فما الفائدة من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعمه أبو طالب : ( قل لا إله إلا الله كلمة أحاج بها عند الله ) ؟
الشيخ : والجواب على ذلك: أن هذه قضية عين ، فكما أن أبا طالب ينتفع بشفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام دون غيره من الكافرين فقد ينتفع بإسلامه دون غيره من التائبين في هذه الحال ، هذه واحدة ، الوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يجزم بأنها تنفعه ، ماذا قال ؟ أحاج ، والمحاج قد تقبل حجته وقد لا تقبل ، فإذا كان هذا الحديث لا يدل على أنها تقبل جزما فإنه من المتشابه الذي يحمل على المحكم وأن التوبة في هذه الحال لا تقبل .
السائل : سؤال غير واضح ؟
الشيخ : نحن نجيب على هذا بجوابين ، الجواب الأول سبق وأن العامل للسوء بجهل الذي هو ضد العلم لا يؤاخذ به أصلا فلا تلزمه التوبة منه ، والثاني: أن الجهالة لا تطلق على الجهل الذي هو ضد العلم بل هي معنى عن السفاهة .
السائل : أليس توبة قول الكافر " لا إله إلا الله " الذي قتله أسامة رضي الله عنه ؟
الشيخ : هذه قضية عين ولا ندري إن اليهودي هذا قد حضره الأجل ... إنه قريب منه
ومن فوائدها: أنه يشترط لصحة التوبة أن تكون في الزمن الذي تقبل فيه التوبة ، وذلك قبل حضور الموت ، وحينئذ يحسن بنا أن نأتي على شروط التوبة وقد تتبعناها فوجدناها خمسة: الشرط الأول: الإخلاص لله عزوجل ، بأن لا يكون الحامل له على التوبة إلا محبة الله والقرب إليه والخوف من عذابه لا لينال شيئا من الدنيا أو يدفع عنه مذمة في الدنيا ، إنما يحمل على التوبة الإخلاص لله عز وجل . الثاني: الندم ، الندم على ما فعل من الذنب ، فإن تاب بلا ندم فتوبته إما فاسدة لعدم تمام شروطها أو ناقصة جدا ، وقد أورد بعض العلماء على هذا الشرط إشكالا وهو أن الندم انفعال والإنسان يفعل ولا ينفعل ، كيف يندم ؟ والجواب عن ذلك هل جدا: الندم أن يشعر بنفسه أنه أساء فيحزن وتمنى أن لم يكن فعل ذلك ، هذا هو الندم المراد به ، وهذا شيء ممكن ، هذا شيء ممكن ، ولهذا أرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن الانفعال قد يملكه الإنسان ، فقال: ( ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) مع أن الغضب انفعال ، إذا وجد الغضب ... الإنسان ما يستطيع ، لكن مع ذلك يمكن أن يملك نفسه ، فكذلك أيضا بعث الانفعال يمكن ، فتهدئة الانفعال ممكن وبعثه أيضا يمكن . الشرط الثالث: الإقلاع ، الإقلاع عن الذنب ، فإن لم يقلع فتوبته كاذبة ، وهو إلى الاستهزاء بالله أقرب منه إلى تعظيم الله ، كيف يقول إنه تائب من شرب الخمر وهو مدمن عليه ؟ كيف يقول إنه تائب من الربا وهو مصر عليه ؟ هذا استهزاء بالله عزوجل ، لو أنك أتيت ملكا من الملوك وقلت أنا تائب ، أنا تائب ما أسب ولا أقول شيء ، لكن من حين ما يجد الغفلة من الملك ولو بتكليم من إلى جنبه يقول ولو بالإشارة : هذا ملك لا خير فيه ، هل يكون هذا توبة ؟ أبدا ما هو بتوبة ، فكيف بملك الملوك عزوجل ؟ كيف تتوب إلى الله من ذنب أنت مصر عليه ؟ هذا لا يمكن . فإذا قال قائل: نرى بعض الناس يقول: وإذا كان الذنب حقا لآدمي فلابد من إيصاله إليه ؟ قلنا هذا الشرط لا يخرج عما قلنا وهو الإقلاع ، إقلاع عن الذب ، إذا كان ذنبك حقا لآدمي و على إضاعة هذا الحق فأنت لم تقلع عن الذنب ، فإن كان حق الآدمي إن كان مالا فأعطه إياه ، إن كان دما فأعطه إياه ، إن كان عرضا فاستحلله منه ، إذا كان مالا وقد مات الذين ظلمته فيه فماذا أصنع ؟ ابحث عن ورثته ، فإن لم تجد وتعذر عليك فتصدق به ، وحينئذ تتصدق به عن الورثة أو عن الميت ؟ تتصدق به عن الميت ، الميت مات ؟ إذا مات الميت ينتقل الحق إلى من في ماله ؟ إلى الورثة ، فأن تتصدق به عن الورثة مع الاستغفار من ظلم الميت ، ولذلك لو أنك أديت المال إلى الورثة لأنك لم تتب توبة تامة حتى تستغفر الله للميت ، لأنك حقيقة ح ... بينه وبين ماله ، طيب إذا كان الحق دما مثل أن يكون الرجل قد دهس شخصا وهرب خوفا من السلطة ثم ندم وتاب فماذا يصنع ؟ يذهب إلى أوليائه ويقول هذا الذي حصل ، وكذلك لو قتله عمدا وندم يذهب أوليائه ويقول قتلت صاحبكم عمدا ، إذا كان غيبة يعني عرضا يعني قد ظلم شخصا في عرضه فماذا يصنع ؟ قال بعض العلماء لابد أن يستحله ، لابد أن يستحله يذهب إليه ويقول إني اغتبتك فحللني ، وهذه المسألة اعترض عليها بعض العلماء وقال إنه إذا ذهب يقول إني اغتبتك فحللني ربما تأخذه العزة بالإثم ويقول لا ، ولكن يجب التفصيل وهو أنه إذا كان قد علم بأنك اغتبته وجب عليك أن تستحله ، أما إذا لم يعلم ولا تخشى أن يعلم فإنه يكفي أن تستغفر له على ما جاء في الحديث: ( كفارة من اغتبته أن تستغفر له ) فتستغفر له وتذكره بخير في المجالس التي كنت اغتبته فيها . الشرط الرابع: أن يعزم على ألا يعود في المستقبل إلى ما تاب منه ، فإن كان تاب ندم وأقلع لكن في قلبه أنه لو تمكن من فعل الشيء مرة ثانية فعل ، فهذا لم تصح توبته ، لأنه لم يعزم على ألا يعود بل لابد أن يعزم على ألا يعود ، فإن كان يحدث نفسه بأني لو حصل له هذا الذنب لعاد إليه فإنه لم يتب ، ويجب أن نعرف الفرق بين قولنا " العزم على ألا يعود " أو شرط ألا يعود ، هذا ليس بشرط ألا يعود ، الشرط أن يعزم ألا يعود ، والفرق بينهما ظاهر ، لأنك إذا قلت يشترط العزم على ألا يعود وعزم ألا يعود ثم سولت له نفسه بعد ذلك فعاد فإن توبة الأولى صحيحة ، لكن لو قلت يشترط ألا يعود فإنه إذا عاد بعد ذلك فتوبته غير صحيحة ، ولكن العلماء يقولون يشترط أن يعزم ألا يعود . الشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقت تقبل من التائب ، فإن كانت في وقت لا تقبل منه كما لو حضر الأجل أو طلعت الشمس من مغربها فإن التوبة لا تقبل ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا تنقطع التوبة حتى تنقطع الهجرة ولا تنقطع الهجرة حتى تطلع الشمس من مغربها ) فإذا تاب الإنسان عند طلوع الشمس من مغربها أو عند حضور الأجل لم تقبل منه ، وهذا فرعون لما أدركه الغرق أسلم بل آمن ، قال: (( آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل )) يعني الله عزوجل ، لكنه لم يصرح باسم الله وإنما قال: (( أمنت به بنو إسرائيل )) مبالغة في التذلل وإتباعه لبني إسرائيل بعد ما كان مستعليا عليهم ومتكبرا عليهم ، الآن صار تابعا لهم (( إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين )) المسلمين لله ، فقيل له: (( آلآن )) تتوب ؟ (( وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين )) نسأل الله أن يمن علينا وعليكم بالتوبة قبل حضور الأجل ـ ، واختلف العلماء رحمهم الله هل يشترط لقبول التوبة أن ينزع عن جميع المعاصي أو لا يشترط ، فمنهم من قال يشترط أي ينزع عن جميع المعاصي وأن تاب من الزنا وهو يرابي فإن توبته من الزنا لا تقبل ، لأن التوبة الحقيقة هي التي تملأ قلب العبد خشية لله وعظيما لله ، والذي يتوب من ذنب وهو مصر على الآخر لا يتحقق في حقه ذلك ، ومنهم من فصل وقال: إن كان الذنب الذي أصر عليه من جنس الذنب الذي تاب منه فإنه لا تقبل توبته ، وإن كان من غير جنسه فإنها تقبل ، مثال ذلك: لو تاب من النظر إلى النساء النظر المحرم ولكنه يلمس النساء لمسا محرما ، فهنا الجنس واحد فلا تقبل توبته من النظر لأنه يمارس جنسه ، فالنفس إذا متعلقة بهذا الجنس ولم تقلع عنها ، أما إذا كان من غير جنسه فلا بأس ، ويزني ويشرب الخمر فتوبته من الربا صحيحة مقبولة ، ولو تاب من شرب الخمر وهو مصر على الزنا فتوبته منه مقبولة ، والصحيح أن التوبة من الذنب تقبل مع الإصرار على غيره لكنه لا يستحق ـ أعني التائب ـ وصف التوابين وصف المطلق ، وإنما هو تائب توبة مقيدة ، بأيش ؟ بهذا الذنب المعين ، فالوصف المطلق للتائبين لا يستحقه ، لكن وصفه بالتوبة من هذا الذنب وهو وصف مقيد يثبت له ، لأن هذا هو العدل ، والله عزوجل أمر بالعدل والقسط وهو سبحانه وتعالى أهل العدل والقسط ، وهذا القول هو الصحيح ، وابن القيم رحمه الله في " مدارج السالكين " لما تلكم على هذه المسألة قال " وبعد فإن هذه المسألة لها غور بعيد " يعني أنها ليست بأمر هين الذي تلقى أحكامه على اللسان ، لأن لها تعلقا بالقلوب والقلوب حساسة كالكرة على سطح الماء تهتز لا يمسكها شيء ، فالمسألة دقيقة لها غور عظيم ، وأصل التوبة تعظيم الله عزوجل وإجلاله والخشية منه والخوف منه ، فإذا تحقق للإنسان هذا هانت عليه التوبة ، وأما مع عدم ذلك فالتوبة عليه صعبة . ـ نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم ـ .
السائل : إذا كانت التوبة لا تنفع عند حضور الأجل فما الفائدة من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعمه أبو طالب : ( قل لا إله إلا الله كلمة أحاج بها عند الله ) ؟
الشيخ : والجواب على ذلك: أن هذه قضية عين ، فكما أن أبا طالب ينتفع بشفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام دون غيره من الكافرين فقد ينتفع بإسلامه دون غيره من التائبين في هذه الحال ، هذه واحدة ، الوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يجزم بأنها تنفعه ، ماذا قال ؟ أحاج ، والمحاج قد تقبل حجته وقد لا تقبل ، فإذا كان هذا الحديث لا يدل على أنها تقبل جزما فإنه من المتشابه الذي يحمل على المحكم وأن التوبة في هذه الحال لا تقبل .
السائل : سؤال غير واضح ؟
الشيخ : نحن نجيب على هذا بجوابين ، الجواب الأول سبق وأن العامل للسوء بجهل الذي هو ضد العلم لا يؤاخذ به أصلا فلا تلزمه التوبة منه ، والثاني: أن الجهالة لا تطلق على الجهل الذي هو ضد العلم بل هي معنى عن السفاهة .
السائل : أليس توبة قول الكافر " لا إله إلا الله " الذي قتله أسامة رضي الله عنه ؟
الشيخ : هذه قضية عين ولا ندري إن اليهودي هذا قد حضره الأجل ... إنه قريب منه